الوجه الآخر لمدام كلينتون! 2-2

نشر في 07-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 07-02-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك

ما تميزت به الحملات الانتخابية الحالية حتى الآن، تعكس أربع ظواهر: الأولى هي أنه لأول مرة في التاريخ الأميركي تنافس امرأة على مقعد الرئاسة، والثانية دخول أول رجل أسود في المجتمع الأميركي إلى البيت الأبيض في حال نجاحه، والثالثة هي تخلص الرجل الأميركي من نزعته الذكورية، أما الرابعة فهي عزوف الناخب الأميركي الأبيض عن نظرته العنصرية السابقة للمسألة اللونية.

وفقاً لما جاء في المقال السابق فإن هيلاري لم تكن امرأة عادية في نظرتها إلى الأمور لذلك تحملت الخيانة الزوجية وتبعاتها على أمل الوصول إلى كرسي الرئاسة، ولو قلّبنا الموضوع خارج نطاق العاطفة المجروحة، والخطيئة المغتفرة من زوجة مطعونة، فإن التسامح العائلي لم يكن وحده الدافع الحقيقي لغض الطرف عن فضائح زوجها، فهي تعرفه على حقيقته منذ قضية جنيفر فلاوزر، وباولا جونز التي تقاضت مليون دولار عن التحرش لكي تصمت، ولكنها تعرف الجانب الآخر من الواقع السياسي، بأن الخطيئة إذا ما كانت تقود إلى الجحيم، فإن خطيئة كلينتون حققت لها مبيعات هائلة ودرباً مفتوحاً للمقعد الرئاسي، فهو الذي أدخلها إلى البيت الأبيض، وهو الذي ساعدها للحصول على مقعد السيناتور عن دائرة نيويورك الانتخابية. ومن دونه تظل هيلاري طائراً بجناح واحد، وفي النهاية مهما كبرت هيلاري في مواقعها، فهي امرأة قبلت بخيانة زوجها التي وصلت فضيحته كل أرجاء الدنيا، مقابل أن تحقق حلمها في العودة إلى فراش البيت الأبيض ومكتبه، وأضواء البيت الأبيض، وأول رئيسة امرأة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. ولكي تذلل مصاعب عبور جسر منافسها أوباما أولا، فإن منافسها من الحزب الجهوري الخصم، يبقى عبوره وضعاً سهلاً كما يرى المراقبون من استطلاعات الرأي، وفي كلا الحالين يرى المحافظون أن منافسيهم أقوياء مثل هيلاري وأوباما، فهذه المرة لدى الديمقراطيين لاعبون أقوياء في ميدان الصراع الانتخابي.

ما تميزت به الحملات الانتخابية الحالية حتى الآن، تعكس أربعة مؤشرات مهمة كظواهر جديدة، إلى جانب المظاهر التقليدية التي ظل يهتم بها الناخب الأميركي طوال هذه الفترة كالسياسية الداخلية وبرامجها والسياسة الخارجية ومدى تأثيرها في وعي الناخب الأميركي كملمح جديد برز في المجتمع الأميركي.

المهم هذه المرة وفي انتخابات 2008 أن أول مرة في التاريخ الأميركي تنافس امرأة على مقعد الرئاسة، وإذا ما حققت الفوز، فإن هيلاري تسجل أول بطولة للنساء في أكبر مجتمع غربي عرف الديموقراطية.

أما الظاهرة الثانية فهي دخول أول رجل أسود في المجتمع الأميركي، الذي كان متهماً بالتمييز العنصري حتى عقود قليلة، حملة انتخابية ساخنة ويعتبر منافسا قويا للجميع، وحصاناً سريعاً في الجري، ومن المحتمل أن يتخطى كل المسافة بنصر يفاجئ المجتمع الدولي والأميركي، وإذا ما تم ذلك بعد شهور يسجل المجتمع الأميركي بفخر للعالم لكي يقول له إن المجتمع الأميركي هو مجتمع الفرص، ولن يعود مجتمعاً لا يمكن كسر حواجزه التاريخية، فالديموقراطية الأميركية لا يمكن فهمها بسهولة، لديها لغزها الخاص وملامحها الإثنية المختلطة وتعدديتها الثقافية الحقيقية.

والظاهرة الثالثة في المجتمع الأميركي هي تخلص الرجل الأميركي من نزعته الذكورية، بحيث لم يعد يميز ما هو طبيعة المرشح الذي أمامه، ولا ينظر إلى طبيعة جنسه (الجندر) بقدر ما يهتم بقدراته وكفاءته في قيادة المجتمع الواسع والمعقد نحو التنمية والازدهار، بحيث تبقى أميركا لدى شعبها أنها بالفعل قوة عظمى. هذه الذكورية بدت في الذوبان عندما تخلص الرجل الأميركي من رؤيتها لهيلاري كامرأة، ويحاسبها وييناقشها كمرشح رئاسي قبل أي شيء، وهل بإمكانها قيادة المجتمع من أزماته وانتشاله من هوة الانهيار؟!

أما الظاهرة الرابعة وهي ملاحظة تستحق المناقشة فهي عزوف الناخب الأميركي الأبيض عن نظرته العنصرية السابقة للمسألة اللونية، فإذا ما استثنينا الأعداد العنصرية التي تنظر إلى أوباما من الناحية اللونية، فإن الأغلبية البيضاء ألغت خلفها الروحية القديمة العمياء في الاختيار الانتخابي، وبدأت تفرز برؤية سياسية وتقرأ كل القدرات التي يتمتع بها رئيسها القادم حتى إن كان مختلفا في لونه وأصوله الثقافية، وهذه الظاهرة تعتبر انعطافة كبيرة في التفكير الأميركي الجديد، والذي بدأ ينتشر كثيراً بين الجيل الجديد، مما يقدم صورة إيجابية ومضيئة للمجتمع الأميركي التعددي، مما يعني سواء انتصر أوباما أو لم ينتصر في الانتخابات فإن الأسباب هذه المرة لن تكون لونية أو عرقية، إنما سياسية وإعلامية ودعائية وعوامل أخرى إلا عامل اللون، الذي كان وحده في العقود السابقة كافيا لكي لا يتيح للأسود حتى بالجلوس في الحافلات في مقاعدها الأمامية، بينما اليوم يرى العالم كيف ينتخب المجتمع الأميركي نفسه رئيساً له من جذور سوداء، ومن المحتمل أن يجلس هذه المرة على أعلى مقعد في البيت الأبيض.

هذه الصورة وحدها تجعل القس «مارتن لوثر كينغ» يصلي في قبره مرتاحاً ليردد مرة أخرى «لدي حلم» ولكنه سيقول مضيفاً هذه المرة شكراً لك يا رب لقد «تحقق الحلم».

* كاتب بحريني

back to top