مأساة المهاتما غاندي وابنه في فيلم جديد

نشر في 11-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 11-09-2007 | 00:00
No Image Caption

رغم أنه أبو الهند المبجَّل ويحترمه الناس في مختلف أنحاء العالم، إلا أن المهاتما غاندي فشل فشلاً ذريعاً في لعب دور الأب. قريباً على شاشات السينما فيلم يلقي الضوء على علاقته بابنه البكر هاريلال، علماً أن هذا الفيلم أثار استياء الكثيرين.

تكثر في الهند النصب التذكارية المقدسة ومعابد الآلهة التي يعبدها شعب ما زال متمسكاً باحترام التقاليد. لكن قليلة الأمور التي يحفظون لها الاحترام والتبجيل مثل ذكرى المهاتما غاندي، أب الأمة والمساهم الأكبر في مسيرة هذا البلد نحو الاستقلال.

في ذكرى موته عام 1948 قال ألبرت أينشتاين عن هذا الرجل الذي لم يعرفه قط لكن صوره كانت تغطي جدران مكتبه: «لن تصدق الأجيال القادمة على الأرجح أن شخصية كهذه من لحم ودم عاشت على الأرض». أما اللورد لويس مونتباتن، آخر حاكم بريطاني على الهند والمشرف على إنهاء حكم الاستعمار على الهند منذ ستين سنة تقريباً، فقال إن غاندي «سيدخل التاريخ وسيكون في مصاف بودا والمسيح».

بعد نحو ستة عقود على مقتله على يد هندوسي متعصب يُدعى ناثورام غودس ستخضع حياة غاندي وشخصيته لإعادة نظر دقيقة لم يسبق لها مثيل. سيتناول فيلم جديد أحد الأوجه المضطربة من حياة رجل الاستقلال هذا، وجه قلما تطرقت إليه وسائل الإعلام. يتحدث هذا الفيلم الهندي الجديد Gandhi, My Father («غاندي أبي») عن العلاقة المتقلبة بين غاندي وابنه البكر هاريلال الذي تمرد على أبيه واعتنق لفترة قصيرة الإسلام قبل موته بعيد مقتل أبيه حين كان هذا الأخير يسير في باحة قصر بيرلا في دلهي.

صحيح أن القيّمين على هذا العمل توخوا الحذر والصدق في إنتاج الفيلم، لكن لا مفر من تعرضه للنقد والتجريح لأنه يتناول رجلاً تُعتبر ذكراه في نظر الكثيرين أسمى من أن تُمسَّ. لُقب غاندي في الهند بالمهاتما أي «النفس العظيمة» دلالة على مدى احترامهم له، مع العلم أن اسم غاندي الكامل هو مُهندَس كرمشاند غاندي. بدأت بوادر الجدال تظهر في الهند، خاصة أن أتباع غاندي دعوا إلى منع عرض الفيلم أو مقاطعته. كما تلقى رئيس وزراء مانموهان سينغ والرئيس ووزير الإعلام رسائل تطلب تدخّلهم لمنع إطلاق الفيلم.

مخالف للأعراف

يعلّق راضي أحمد أمين سر المتحف المخصص لغاندي في مدينة بيهار الهندية محتجاً: «من الضروري عدم عرض الفيلم. يجب ألا يُستخدم اسم المهاتما غاندي أو أي زعيم وطني آخر لأغراض سياسية فهذا مخالف للأعراف. نؤيد الفكرة الداعية إلى معاقبة مَن يحاول تشويه صورة الأبطال الوطنيين».

ما زال التنديد بالفيلم محدود النطاق إذ لم نشهد بعد أي اضرابات عن الطعام أو موجات من العصيان المدني أو مسيرات إلى البحر وكلها أساليب اتبعها غاندي خلال حملة الاستقلال السلمية التي قادها. لكن قلق السيد أحمد ومَن يدعي أنه يمثلهم وتعليقاتهم تعكس حقيقة الوضع. فرغم هذا الكلام عن «الهند الجديدة» والأخبار التي تتصدر الصحف عن تحولها المزعوم إلى قوة اقتصادية عظمى وتركيزها على التقدم ودخول القرن الحادي والعشرين بخطى ثابتة، يبدو أن بعض المسائل في هذا البلد ما زالت على حالها.

يوضح أحد كتاب سيرة حياة غاندي: «لم يكن غاندي المحرك الوحيد نحو الاستقلال في الهند. لكنه كان يتمتع بالشعبية الأكبر بسبب لطفه وشجاعته وتمسكه بمعتقداته. فلا التهديد بالسجن أو الخوف من القتل جعلاه يتراجع عن تحرير شعبه. نتيجة لذلك، وثق الناس به وأحبوه. فقد صدقوا أنه يهتم بهم كثيراً. لقد كان مبجلاً».

يصر المشاركون في هذا الفيلم على أنهم لم يفكروا على الإطلاق في تشويه سمعة غاندي وقالوا إنه لا يعكس صورة مبتذلة عنه بل نظرة دعمتها عدة دراسات أجريت حول الفيلم. أما الممثل ويل سميث الذي شاهد عرض الفيلم فذكر أنه أعجب كثيراً بتركيبته والمشاعر القوية التي جسّدها الممثلون.

كذلك أبلغ منتج الفيلم، نجم بوليوود أنيل كابور، الصحافيين: «عرضنا الفيلم على كثيرين من أنصار غاندي وأقربائه ومنهم حفيد ابنه توشار غاندي الذي راح يثني على الفيلم. لم أعدّ هذا الفيلم إذ نميت فجأة اهتماماً بالسياسة. فأنا أعتبر أن فيلم Gandhi, My Father قصة نموذجية عن علاقة أب بابنه. ما إن سمعت عن هذه القصة حتى وددت نقلها إلى شاشة السينما. لكن بما أن هذا الأب هو أبو الأمة، رفع ذلك مستوى تحدي تقديم هذا الفيلم». وقال إن زوجته بكت أثناء قراءتها النص مضيفاً: «تناولت أعمال كثيرة حياة غاندي. لكن أياً منها لم يتطرق بالتفصيل إلى علاقته بعائلته. ركزنا على هذه الناحية من حياته، خاصة علاقته بهاريلال».

استمر تصوير الفيلم 100 يوم. صوّر باللغة الهندية والإنكليزية في الهند وجنوب أفريقيا حيث أمضى غاندي بضع سنوات كان لها تأثير كبير في حياته. استند الفيلم بشكل رئيسي إلى مسرحية Mahatma vs. Gandhi لفيروز عباس خان، مخرج الفيلم. استمد خان معظم معلوماته من سيرة حياة هاريلال للكاتب تشاندولال دلال. ثم أغنى هذه المعلومات ببعض الأبحاث والمقابلات مع أقرباء هاريلال. غير أن خان نفسه أصر على ألا يعكس هذا الفيلم، الذي يتناول الحقبة بين 1906 و1948 صورة سلبية عن غاندي. أوضح: «نحن نقدم الوقائع من دون أن نصدر الأحكام».

لا شك في أن كثراً، لا سيما في الهند، يعرفون تفاصيل العلاقة المضطربة التي جمعت غاندي بأكبر أبنائه الأربعة. رفض غاندي السماح لهاريلال المولود في 1888 بأن يحذو حذوه ويدرس بدوره القانون. اعتبر غاندي الذي حصّل علومه في لندن أن منعه ولده من اتباع خطواته كان تحدياً مشرِّفاً لنظام التعليم الغربي الذي رفضه. كما اعتقد أن ولده لا يحتاج إلى هذه الدراسة كي يكرّس حياته للدفاع عن الحرية.

تمرّد على النفوذ

لكن هاريلال تمرد على نفوذ والده وربما على تكريم الآخرين له بصفته رجلاً معصوماً عن الخطأ فاعتنق في وقت لاحق الإسلام وغيّر اسمه إلى عبدالله غاندي. إلا أن عديدين اعتبروا الخطوة تمرداً على أبيه أكثر منها اهتداء حقيقياً. كما سعى إلى الزواج ثانية بعد موت زوجته، الأمر الذي لم يرضَ عنه والده.

وفي رسالة ملؤها المرارة إلى والده كتب هاريلال: «من المؤسف أنني الحقيقة الوحيدة التي لم تنجح في مختبر تجاربك... ابنك المخلص هاريلال». وفي رسالة أخرى تحدث عن الرجل الذي يدعوه الهنود «الأب» قائلاً: «إنه أعظم أب حظيتم به... لكنه الأب الوحيد الذي تمنيت لو لم أحظَ به».

في تلك الأثناء، عمد غاندي إلى التنديد علناً بعادات ابنه السيئة ومنها «عادة التردد على منازل السوء». عندما اهتدى هاريلال إلى الإسلام كتب غاندي أن «ارتداد هاريلال ليس خسارة للهندوسية فاعتناقه الإسلام مصدر ضعف لهذا الدين». كما أشار إلى أن هاريلال، الذي تحدث عن الاهتداء إلى المسيحية اختار الإسلام بسبب ديونه الكثيرة. واختار «مَن يدفع أكثر». وأوضح غاندي أنه لو كان اهتداؤه «نابعاً من القلب وخالياً من أي اعتبارات دنيوية لما تفوهت بكلمة». وتابع بأسى: «ما زال يستمتع بالملذات والحياة الرغيدة. ولو تبدل حقاً لكان كتب إلي كي يفرح قلبي».

لكن غاندي لام أيضاً نفسه إذ لم ينجح في التواصل مع ابنه البكر. أرخت خيبة الأمل هذه بثقلها على كاهله. أقر: «أشعر بالندم الشديد لأمر واحد... ثمة شخصان عجزت عن إقناعهما هما صديقي المسلم محمد علي جناح )أحد أصدقائه الساعين إلى الاستقلال، الذي عمل بعد فترة على إقامة بلد إسلامي منفصل أصبح لاحقاً باكستان( وابني هاريلال غاندي».

تولى خان إخراج الفيلم الجديد (مدته ساعتان) ولعب فيه دارشان جاريوالا دور غاندي وأكشاي خانا دور ابنه المتمرد. يقر خان بأن فيلمه مختلف عن فيلم أتنبورو أو على الأقل يعكس وجهاً مختلفاً من حياة غاندي.

الجدير ذكره أن الفيلم نال دعم كثيرين من عائلة غاندي حتى أن بعضهم شارك في إنتاجه بصفة استشارية. ففي نظرهم يصوّر الفيلم ناحية من حياة قريبهم غالباً ما يجري التغاضي عنها.

توشار غاندي، حفيد ابن غاندي، أحد المشاركين في العمل. دعا من ينتقدون الفيلم أن ينتظروا أولاً ريثما يشاهدونه قبل اصدار الأحكام المسبقة. وأضاف: «شاهدت الفيلم وهو يعكس صورة صادقة نالت تقديري. أحببت كثيراً هذا التوازن الذي نجح الفيلم في تحقيقه».

عن الأصوات المنددة بالفيلم في الهند قال: «لا أفهم سبب ذلك. كان غاندي بشراً. يجب أن نكون منفتحين ونتقبل هذا الواقع. عندما تشاهدون الفيلم لن تروا أمراً سلبياً، بل ستتعاطفون معه بسبب ما عاناه من ألم وعذاب».

back to top