قضية لبنان أمام مجلس الأمن
تقديم: محمد حسين شمس الدينالناشر: دار الجديد
صدر عن دار الجديد كتاب «قضية لبنان أمام مجلس الأمن» قدّمه الباحث محمد حسين شمس الدين. الكتاب عبارة عن محاضر جلسات رسمية عقدها مجلس الأمن الدولي بين 6 و11 حزيران من العام 1958، للنظر في شكوى لبنان ضد الجمهورية العربية المتحدة (مصر) متّهماً إياها بالتدخل في شؤونه الداخلية، ودعم الثائرين في لبنان ضد السلطات القائمة إضافة إلى أعمال إرهابية تقوم بها عصابات مسلّحة تتسلّل من سورية وتزهق أرواح اللبنانيين وتقوض الأمن والسلم الداخليين. يلاحظ قارئ محاضر الكتاب الموثقة الشبه بين الازمة اللبنانية الراهنة بين المعارضة والموالاة وأزمة 1958 بين الرئيس كميل شمعون والقوى العروبية المدعومة من النظام الناصري. ولعل تلخيص جوهر محاضر الجلسات يعطينا صورة عمّا نقصده. فقد عقدت الجلسة الأولى يوم الجمعة 6 حزيران 1958. بدأ وزير خارجية لبنان شارل مالك مداخلته، مذكراً الجهد الذي بذله لبنان في الجامعة العربية لحلّ مشكلته مع الجمهورية العربية المتحدة، وكيف أن لبنان تقدّم بطلبات متتالية إلى مجلس الأمن لتأخير عقد هذا الجلسة إفساحاً في المجال أمام جامعة الدول العربية لحل موضوع الشكوى اللبنانية. إلا أنّ الجهود التي بذلت ذهبت سدى وفق مالك. وعدد الاخير نشاطات الجمهورية العربية المتحدة لتقويض إستقلال لبنان والنيل من سيادته، متهماً إياها بالقيام بسلسلة أعمال غايتها قلب الحكم في لبنان عبر دعم ثورة شعبية فيه، كاشفاً قيام سوريا بتدريب وتسليح اللبنانين. وطلب مالك من مجلس الأمن مساعدته على كفّ يد ج.ع.م عن التدخل في الشأن اللبناني وقيام علاقات طبيعية معها، وأن يتاح للبنانيين حل مشاكلهم دون التدخل الخارجي في شؤونهم. ردّ مندوب الجمهورية العربية المتحدة عمر لطفي على مطالعة مالك قائلاً انّ الحكومة اللبنانية لم تقبل باقتراحٍ تقدمت به ستّ دول عربية بينها العراق والأردن، تدعو إلى تعزيز العمل لوضع حدّ لكل ما يسيء إلى العلاقات بين الدول العربية، ومطالبة الحكومة اللبنانية بسحب شكواها إلى مجلس الأمن، ودعوة الأفرقاء اللبنانيين لإنهاء الإضطرابات وإتخاذ التدابير اللازمة لتسوية الخلافات الداخلية بالطرق الدستورية السلمية. ونفى المندوب المصري نفياً قاطعاً ما ورد بشأن تهريب الأسلحة من سورية مؤكداً من جهة أخرى انه بإمكان أي كان شراء الأسلحة وخاصة الخفيفة منها في أية بقعة من العالم وهي متوافرة في الأسواق. وكان موقف مندوب الإتحاد السوفياتي لافتاً من شكوى لبنان إلى مجلس الأمن، الذي اتهمه بأنه لم يستنفد محاولات حلّ مشاكله مع جيرانه بطريقة ثنائية أو عبر المنظمات الإقليمية، كما ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، قارئاً على الحاضرين نص بيان للمعارضة اللبنانية تحذّر الدولة اللبنانية من قضية تدويل الأزمة وأن الإتهامات التي توجهها إلى الجمهورية العربية المتحدة غايتها استجداء التدخل الأجنبي، واستدعاء قوات أجنبية إلى أرض لبنان . وعقدت في 15 حزيران 1958 الجلسة الثانية لمجلس الأمن فكان أول المتحدثين فيها مندوب الجمهورية العربية المتحدة، مقدماً مطالعة طويلة من الحجج المضادة على اتهامات مندوب لبنان، مفادها أن الإتهامات لا تستند إلى براهين موثوق فيها، فضلاً عن أنها صادرة عن أجهزة الأمن اللبنانية، التي غايتها تقديم المعلومات إلى الحكومة اللبنانية، مفنداً اتهامات لبنان ومسقطاً عنها الاهلية ومستعيداً المبادرة عبر شنّ حملة على لبنان متهماً إياه بشن حملة افتراء على الجمهورية العربية المتحدة عبر صحافته. أما مندوب لبنان فقد شرح أنه ومنذ ساعتين قبل إنعقاد المجلس وردته معلومات من الحكومة اللبنانية تؤكّد تفاقم الوضع الأمني مع تزايد حركة المسلحين وتهريب الأسلحة عبر الحدود. وألمح المندوب اللبناني الى أن أجوبة مندوب الجمهورية العربية المتحدة في ما خص تجاوزات دولته على لبنان لم تتجاوز الـ25 بالمئة مما أورده في شكواه في الجلسة الأولى، وأنه سينظر في هذه الإجابات ليتسنّى له الرد عليها وتبيان الحقيقة.بعد ذلك أعطي الكلام لمندوب الإتحاد السوفياتي الذي اعتبر أن المشكلة اللبنانية مشكلة داخلية بحتة، وهو ما تؤشّر إليه تصريحات العديد من القادة اللبنانيين في المعارضة. ثم استعرض المندوب العراقي في مداخلة، موقف بلاده، معيداً المسألة برمّتها إلى سياسة عبد الناصر التي تحاول السيطرة على البلدان العربية بدعم من الاتحاد السوفياتي، الذي يدعم المعارضة في كثير من البلدان العربية تمهيداً لسيطرته عليها. وتقاطعت مواقف مندوبي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا عند نقطة تأييد الشكوى اللبنانية، مركّزة على أهمية وجود المعارضة في أي بلد ديمقراطي، على أن تقوم بدورها وفق النظام والمؤسسات الديمقراطية، وألا تستغل أي دولة مجاورة هذه المعارضة لتأليبها ضد حكومتها عبر القيام بثورات أو الإنقلاب عليها، مذكرين بكثير من القوانين في الأمم المتحدة في ما خص التدخل الخارجي الذي لا يتخذ فقط صفة حيازة الأرض واحتلالها إنما أيضا عبر تمويل وتدريب جماعات داخلية تقوم بتأليب الأوضاع الداخلية لهذا البلد وأيضاً في ما خص الصحف والإذاعات وحملات التحريض الإعلامي.الجلسة الثالثةواستعرضت في الجلسة الثالثة أي الأربعاء 11 حزيران 1958 مواقف أعضاء مجلس الأمن من مشروع القرار الذي اقترحه المندوب السويدي الذي ينصّ على إرسال فريق مراقبين إلى لبنان لضمان عدم حدوث تسلّل غير شرعي للأشخاص أو تزويد بالأسلحة أو أية مواد أخرى عبر حدود لبنان. واحيل القرار على التصويت، فأيّده عشرة أعضاء فيما امتنع الإتحاد السوفياتي عن التصويت. كم يشبه حاضرنا ماضينا!! وما قامت به موسكو بالأمس تقوم به طهران راهنًا.تذوّق«وأنت تقرا هذه المحاضر عن مناقشات مجلس الأمن بين 6 و11 حزيران 1958، عشية «الحرب الاهلية»، لا يسعك الا أن تفكر بصوت عال:هو ذا التاريخ يعيد نفسه... وحرفيا! ذلك ان التطابق ما بين الموضوع آنذاك، بجوهره وتفاصيله المملة، وبينه الآن وهنا. يكاد يكون مذهلاً.بالرغم من ذلك اجدني، بعد شيء من التدقيق، اعيد النظر في انطباعي الأول بأن تاريخنا يعيد نفسه. فما يحدث اليوم، وان كان صورة مطابقة لما حدث قبل نصف قرن، ليس عودًا للتاريخ على بدئه، بل هو دليل قوي على أن الزمن اللبناني لم يتزحزح عن تلك اللحظة قيد انملة.ان المشكلة اللبنانية، أو القضية اللبنانية في مجمل التعاطي معها، لم تنتقل، بعد 1958، الى حال أخرى مختلفة ثم عادت أدراجها الى مربع الأزمة ال ما حدث عملياً هو مراوحة تاريخية، على مزيد من الشيء نفسه...في تقديري ان القضية اللبنانية، في جوهرها، لا تزال قيد الاسئلة التاريخية التي طرحها الوزير شارل مالك عام 1958. كما ارى أن قراءة هذا الكتاب تساعد على إعادة النظر في «الصورة النمطية» التي كوّنها كثير من اللبنانيين عن ازمة 1958، والتي سحبت نفسها على محطات أخرى لاحقة في تاريخ الأزمة اللبنانية المتمادية».