د. فايزة يوسف: المرأة أكثر اعترافاً بمرضها النفسيّ من الرجل
أفرزت الحياة العصرية ضغوطاً نفسية كثيرة تلاحق الإنسان منذ طفولته وطوال حياته، ما جعله عرضة للإصابة بالأمراض النفسية.
يتغلب البعض على الضغوط ويصمد أمامها فيهزمها ويتحرر منها، ويفشل البعض الآخر في التعامل معها فيكبتها ويحرص على إخفائها والتكتم عليها الى أن تتفاقم ويصبح أسيراً لها.ناقشت «الجريدة» هذه القضية وقضايا نفسية أخرى مع د. فايزة يوسف (أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس) فكان هذا الحوار.ما أبرز الأمراض النفسية المنتشرة في العالم العربي؟الغربة داخل الأسرة، وهي تزداد لتتراجع معها الفكرة القديمة عن الأسرة كونها الحضن الدافئ والبيت والملجأ الأخير وتتحول إلى شعارات يرددها الإعلام فحسب في حين أن الواقع هو غير ذلك، إذ تنعدم مشاعر الدفء داخل الأسرة وينعزل كل فرد من أفرادها بهمومه الخاصة.كيف تفسرين هذه الغربة؟بانعدام الحوار المفتوح لمناقشة أمور حياتنا كلها، فهذا الحوار هو الذي يعطي الابن أو الابنة الشعور بأن مشكلته الخاصة هي مشكلة عامة داخل الأسرة وأن اهتماماته وأحلامه هي مثار اهتمام أفراد الأسرة جميعاً وأنه ليس حصان سباق للتحصيل الدراسي أو التفوق الرياضي أو الاجتماعي لمجرد التباهي به، لذلك اقول لكل أب وأم «كفوا عن التعامل مع أولادكم كدمى تشكلونها وفق أحلامكم لتحقيق رغباتكم من دون الاهتمام برغباتهم أو أحلامهم». على الآباء أن يكونوا عوناً لأبنائهم لتحقيق أحلامهم وينظروا الى حياتهم بأعين الأبناء أنفسهم. الغربة بين الأزواج باتت «قنبلة موقوتة» داخل الأسرة، ما تعليقك على ذلك؟«زوجت ابني، الحمد لله أتممت رسالتي وكفى»، هذه العبارة نسمعها كثيراً من الآباء في بيوتنا العربية، فالأزواج يتحملون الحياة الزوجية من أجل أولادهم فحسب، والسبب هو أنهم ينظرون إلى الحياة الزوجية على أنها سبب للانجاب وليست حياة كاملة يجب أن يتوافر فيها الرضا والقناعة بالطرف الآخر، ما يؤدي إلى تفاقم الغربة بين الأزواج. ولعلاجها لا بد من وقفة يراجع فيها كل طرف نفسه وتصرفاته ويكف عما يضايق الطرف الآخر، فالدليل على الحب بين الطرفين هو الزواج والإنجاب وأن غربة كل واحد منهما سببها تجاهل راحة الآخر أو عدم احترام رغبات شريكه.أيهما أكثر اعترافاً بالمرض النفسي: المرأة أم الرجل؟المرأة، وهذه ثقافة مجتمعاتنا الشرقية، فالمرأة لا ترى عيباً في البكاء والتعبير عن الألم، على عكس الرجل الذي يكابر على الألم. يرى البعض صورة الطبيب النفسي في الإعلام، وخصوصا في السينما مشوهة إلى حد كبير، كيف تنظرين إلى ذلك؟الإعلام ليس متهماً. بالنسبة إلي لا تشوه السينما صورة المعالج النفسي إلى هذا الحد، بل تساعد الناس على فهم ضرورة اللجوء إليه وزيارته كلما شعروا بآلامهم النفسية.لكن إلى أي مدى تنطبق الصورة المضطربة للطبيب النفسي على الشاشة مع الواقع؟أظهرت بعض الأفلام السينمائية الطبيب النفسي محاصراً بالمشاكل النفسية ويعاني من المرض النفسي، وذهبت إلى أبعد من ذلك في تصويرها المعالج أنه مريض يخضع لعلاج المريض الذي طرق بابه وتلك صورة مضخمة هدفها الكوميديا، إلا أنها على الرغم من ذلك، تزخر بفن كبير وتوضح أن كل إنسان له مشاكله الخاصة التي تؤرقه بعيداً عن كونه معالجاً أو مريضاً والفرق أن المعالج يستطيع التعامل مع مشاكله خلافاً للمريض.لماذا يزداد خوف المريض من طرق باب عيادة الطبيب النفسي إذا كان المعالج امرأة؟لا يرى المعالج النفسي نفسه كرجل أو امرأة أمام المريض، بل شخص يستطيع مساعدة الآخرين، ويبحث في كيفية تقديم هذه المساعدة. بالنسبة الى المريض النفسي ثمة نوع لا يرى هذا الاختلاف ولا فرق عنده إن كان الطبيب المعالج رجلاً أو امرأة، وآخر له موقف خاص من الأنثى، أتصور أن الحل الأفضل لهذا النوع أن يلجأ المريض الرجل الى طبيبة والعكس صحيح، أي إذا كانت المريضة تعاني من مشكلة في التعاون مع الرجل فالمعالج الأفضل هو الطبيب الرجل. لكن لا يمكن الضغط على المريض في اختيار جنس الطبيب المعالج، وفي أغلب الأحيان يعتبر عكس النوع مفيدا جداً للمريض، لأن المشكلة تكمن في أغلب الأحيان في كيفية تفكير الطرف الآخر، ومن الجائز أن يدفع هذا الاختلاف (اختلاف جنس المعالج) المريض إلى تصحيح مفاهيم مغلوطة كثيرة عن علاقته بالجنس الآخر.