علاء الأسواني: رواياتي ليست انعكاساً لأيّ حالة اجتماعية أو سياسية

نشر في 23-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 23-10-2007 | 00:00

خلال سنوات قليلة، استطاع الروائي المصري علاء الأسواني اكتساب شهرة واسعة في الساحة الأدبية، العربية والعالمية. نجح في أعماله الإبداعية التي لم تتجاوز حتى الآن روايتين، «عمارة يعقوبيان» و{شيكاغو»، وثلاث مجموعات قصصية، «الذي اقترب ورأى» و{منتظري الزعيم» و{نيران صديقة»، متخطياً الحواجز الاجتماعية، جاعلاً نفسه كتاباً مفتوحا أمام قرائه. الأسواني الذي بدأ حياته طبيباً للأسنان وطوّر نفسه روائياً، جمع في كتاباته الواقعية والفلسفة والجموح والتجربة ما حقق له شهرة كبيرة. ومنذ بداية ظهور عمله الروائي الأول أثار جدالاً واسعاً حول أسلوبه في الكتابة ولغته المكثفة. معه هذا الحوار.

رغم الشهرة لم يحظ مسلسل «عمارة يعقوبيان» الذي بثّ في رمضان بنجاح الفيلم نفسه، ألم يصبك ذلك بإحباط؟

لكلّ فن جمهوره ومشاهدوه ولكل وسيلة أدواتها، لكني أرى أن السينما مكثفة وقدمت الرواية الى الجمهور في جرعة واحدة. أما المسلسل فهناك التزام بحلقات متعددة ولا أدافع عن فشل أو نجاح فأنا أؤمن بوجهة نظر الراحل نجيب محفوظ الذي كان يرى أن علاقته بالرواية تنقطع لدى البدء في تحويلها إلى عمل فني مرئي. ذاك ما جعل أعمال نجيب محفوظ مع حسن الإمام لا ترقى الى مستوى أعماله مع صلاح أبو سيف. فقدت الثلاثية قيمتها مع حسن الإمام، لكن «اللص والكلاب» في نسختها السينمائية دفعت الناس إلى قراءة الرواية.

إنتقد البعض أسلوبك في تشريح الحالة المصرية الراهنة، خاصة في روايتيك «عمارة يعقوبيان» و{شيكاغو»؟

أرفض فكرة أن الرواية تعبر عن الحالة الاجتماعية والسياسية لمرحلة ما في تاريخ وطن. فالرواية عمل أدبي في المقام الأول والأخير. ومع تقديري لجميع الآراء التي تناولت أعمالي بالنقد، لكني أؤمن بأن الرواية تقدم لنا حياة تشبه حياتنا وشخوصاً تشبهنا، إلا أنها ليست انعكاساً لأي حالة اجتماعية أو سياسية. إنها تستغل الواقع فحسب تناولاً وطرحاً، ما يساعد على تدفق الحوادث وتطور الشخوص. أعتقد أن أحد أسباب تراجع الرواية العربية في السنوات الاخيرة إصرار أدبائنا على حبسها في ذاك الإطار. لكن مهمة الاديب أن يعبّر ويبدع وكلما نجح في ذلك صدّق القارئ ما يكتب وأنه يتحدث عنه وعن حياته ومشاكله الحياتية الراهنة.

الحوادث التى تناولتها في أعمالك متفاوتة لناحية القرب والابتعاد عن الواقع المعاش فالنماذج في «يعقوبيان» يكاد القارئ يعرفها ويجسدها فى شخوص محددة، على عكس «شيكاغو»؟

بالنسبة الى «عمارة يعقوبيان»، تخيّل القارئ أنني اكتب عن شخصيات حقيقية فأسقط حوادثها على شخصيات معروفة فقال إن شخصية الوزير وعضو البرلمان هي شخصية سياسية حقيقية. كذلك شخصية الصحافي حاتم رشيد. هذا غير صحيح. لكن الناس صدقوا شخوص الرواية وبحثوا عن مثيلاتها في الحياة، ما منح الرواية حالة خاصة عاشها الناس. أمّا في «شيكاغو» فالشخوص طبيعية تشبه كثيرين نقابلهم في الحياة. شخصية مروة الفتاة التي نشأت في بيئة محافظة حرّمت عليها السماح لأي رجل الاقتراب منها ودفعتها إلى التفوّق لتحسين المستوى الاجتماعي والاقتصادي، رغم تجاوزها الثالثة والثلاثين واقترابها من شبح العنوسة، رفضت الاقتران بأي رجل قد يحرمها الشيء الوحيد الذي يثبت كيانها. هذه الشخصية تعبر عن ملايين النساء ليس في مصر وحدها بل في عالمنا العربي بأسره.

لكن البعض يرفض هذه الرؤية ويرى أن الغالبية العظمى من النساء تخاف شبح العنوسة وتفضل الزواج على تحقيق طموحاتها العلمية؟

أنا ضد ذلك وأؤكد أنها نظرة دونية للمرأة. ثمة نماذج كثيرة من مروة تبحث عن استقلالها وتسعى الى إثبات وجودها وتنجح فى تخطي وكسر التقاليد والعادات البالية التي تسيطر على المجتمع الذي ما برح، رغم كل ما يدعيه، ينظر إلى المرأة نظرة دونية. حاولت تقديم شخصية مروة أو الشخوص الأخرى في بيئتها التي تعبر عنها وتدفعها إلى التعبير عن ذاتها. أنا منحاز الى المرأة ومعظم قراء رواياتي من النساء بحسب إحصاءات بعض دور النشر.

بعد «عمارة يعقوبيان» قفز اسمك إلى صدارة المشهد الأدبي العربي حتى أن بعضهم أعتقد أنها أول عمل أدبي لك.

ليس صحيحاً أن هذه الرواية هي عملي الأدبي الأول إذ أصدرت قبلاً مجموعتين قصصيتين هما «الذي اقترب ورأى» و{منتظري الزعيم» وأصدرت بعد «عمارة يعقوبيان» مجموعة «نيران صديقة» ولاقت المجموعات القصصية استحساناً لافتاً في الوسط الأدبي وكتب عنها ونوقشت في ندوات كثيرة. بالنسبة الى مجموعة «الذي اقترب ورأى» أصدرت الطبعة الأولى منها على نفقتي الخاصة وبعد نفادها وما كتب عنها طلبت إليّ إحدى دور النشر الخاصة إعادة طباعتها وحدث ذلك فعلاً. لكن «عمارة يعقوبيان» قدمتني الى القراء إذ كسرت بهذه الرواية حاجز الحياة الأدبية التي تتحرك، ويا للاسف، في إطار ضيق جداً. ولأنني لا أكتب إلاّ للناس أسعدني جدا أن تستقبل روايتي الأولى بهذه الحفاوة من القارئ العادي ثم تأكدت هذه الحفاوة مع روايتي «شيكاغو».

الإغراق في التفاصيل الحسية ومداعبة الغرائز وتران جذبا القارئ إلى أعمالك فما ردك؟

هذا الاتهام ليس جديداً. سمعته عشرات المرات حول «عمارة يعقوبيان» و{شيكاغو» بل وردتني تهديدات بالقتل سواء أيام نشر «شيكاغو» مسلسلة في إحدى الصحف المستقلة أو عقب صدورها في كتاب ورأى أصحاب التهديدات أنها تحض على الفجور والفسق، في تعبيرهم، لكني رفضت فأولئك الذين يرفضون تلك المشاهد لا يعرفون المعنى الحقيقي لكلمة أدب وحوادث الرواية هي في صميم التسلسل المنطقي وليست مبتذلة او مجرد إضافة. اعتمدت روائياً على التراث الأدبي العربي الثري بمشاهد تفوق ما ورد في الرواية ومنها أعمال لأبي نواس ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وآخرين.

يرى البعض أن الأدب العربي المعاصر أضحى بلا جمهور. مقولة اثبتت روايتك خطأها فما رأيك؟

الكثير من الأدباء والنقاد يردّون ظاهرة عزوف القارئ العادي عن الأدب إلى انشغال الناس بوسائل أخرى للمعرفة أو حتى التسلية مثل التلفزيون والإنترنت وما إلى ذلك. لكن الحقيقة في تقديري خلاف ذلك تماماً وربما تكون حقيقة مؤلمة لأهل الأدب إذ أعتقد أن الأمر عائد ببساطة إلى الأدباء أنفسهم أو الغالبية العظمى منهم على الأقل في الوقت الراهن. فهؤلاء الأدباء عمدوا إلى كتابة طلاسم لا علاقة لها بالأدب وزعموا أنها الحداثة أو ما بعد الحداثة وكلها في الحقيقة مصطلحات لا معنى لها سوى حصول أكبر عملية استيراد لأسوأ المدارس العدمية في الأدب العالمي.

أيّ روائيّ هو الأقرب إليك؟

على مستوى الأدب العالمي دوستويفسكي وتشيخوف. إنهما أعظم وأهم روائيين على الإطلاق وأعتقد أنه لكي يكتب إنسان أدباً، بل رواية تحديداً، لا بد من أن يكون قرأ أدب كليهما بدقة. قراءة دوستويفسكي وتشيخوف تجعل أي روائي يسأل نفسه بعد أن ينجز عملا حقيقياً: كم أمامي من الوقت والجهد لكي أصل الى هذه الصروح العملاقة البالغة الدقة والفن والعبقرية؟.

ماذا عن عملك المقبل؟

لست من هواة التحدث عن أعمالي المقبلة إلا بعد إنجازها. رغم ذلك، أشير إلى أن عملي المقبل رواية تبحث في الازدواجية في حياتنا العربية.

back to top