فتاوى بلا حدود ولا وطن: اليوم المرأة... وغداً الحكومة... وبعدهما الحكم
نهج غريب، هذا الذي بدأت بعض الكتل النيابية الدينية اللجوء إليه في تحديد مواقفها البرلمانية أو في اختيار قراراتها للتصويت بحجب الثقة أو منحها لوزيرة التربية، وغيرها من الموضوعات الأخرى.
نهج غريب، ومنهج أغرب في ربط التصويت بفتوى دينية وليس بموقف دستوري وقانوني يستمد أصوله من قناعة النائب، ومن التزامه بالدستور وقسمه على الالتزام به واحترامه... إنه منطق غريب للتخلي عن المسؤولية بتطبيق القول الشائع «حطها برأس عالم وتعال سالم...»، وأغرب من ذلك هو فتح أبواب الاجتهاد والإفتاء التي لا نهاية لها ولا إجماع عليها. ومثلما هناك فتاوى تجيز لأسامة بن لادن وأنصاره فعل ما يفعلونه، فإنّ هناك فتاوى تحرم أعمالهم، ومثلما هناك فتاوى لا تجيز مشاركة المرأة في العمل السياسي، فهناك أخرى تجيز لها ذلك أو «تجيز» التعامل معها. وخلال الأيام الماضية عشنا حرباً من الفتاوى بين مؤيد ومعارض، وفتاوى تتغير بين مفتٍ وآخر، أو تتبدل من نفس الجهة نزولاً عند قياس ردود الفعل المترتبة عليها. هذه الظاهرة التي يلجأ إليها بعض نواب الكتل الدينية هي هروب من المسؤولية في الدرجة الأولى، ومناورة انتخابية في الدرجة الثانية، وهي السير نحو المجهول في ربط مصير قوانين الدولة ومواقف نوابها بدور الإفتاء التي لا تنحصر في جهة محكمة ومعتمدة بقدر ما هي تأكيد لقول القائل إن «لكل شيخ طريقته» وفتواه...! اليوم نحن أمام جدل في الإفتاء حول ولاية المرأة، وغداً حول الحكومة، وبعد غد ربما حول ولاية الحكم نفسه. ومثلما يوجد من سيفتي «مع» يوجد أيضاً من سيكون «ضد». ومن باب التذكير، فإننا نذكر هؤلاء المهرولين نحو دور الافتاء أو مشايخه بأن المادة الثانية من الدستور تؤكد أن الشريعة الإسلامية «مصدر أساسي» من مصادر التشريع، ونذكر هؤلاء بمواقف ومناقشات المجلس التأسيسي عندما وقف المرحوم حمود الزيد الخالد وكان وزيرا للعدل، ليعارض زملاءه الوزراء والشيوخ الذين أيدوا صياغتها باعتبار الشريعة الإسلامية «المصدر الأساسي» للتشريع. فقد أوضح أن في ذلك خطرا على الحكم نفسه، لأن طريق الاجتهاد والإفتاء في الشريعة لا حدود ولا نهاية له. نذكر بتلك التجربة حتى نأمن المستقبل ونؤمنه، ونذكر الذين يخلطون الماء بالحليب أن آخر الأمم التي «اعتاشت» على الإفتاء هي دولة «طالبان»، وندعو الذين أقسموا على صيانة الدستور والالتزام به إلى أن يكونوا محل القسم أو فليرحلوا ويتركوا المجال لغيرهم، وندعو من يعنيهم أمر هذا البلد إلى أن ينتبهوا إلى مخاطر اللجوء إلى دور الإفتاء، وهي دور لها أول وليس لها آخر. والإفتاء لا وطن له، وهذا الأخطر في حياة الأمم التي تلتزم بدساتيرها المستوحاة من الشريعة، وليس بفتاوى من مشايخ ومرجعيات، بينما للدولة جهاز وإدارة كبرى للفتوى والتشريع يتجاهلها بعض نواب الكتل الدينية من أجل أغراض انتخابية على حساب سلامة المجتمع واستقراره. يكفي أن نتذكر كم من فتوى كانت مع حرب تحرير الكويت، وكم من أخرى كانت ضد تلك الحرب...! الجريدة