الزوجة المهجورة مقهورة ... لا معلّقة ولا مطلّقة
هجر الأزواج للزوجات مأساة تعانيها النساء في العديد من المجتمعات العربية. تتحول المرأة إلى زوجة مع وقف التنفيذ وتزداد الأمور تعقيداً حين تطلب الطلاق ويرفض زوجها, راغباً في إذلالها وكسر مشاعرها بحجة أن الهجر عقاب ديني مشروع. حالات كثيرة تبقى حبيسة جدران المنازل. رجال ونساء لجأوا إلى محاكم الأسرة كما هي الحال في مصر.
ترى فاطمة نبيل (متزوجة منذ 3 سنوات) أن هجر الزوج لزوجته من أقسى أنواع المعاملة التي يلجأ إليها الزوج ضد زوجته فالهجر على أنواعه، سواء كان هجر الفراش أو البيت أو الكلام، قاسياً على المرأة. لكن الأمر لا يعني الكثير للرجل والسبب توافر البدائل السهلة له، عبر الزواج مرة أخرى أو عبر العلاقات غير المشروعة، إضافة إلى ضعف الوازع الديني وعدم الفهم الصحيح لكيان الزوجة. تروي تجربتها: «اقترن زوجي بأخرى وشيئاً فشيئاً بدأ يهجرني، بدءاً بالكلام إذ كان يلتزم صمتاً مطبقاً في البيت، ثم بدأ يفتعل المشاكل والمبررات ليهجرني في الفراش وصولاً الى هجر البيت. عندما ثرت على هذا الوضع خيرني بين قبول الأمر الواقع أو الطلاق فاخترت المحكمة مهما كانت النتائج والتبعات فأنا زوجة شابة ولي حقوق». تؤكّد وسام منير( متزوجة منذ 7 سنوات) أن الأزواج الذين يلجأون إلى هجر زوجاتهم ليس لديهم أي وازع ديني ورغم الخطأ الفادح لهؤلاء الأزواج إلا أن الزوجة أيضا مسؤولة أحيانا عن هرب زوجها وهجره لها نتيجة عدم توفير المناخ الأمثل له. ورغم الضغوط النفسية التي تعيشها المرأة إلا أنها تفضل كثيرا أن تظل معلّقة وتعاني وحدها أفضل من أن يعيرّها المجتمع بالطلاق لو فكرت فيه حلاً. يعتقد أما علي محمد ( يعمل في قطاع السياحة) أن المسؤولية في مسألة الهجر تقع على كلا الزوجين، فمع تقطع خيوط الحوار بين الطرفين تتراكم الأمور لدى كل طرف ويحدث ما لا تحمد عقباه، علماً أن الهجر إحساس مهين للمرأة كأنثى إلا أن كثيرات يقبلنه بديلا من الطلاق وخوفاً من نظرات المجتمع فالأمر هنا يبدو نسبياً بين امرأة وأخرى. يرى مدحت السيد (موظف) أن الرجل لا يلجأ الى هذا السلوك إلا إذا كان لديه مبرر، واصفاً الهجر بأنه تصرّف غير حضاري خاصة أن الدين الإسلامي وضع ضوابط للهجر فالحياة الزوجية هي مودة ورحمة وانعكاسات الهجر تمتد إلى الأطفال الذين يتألمون نفسياً من غياب الأب عن المنزل بشكل مستمر. يعتقد مدحت ان الأفضل في هذه الحالة إنهاء الحياة الزوجية بالطلاق لأن الزوجة هي المتضرر الأكبر من الهجر، خاصة أن الرجل يستطيع الزواج من امرأة اخرى. أما أحمد الزغبي (مهندس) فيقول: «هجر الزوج لزوجته قد يكون سببه الرجل أو المرأة، لكن في الغالب هو الرجل. يفسر سلوك الزوج هذا انه يفاجأ بعبء المسؤوليات الملقاة على عاتقه فيهرب تاركاً المسؤولية على المرأة، فإما يهرب خارج البيت أو يهجرها إلى زوجة ثانية وفي بعض الأحيان قد يستأجر الزوج شقة خاصة من غير اكتراث بتأثير ذلك على زوجته وأبنائه». ويرى أحمد «أن هذا الأسلوب في التعامل مع المرأة غير حضاري على الإطلاق. صحيح الدين الإسلامي منح الرجل هذا الحق إنما لمجرد التلويح به للمرأة كنوع من التهديد لا لاستخدامه بشكل سافر ومهين ضدها». رأي اختصاصيّإذا كان هجر الزوج لزوجته مادياً إلا أن له تبعات نفسية عميقة يحدثنا عنها الدكتور أحمد شوقي العقباوي استشاري الطب النفسي في القاهرة: «الهجر بعامة نوع من العدوان السلبي على الآخر ويتمثل في إهمال الشخص أو تجاهله أو قتله بالكلمة أو النظرة. في العلاقات الزوجية يتمّ الهجر نتيجة تفاقم مشاكل عديدة بين الزوجين لا حلّ لها، يتسبب بمشاكل نفسية للمرأة ويشعرها بالقلق والاكتئاب والتوتر والخوف الدائم من وضعها المعلق. وقد تدخل الزوجة في ثورات غضب وسلوكيات عدوانية شديدة تختلف وفقاً لاختلاف شخصية المرأة نفسها. فالمرأة التي يهجرها زوجها تصيبها نوبات غضب حاد من جراء الهجر، أما المرأة ذات الشخصية المنطوية فتعاني داخلياً فيكون تأثير الهجر أشد قسوة لأنها لا تنفس عن حالة الغضب التي تعتريها. فضلاً عن انعكاس ذلك على الأبناء وتجسده عنفاً وعدواناً فيغدو الأبناء أكثر ميلاً الى العنف والإحساس بالوحدة والعزلة وينتج ويضعف تحصيلهم الدراسي. لعل النصيحة الأبرز ضرورة بحث الزوجين عن مفاتيح السعادة الزوجية وحل أي خلاف ودياً وبعيداً عن العقاب القاسي الذي يتمثل في الهجر». رأي الدينإهتم الإسلام بوضع ضوابط وقواعد تنظم كيان الأسرة حتى في حالات الشقاق. توضح د. اَمنة نصير أستاذ الفلسفة والعقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «أن الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لم يكن يترك الجيش في الثغور وعلى الحدود لأكثر من أربعة أشهر، وهي المدة التي أشارت عليه بها ابنته حفصة، بكونها كافية غيابياً للزوج كي لا تقع الزوجة في الانحراف والخطأ».تضيف: «إن هجر الزوج لزوجته لا يكون إلا في حالة عدم خضوع الزوجة لنصح الزوج، والإسلام عالج الخلاف الزوجي وفق مراحل إذ يقول تعالى: «الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن الله كان عليا كبيرا، وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا أصلاحا يوفق الله بينهما أن الله كان عليا كبيرا».يظن بعض الرجال أن أي خلاف بسيط مع الزوجة يكون علاجه بالإذلال والإهانة وأقسى الأساليب أي الهجر الذي صار أحد الاشكال المستترة للتفكك الأسري غير المعلن. والمتضرر الوحيد منه هو المرأة. عندما تطول مدة الهجر يحق للزوجة أن تطلب الطلاق للضرر.