جولة بوش الشرق أوسطية - القضايا والمضامين
يحمل الرئيس الأميركي في جعبته في أثناء زيارته المرتقبة خلال ساعات لمنطقة الشرق الأوسط جملة من الملفات في مقدمها؛ مستقبل الوجود الأميركي في العراق، والملف النووي الإيراني والسعي إلى صياغة ترتيبات أمن جماعي للخليج مستبعداً طهران، ودعم المفاوضات الجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين أملاً في تسوية شاملة، ومناقشة الأزمة اللبنانية سعياً إلى تحجيم «حزب الله» والضغط من لبنان على سورية وإيران.تبدأ خلال سويعات قليلة الجولة الشرق أوسطية الأخيرة للرئيس الأميركي جورج بوش التي ستشمل دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل وفلسطين ومصر. ويبدو أن هناك أربع قضايا رئيسية وراء عودة بوش إلى الشرق الأوسط ومحاولة إدارته في عامها الأخير تنشيط أدواتها الدبلوماسية.فهناك أولاً؛ مستقبل الوجود الأميركي في العراق. مع التحسن النسبي للأوضاع الأمنية في العراق، تبلورت ملامح توافق بين الجمهوريين والديموقراطيين يقضي بالاتفاق قريباُ على جدول زمني لتخفيض عدد القوات الأميركية وتغيير طبيعة دورها على نحو يمكن سحبها من المناطق الريفية وتركيزها في المناطق الحضرية في قواعد عسكرية ممتدة مع تكليفها بمهام تتعلق أساساً بمواجهة بقايا عناصر «القاعدة» وتأمين الحدود. يسعى بوش من خلال زيارته الحالية إلى تهيئة حلفاء الولايات المتحدة خصوصاً في الخليج لهذا التحول وضمان تعاونهم مع واشنطن على نحو يحول دون نشوء فراغ أمني يهدد العراق وجيرانه.تأتي ثانياً مجموعات الملفات المرتبطة بإيران ودورها الإقليمي. وعلى الرغم من أن احتمالية قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران قد تراجعت كثيراً بعد التقرير الأخير للوكالات الاستخباراتية الأميركية الذي أكد توقف برنامج التسلح النووي الإيراني في 2003، فإن إدارة بوش مازالت ترى في الجمهورية الإسلامية مصدر التهديد الأكبر الوارد على المصالح الأميركية بالمنطقة وتريد حشد الحلفاء وراء سياسة صراعية ترمي إلى احتواء إيران ودفعها نحو سباق تسلح يستنزف طاقتها الاقتصادية المأزومة بالفعل. حجر الزاوية هنا بالإضافة إلى صفقات الأسلحة التي أبرمت بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي في 2007 هو البحث في ترتيبات أمن جماعي للخليج يستبعد إيران ويبقي على الدور المركزي للقوة العظمى، صاحبة القواعد العسكرية، قائماً دون تغيير. نعم انفتحت الولايات المتحدة جزئياً على إيران فيما يتعلق بالساحة العراقية وشرعت في حوار أمني معها، إلا أن بوش بل والأصوات النافذة بالحزب الديموقراطي لم تستبعد مطلقاً إمكانات التصعيد ضد إيران وأكدت مراراً أهمية تحجيم نفوذها المتصاعد. الأمر الثالث يذهب بنا إلى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ودور الولايات المتحدة في الوفاء بما وعدت به من مساعدة الطرفين على التوصل إلى اتفاق نهائي خلال العام الحالي. تؤشر عودة الولايات المتحدة إلى دبلوماسية السلام ودبلوماسية مؤتمرات السلام بعد غياب طويل على قناعة واشنطن بصعوبة حشد الحلفاء العرب وراء تصعيدها المرتقب إزاء إيران دونما استثمار بعض الجهد لإحراز تقدم على صعيد القضية الفلسطينية. المشكلة هنا أن إدارة بوش الراحلة لا تملك القوة الكافية للضغط على إسرائيل لبدء محادثات جدية حول الوضع النهائي ومفرداته؛ القدس واللاجئون والمستوطنات وحدود دولة فلسطين. ربما نجح بوش في الحصول على تعهدات إسرائيلية جزئية بوقف النشاط الاستيطاني وقدم بذلك طوق نجاة جزئياً للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلا أنه بعيد كل البعد في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية عن دفع حكومة أولمرت إلى ما هو أبعد من ذلك.أخيراً، لا شك أن بوش سيطرح في العواصم العربية خاصة الرياض والقاهرة رؤية إدارته للأزمة اللبنانية. الخط الأحمر الأميركي هنا هو عدم إعطاء قوى «8 آذار» وحلفائهم الإقليميين في طهران ودمشق الفرصة لإنهاء التنازع على مقعد الرئاسة الشاغر على نحو يمكن تسويقه باعتباره نصراً سياسياً جديداً. لا تريد واشنطن توافقاً بين الفرقاء اللبنانيين على حساب ما تراه مصلحة حيوية في تحجيم «حزب الله» والضغط من لبنان على إيران وسورية وربما محاولة إبعاد الثانية عن الأولى. لا تحمل الوصفة الأميركية تجاه لبنان بشائر حل سريع، بل تداعياتها هي مزيد من الاستقطاب والتنازع.هذه هي قضايا بوش قبيل جولته الأخيرة في الشرق الأوسط وما يحمله بجعبته. ليس بذلك الكثير مما يتجاوب مع المصالح العربية، بل خسائر محتملة إن اندفعت دول المنطقة نحو مقاربة صراعية احتوائية تجاه إيران أو وافقت على النهج الأميركي في لبنان.* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي» – واشنطن.