كولن باول: على دول المنطقة استغلال فوائضها المالية للاستثمار في مواردها البشرية طالب في ندوة البنك الوطني العالمية دول الخليج بدعم الاستقرار في العراق

نشر في 20-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 20-11-2007 | 00:00
نظم بنك الكويت الوطني ندوته السنوية العالمية بحضور ومشاركة وزير الخارجية الأميركي السابق الجنرال كولن باول، الذي تحدث عن الفرص والأزمات في الشرق الأوسط، وذلك وسط حضور مكثف من كبار الشخصيات السياسية والاقتصادية ورجال الأعمال، حيث أقيمت الندوة تحت رعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، الذي أناب عنه النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ الدكتور محمد الصباح السالم الصباح بالحضور.

وقال نائب رئيس مجلس إدارة بنك الكويت الوطني ناصر مساعد الساير في كلمة افتتح بها الندوة انه «نادرا ما شهدنا حقبة من التاريخ تجلت فيها قوتان متناقضتان، وأعني بهما الفرص والأزمات، بهذا القدر من التزامن الوضوح الذي تتجليان فيه اليوم، ليس على صعيد الشرق الأوسط فحسب، بل على صعيد العالم أجمع».

وأضاف ان منطقة الشرق الأوسط على وشك أن تطوي صفحة العام الخامس من الازدهار الاقتصادي الذي يغير وجه المنطقة مدعوماً بطفرة في عائدات النفط والغاز، وإصلاحات ديموغرافية واقتصادية إيجابية، حيث خلقت هذه التوليفة من العوامل بيئة اقتصادية تتسم بديناميكية تفوق ما شهدته المنطقة لعقود خلت.

وأشار الساير إلى أن الازدهار الذي جلبته العائدات النفطية المتزايدة للبلدان المنتجة في مجلس التعاون الخليجي اخذ بالانتشار نحو بقية مناطق الشرق الأوسط، في الوقت الذي أخذ فيه المستثمرون يتوجهون نحو مزيد من التنويع في الأسواق المجاورة التي ركبت موجة الإصلاحات والتحرير الاقتصادي.

واستشهد الساير بتقرير صندوق النقد الدولي، الذي اشار إلى أن معدل النمو الفعلي الوسطي في أنحاء الشرق الأوسط بلغ %5.8 سنوياً مابين عامي 2003 و2005، أي قرابة ضعف معدل النمو الوسطي البالغ %3 الذي شهدته المنطقة خلال الفترة الممتدة من عام 1980 إلى عام 2002، وهو معدل لم يتجاوز معدل النمو السكاني، وقد بلغ فائض الحساب الجاري المجمَع للمنطقة %20 من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى ارتفاع عائدات النفط، وقال الساير انه علاوة على ذلك، فإن القطاع الخاص، الذي طالما لعب دوراً محدوداً إلى حد ما في الحياة الاقتصادية في العديد من البلدان، بدأ ينمو ويزدهر، ولا تبدو الآفاق الاقتصادية أقل تفاؤلاً وإشراقاً على المدى المتوسط بطبيعة الحال، حيث عادت أسعار النفط إلى تحقيق أرقام قياسية، وعلى الرغم من أن التنبؤ بأسعار النفط هو عملية محفوفة بالمخاطر، فان الخبراء يجمعون على أننا نعيش حقبة جديدة للنفط، حيث يتوقع للأسعار أن تحافظ على ارتفاعها بصورة تكفي لاستمرار الفوائض لبلدان مجلس التعاون الخليجي، وإبقاء اقتصادياتها في حالة من النشاط الصاخب والثقة العالية.

الكويت في قلب الفرص والأزمات

وذكر الساير انه على الرغم من هذه الصورة الوردية فإنها تتناقض بشكل صارخ مع الضغوطات الجيوسياسية والنزاعات، سواء في ما يخص العراق، وإيران، وفلسطين أو لبنان أو العديد من النزاعات الداخلية السياسية أو الاجتماعية، التي لاتقل أهمية لجهة تحديد ملامح المستقبل لمعظم بلدان الشرق الأوسط.

وأشار إلى أن الكويت بالذات تقع في قلب هذا التجاذب مابين الفرص والأزمات سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي. وفي الوقت الذي يبدو فيه أداؤنا جيداً على الصعيد الاقتصادي، رغم أنه يبدو في نظر الكثيرين أقل من قدراتنا، فإننا نواجه تحديات جسيمة حين يتعلق الأمر بالسعي الى تحقيق طموحات أجيالنا القادمة.

وأكد أن «عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة من شأنه أن يقوض الجهود المتواصلة لحكومتنا من أجل تسريع التنمية الاقتصادية في الكويت بصورة تمكنها من زيادة مساهمتها الإيجابية في الشؤون الدولية، ولهذا يغدو من الضروري لنا جميعاً أن نمتلك رؤية معمقة ومتروية بشأن هذه القضايا تمكننا من السعي الى بلورة هدف مشترك لدى تصدينا للتحديات التي تواجهها المنطقة».

وعن تصدي البنك لتنظيم هذه الندوة قال الساير ان بنك الكويت الوطني، ممثلاً عن القطاع المصرفي، باعتباره أحد القطاعات الأسرع نمواً في الاقتصاد، وممولاً للعديد من مشاريع البنية التحتية العملاقة في المنطقة، يقف في مقدمة ركب التنمية والتغيير في الشرق الأوسط، ولهذا فهو معني إلى حد كبير بإدراك واستيعاب المخاطر السياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة.

مجلس استشاري عالمي

وأشار الساير إلى قيام البنك بتأسيس مجلس استشاري عالمي يضم بين صفوفه نخبة من المفكرين وصناع القرار العالميين برئاسة السير جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بحيث يقدمون للبنك رؤاهم القيمة سواء بشأن القضايا الإستراتيجية طويلة الأجل أو التطورات التي تخص المنطقة والعالم، وللمساعدة في توجيه مبادراتنا التوسعية الإقليمية وإدارة عملياتنا المتنامية.

وقدم الساير ضيف البنك والكويت الجنرال كولن باول، مشيرا إلى انه شخصية تحظى بشعبية واحترام كبيرين، سواء في بلاده أو على المستوى السياسي الدولي، وقد قاد خلال توليه آخر منصب له كوزير للخارجية الأميركية بين عامي 2001 و2005 الدبلوماسية الأميركية في تصديها للعديد من النزاعات العالمية والإقليمية والأهلية، ولعب دوراً محورياً في الحرب ضد الإرهاب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، وقد أكد باول، المدافع القوي عن القيم الديموقراطية، أن خوض حرب ظافرة ضد الإرهاب ليست مسألة عسكرية فحسب، وإنما هي مهمة دبلوماسية أيضاً.

كولن باول

من ناحيته، أعرب باول في بداية كلمته عن سعادته البالغة لزيارة الكويت التي تربطه بها ذكريات جميلة تعود إلى عهد الرئيسين ريغان وبوش الأب، والدور الذي لعبه هو شخصياً في قيادة التحالف الدولي الذي قام بتحرير الكويت، مؤكداً عمق الصداقة التي تربط الشعبين الأميركي والكويتي، ومنوهاً بالفرص العديدة والغنية راهناً لتعزيز هذه الروابط، وتحقيق المزيد من الازدهار الاقتصادي للشعبين.

سياسة «الاستيعاب» في حقبة تعدد الأقطاب

واستعرض باول مسيرته العسكرية والسياسية خلال عهدي الرئيسين ريغان وبوش الأب، ومن ثم توليه قيادة الدبلوماسية الأميركية على رأس وزارة الخارجية في عهد الرئيس بوش الابن، موضحاً أبعاد المهمة الرئيسية التي أوكلت إليه سواء كضابط عسكري قيادي أو كمستشار للأمن القومي، وذلك في إطار سياسة الاستيعاب التي انتهجتها الإدارات الأميركية المتعاقبة في إطار الصراع المحتدم مع الإمبراطوريتين السوفيتية والصينية، وهي السياسة التي توجت بانهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاج الصين سياسات أكثر ليبرالية، لاسيما على الصعيد الاقتصادي.

وأشاد باول بالانفتاح الصيني ودعا أوروبا إلى النظر للصين باعتبارها شريكاً تجارياً وليست عدواً، مؤكداً قناعته بأن القوة الحقيقية، لاسيما في عصرنا الراهن، ليست للسلاح فحسب، وإنما هي قوة الاقتصاد.

أفغانستان والعراق

وأوضح باول أن الولايات المتحدة نجحت في التخلص من النظام الاستبدادي في أفغانستان، غير أن المطلوب الآن هو تحقيق مشاركة أوسع من جانب الشعب الأفغاني، لمواجهة المشاكل التي تعيق التنمية والتطوير وفي مقدمها مشكلة زراعة وتجارة المخدرات.

وعن العراق، قال باول: لقد كانت مهمتنا صعبة للغاية عندما تم اجتياح العراق، وقد دخلنا كقوة محررة وقوضنا البنية التحتية بكاملها، وكان ينبغي علينا إعادة بناء ما تهدم، غير أننا تحولنا إلى قوة احتلال ولم ننجح في تحقيق ذلك، في الوقت الذي أخذت تتنامى فيه مظاهر وتجليات الحرب الأهلية هناك. وأضاف باول انه كان ينبغي إعطاء القادة العراقيين المزيد من الحرية لإدارة أمور البلاد، والعمل على إخماد الفتن الداخلية لأن الإسراع في تحقيق ذلك من شأنه أن يسرع عملية خروج القوات الأجنبية من العراق.

ودعا باول الدول الخليجية إلى بذل الجهود من أجل مساعدة العراقيين على تحقيق المصالحة والسلم الأهلي، لأن في ذلك مصلحة للجميع.

استبعاد الضربة العسكرية لإيران

وعن الضربة العسكرية، التي كثر الحديث عنها اخيرا، استبعد من وجهة نظره الشخصية والمبنية على مجموعة من الأسس قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد إيران، مستعرضا مجموعة من الأسباب المنطقية التي تؤكد وجهة نظره في مقدمتها انشغال الولايات المتحدة بجبهتين حاليا هما أفغانستان والعراق، إلى جانب رفض القوى الكبرى كروسيا والصين هذه الحرب، وعدم اقتناع الرأي العام الأميركي بمبررات الحرب حتى الآن، بالإضافة إلى حجم القوة الإيرانية.

وأضاف ان أميركا لا تبحث عن مكان آخر ترسل إليه جنودها، كما انه لايوجد سيناريو واضح وعقلاني لاتخاذ أي خطوة عسكرية حتى الآن، إلا انه رغم ذلك فان الخيار العسكري يظل موجودا على طاولة أي رئيس أميركي.

وعن سعي الولايات المتحدة لنشر الديموقراطية في العالم قال باول انه عندما كان وزيرا كان دائما ما يتحدث عن الديموقراطية وأهميتها لدول العالم، إلا انه شدد على أن نموذج الديموقراطية الأميركي لا يمكن أن يطبق في كل مكان في العالم.

وعن الفارق بين السياسة الأميركية والأوروبية قال باول ان الأميركيين يحاولون دائما حل المشكلات وليس مجرد الحديث عنها وطرحها للنقاش، كما يفعل الأوروبيون، مضيفا ان تاريخ الولايات المتحدة يؤكد هذه الحقيقة من خلال النزاعات المختلفة التي تدخلت لحلها في مختلف انحاء العالم.

وأضاف ان الولايات المتحدة لديها القدرة على التحرك في أي اتجاه نحو حل المشكلات التي تحدث في العالم، بينما تفتقد أوروبا هذه القدرة.

وعن مدى تأثير هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة أكد باول أن هذه الهجمات لم تؤثر في انفتاح أميركا على العالم، وان الإرهاب أبدا لم ينل من سياسات أميركا الانفتاحية.

وقال باول ان منطقة الخليج تنعم بثروات كثيرة وفرص عديدة وأصدقاء في مختلف أنحاء العالم، وان عليها استغلال هذه المزايا جميعا من اجل الاستثمار في البشر، وتطوير القدرات والمهارات البشرية من اجل خلق أجيال قادرة على قيادة مستقبل هذه الدول، وتحقيق الازدهار لها.

خلق الثروات هو الأهم في عصر العولمة

أوضح باول أن الأمر المهم الآن في عصر العولمة، أياً كان شكل النظام السياسي، هو النجاح في استثمار وتعظيم الموارد من أجل خلق الثروات التي تؤمن للشعوب مستويات جيدة من الرفاه، مستشهداً بما يجري حالياً سواء في روسيا والصين، حيث انه على الرغم من أنه لاتزال هناك حاجة إلى تعزيز الديموقراطية، فان العمل يجري بوتيرة عالية على صعيد تعزيز الموارد وخلق وتراكم الثروات.

وأشار باول إلى أن منطقة الشرق الأوسط عامة والخليج خاصة تعيش ثورة حقيقية وكبيرة على صعيد خلق وتوليد الثروات لأنها منطقة زاخرة بمصادر الطاقة (التي تعتبر عنصراً أساسياً لخلق الثروات بعد الاقتصاد)، لكنه أوضح أن هناك حاجة إلى المزيد من الجهود في هذه المنطقة من أجل إنجاز عملية التنمية الحقيقية واللحاق بركب العصر في ظل اقتصاد العولمة، الأمر الذي يحتاج إلى المزيد من التثقيف والتوعية والاستثمار بصورة أكبر في تطوير نظم التعليم والرعاية الصحية، وخلق أجيال تؤمن بأهمية العمل التنموي الجاد. وحذر في هذا الإطار من الاعتماد الكلي على القطاع العام، مؤكداً الدور الكبير الذي يمكن أن ينهض به القطاع الخاص على هذا الصعيد. وفي الإطار ذاته، قال باول إن بلدان مجلس التعاون الخليجي باتت تمثل واحة تؤكد للعالم على نحو واضح قدرة الشعوب على العيش بسلام، وإقامة تحالفات وشراكات اقتصادية مع شعوب أخرى بعيدة عنها جغرافياً كالشعب الأميركي.

back to top