كيف تمنحك المسؤولية المتوازنة راحة كاملة؟

نشر في 03-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 03-01-2008 | 00:00
No Image Caption

تترتّب علينا في حياتنا اليومية مسؤوليات جمة نواجهها بإلقاء اللوم على الغير أو الاعتراف بالذنب فتتناهى إلى مسامعنا عبارات: «ليست الغلطة غلطتي» و»أشعر بذنب كبير»... لكن أليس من حلّ وسط يحول دون التطرف في المواقف ويجيد إحقاق الحق؟ ما هو في الواقع نطاق مسؤولياتك ومتى يصبح الشعور بالذنب مؤذيًا فتكون عواقبه وخيمة على صاحبه؟

لا شك في أن المرء يتحمّل بالكامل مسؤولية الأقوال التي يتفوه بها والمشاعر التي تنتابه والأفكار التي تخطر في باله، غير أنه يميل أحيانًا إلى الاختباء وراء الغير لتبرير هذه الأعمال والانفعالات والأفكار فيطلق عبارات مثل: «تفوهت بهذا الكلام لأنهم أقنعوني به» أو «تصرفت على هذا النحو بسببه» أو «أنا كذلك ولا يمكنني أن أتغير».

يحذّر علماء النفس من عواقب التصرف على هذا المنوال وينصحون بالتحلي بروح المسؤولية وبالنضج في التفكير بعيداً عن الانفعالات الصبيانية، غير أن هذه اللعبة تتطلب مشاركة طرف آخر لأنه مهما أبدى الانسان الاستعداد لتحمل مسؤولية أعماله وأقواله وأفكاره وانفعالاته فهو غير مسؤول عن ردود الفعل الصادرة عن الآخرين في هذا المجال.

من المسؤوليات التي عليك تحملها:

• مسؤولية الأعمال

مهما تمادى الغير في استفزازك وإثارة غضبك عليك المحافظة على هدوئك فلا تفقد سيطرتك عل نفسك وتنهال على الطرف الآخر بالضرب على سبيل المثال. لكن لنقل إنك تأخرت في الوصول إلى المنزل فجنّ جنون زوجتك وانتابها الغضب الشديد فأنت مسؤول في هذه الحال بالتأكيد عن تأخرك، لكنك غير مسؤول عن غيرة زوجتك وغضبها.

• الكلام

إذا وجهت دعوة إلى زميلتك لتناول الغذاء معك ورأت هي في هذه الدعوة عرضًا غير أخلاقي فمسؤوليتك تقتصر على توجيه الدعوة وإنما ليس على التفسير الذي منحته الزميلة لهذه الدعوة.

• الأفكار

إذا تأثرت بالملاحظات المهينة التي وجهها إليك زميلك فاستمريت في تردادها لمدة أسبوع كامل يكون زميلك في هذه الحال مسؤولاً عن الكلام الذي صدر عنه إنما تقع عليك أيضًا مسؤولية قضاء أسبوع كامل وأنت تفكر في هذا الأمر.

• الانفعالات

تتعدّد الانفعالات التي يمكن أن تنتاب المرء تجاه الحدث الواحد (الثرثرة على سبيل المثال) بحسب الظروف أو المزاج، فتارة تثير مثل هذه الثرثرات الاستحسان وطورًا تثير الاشمئزاز والسخط لا سيما إذا أتت في غير محلها، من هنا تختلف ردود الفعل تجاه الأحداث باختلاف الأشخاص والمواقف.

شعور بالذنب

لا يكفي أن يتحمل المرء مسؤولية أعماله وتصرفاته بل على الطرف الآخر أن يحذو حذوه أيضًا، لكن المشكلة التي تطرح نفسها في هذا المحال هي أن توزيع المسؤوليات لا يكون منصفًا في أغلب الأحيان فترجح كفة الميزان ويختل التوازن مفسحًا في المجال أمام الشعور بالذنب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: «هل الشعور الذنب مضر حتمًا؟ يجيب الاختصاصيون النفسيون بالنفي عن هذا السؤال مؤكدين أن الشعور الذنب يمكن أن يكون حميدًا في حال نتج عن ضرر تسبب به للغير، فإذا كنا مذنبين (حطّمنا سيارة أحد) سيحثنا هذا الشعور بالذنب لا محال على إصلاح خطأنا.

ويمكن أن تتعقد الأمور في هذا المجال لأن العلاقة بين الذنب والمسؤولية تطرح معادلتين مختلفتين تتمثل الأولى بعدم تحمّل أي جانب من المسؤولية واتخاذ موقع الضحية، وتتمثل الثانية بالتمادي في تحمل المسؤولية واتخاذ موقع المذنب. في الحالة الأولى يرفض المرء تحمل أي جزء من المسؤولية مصورًا نفسه أنه «كبش المحرقة» ويلقي كاهلها على الغير مخلّصًا نفسه منها.

يزخر محيطنا في الواقع بالأمثلة المفيدة في هذا المجال، فمن لا يصادف في محيطه صديقًا أو زميلاً أو شخصًا في دائرة معرفته يشكو دائمًا من وحدته ومن عدم قدرته على الخروج منها فيشعر الأصدقاء تلقائيًا بالذنب ويسارعون إلى توجيه الدعوات إليه للتخلص من هذا الشعور فيرفضها متحججًا أنه لا يريد أن يسبب الازعاج وتراوح الأمور في مكانها ويستمر بالتذمر زارعًا في قلوب أصدقائه شعورًا بالذنب.

تصرف طفولي

الأسوأ في هذا المجال أن يسند المرء إلى نفسه دور المذنب فيرفع المسؤولية تمامًا عن الطرف الذي يلبس ثوب الضحية ويحط من شأنه حتى يبدو كالطفل. نورد في هذا الاطار المثل الآتي: «اتفق كمال مع زوجته على عدم تشغيل هاتفه الخلوي قبل الثامنة مساء ريثما ينتهي من عمله، لكنه نسي أن يديره ذات يوم بعدما استبقاه أحد الزبائن في المكتب فعاد متأخرًا إلى المنزل وما كان من زوجته إلا أن بادرته بالعتاب والصراخ وصبّت جام غضبها عليه. فهل هو مسؤول عن الغضب الذي انتابها؟ كلا وإنما يجدر به الاصغاء إليها متجنبًا التأكيد لها بأن الذنب ذنبه وتحمل مسؤولية الغضب الذي انتابها لأن هذه الطريقة ستحرمها من التعبير عن انفعالاتها وتجعل منها طفلة غير ناضجة، في النهاية هو مسؤول عن التأخر إنما هذا لا يعني أن زوجته هي الضحية وهو الجلاد.

مبالغة

أمّا الحالة الثانية فتتمثل بتحمل المسؤوليات الملقاة على الآخرين وهنا يبالغ صاحب العلاقة في تحمّلها وهذا ما يسميه علماء النفس «ذنبًا مرضيًا» وهو عكس الذنب الحميد الآنف الذكر ليس مردّه إلى ذنب اقترف إنما يأتي ثمرة المبالغة في تحمّل المسؤولية كأن تقول إحدى النساء: «إن زوجي يخونني بسببي أو شقيقتي مريضة بسببي».

حرية وذنب

العلاقة بين الذنب والمسؤولية وثيقة جدًا لدرجة أنه يصعب التمييز بينهما أحيانًا، لكن الأمر المفروغ منه هو أن المفهومين متكاملان ولا يمكن تجزئتهما إذ ما من مذنب من دون مسؤولية وشعور الطرف الأول بذنب كبير يعني أن ذلك الثاني سيفرغ نفسه من المسؤولية، بل بالعكس يعني التهرب من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخر بتحميله ذنب ما حصل.

في النهاية ينبغي توزيع الأدوار بعدل وإنصاف وعدم السعي إلى التهرب من المسؤولية لأن تحمّلها يمنح الحرية في نهاية المطاف.

back to top