خوف عليها أم خوف منها؟!

نشر في 18-07-2007
آخر تحديث 18-07-2007 | 00:00
 حسين العتيبي كَثُر الحديث في الفترة الأخيرة عن الديموقراطية، وانحراف مسارها، وبدأ البعض يبكون ويتباكون عليها وعلى الممارسات التي تسيء إليها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهؤلاء «البعض» لا نستطيع أن نجزم بحقيقة نواياهم، لكننا نؤكد وجود مدافعين عن الديموقراطية بنوايا صادقة، والبعض الآخر في حقيقتهم يزداد بكاؤهم منها.

الحقيقة التي كشفتها التجربة الديموقراطية عبر أكثر من أربعة عقود، أن الذين كانوا -في الأصل- يحاربونها ويعادونها، كانوا يعلنون رفضها صراحة، لكنهم مع انتشار المد الديموقراطي الذي أصبح ظاهرة عالمية وإنسانية، تحولوا في طريقة محاربتها ومواجهتها بضربها من الداخل، تلك المدرسة التي تأسّست أصلاً في تجربة المجلس النيابي المزوّر عام 1967، أصبحت شعاراً قائماً، بأن أسهل طريقة لضرب الديموقراطية تلك التي تعتمد على مبدأ ضربها من داخلها وبنفس أدواتها، فكان العبث بالعملية الانتخابية، إذ ظهرت سياسات التجنيس العشوائي، والانتخابات الفرعية والعبث بالدوائر الانتخابية بغية سهولة التحكم في نتائجها.

وعبر ما يربو على نصف قرن من الممارسة، تضاءل الصوت المنادي علناً وجهراً برفضه الديموقراطية وأدواتها، وتحول إلى صوت ينضم إلى أصوات صادقي النوايا في الدفاع عن التجربة والخوف عليها، لكن حقيقة هؤلاء البعض هي زيادة الخوف منها أكثر.

نعم، فللتجربة مثالب وعلى ممارساتها مآخذ وملاحظات، لكن هذا النوع من التجارب يصحح أخطاءه بمزيد من الديموقراطية، ويتجاوز عيوبه بمزيد من الممارسة والتجذير والتأصيل لمبادئها وثوابتها... وحتى لا تتحول ممارستها إلى سبب في تأصيل الفُرقة والفتنة والتشرذم والطائفية والفئوية، يجب أن تحصّن بمزيد من الأدوات الديموقراطية والمساحات التي تحتضنها... وقبل هذا وذاك، يجب أن نحميها من عبث العابثين فيها من داخلها، ونعني تحديداً محاولات توجيهها أو «إدارتها» وفقاً لصراعات ومصالح من يفترض فيهم ان يكونوا مسؤولين عن صيانتها، لا بل ينأون بأنفسهم عن تهمة التأثير فيها.

الممارسة الديموقراطية لن تستقيم في ظل تقسيم فئوي وطائفي وقبلي للعملية الانتخابية، ولن يغيب عنها الاعوجاج والانحراف ما دامت الأيادي تمتد إليها ساعية إلى العبث في أدواتها... ولن تستقر في ظل الدعوات إلى ضبطها وتقليص هوامشها ومساحاتها... الديموقراطية بحاجة إلى المزيد من الشفافية في ممارستها، والمزيد من القوانين التي تحميها وتطورها مثل قوانين الحريات والأحزاب.

كما أن أي تجربة هي في الأصل بحاجة إلى نوايا صادقة مؤمنة بها كمنهج ومسار للمجتمع، وكذلك الديموقراطية بحاجة إلى مثل هذه النوايا، وأخطر ما يعتريها ان الذين يخافون منها يتباكون بأنهم يخافون عليها..!

back to top