تحارب زمن القصّ واللزق هالة خليل: مذبحة التوزيع لن تقتل أحلامي
نجحت المخرجة هالة خليل في تحقيق جزء من أحلامها رغم قسوة الواقع الفني والمناخ الذي تشهده الساحة السينمائية في مصر حالياً والضربات المؤلمة التي تلقتها خلال مشوارها القصير. لم تفقد يوما إيمانها بموهبتها وبأن الفن الصادق وحده قادر على الصمود والاستمرار. ترصد في هذا الحوار تجربتها «قص ولزق» الذي تعرض لما يشبه «المذبحة»، في تعبيرها، رغم عرضه في موسم الصيف. كما تكشف عن خبايا التوزيع السينمائي والمعركة الدائرة لمصلحة البعض ضد البعض الآخر.
حقق فيلم «قص ولزق» نجاحاً كبيراً لدى عرضه في المهرجان وتوج هذا النجاح أخيراً بحصوله على الجائزة الأولى في مهرجان «روتردام» للفيلم العربي، فلمَ تشعرين بالغضب؟
فيلم «قص ولزق» هو التجربة الأنضج في حياتي، لذا كنت أتمنى أن ينال فرصته بشكل أفضل في العرض الجماهيري ، خاصة أن عرضه تأخر كثيراً. غير أنه تعرض لمؤامرة توزيع وعرض في وقت الامتحانات فلم يشعر به أحد كما كنت أتمنى. لكن الموزع السينمائي محمد حسن رمزي أكد أنك اخترتِ هذا التوقيت تحديداً لعرضه، رغم أنه توقيت غير مناسب لطبيعة الفيلم والموسم؟ هل كان لدي خيار آخر؟ . عندما أعطوني فرصة اختيار توقيت العرض استعرضت الخريطة لأختار بين «أحسن الوحشين». ورغم أن موسم العيد هو الأفضل اخترت الموسم الصيفي ولم تكن هناك إلا بداية الموسم التي يهرب منها الجميع. لم يكن أمامي أي حلول أخرى وإلا كان تأجّل إلى أجل غير مسمى. في النهاية، توقيت العرض لعبة في يد الموزع وحده. بعض مخرجى السوق يجيدون الحيل لتسويق أعمالهم، أين أنت منها ؟ افكر في عملي فحسب. ربما أكون سيئة الحظ لأن تنفيذ فيلم «قص ولزق» كان صعباً جداً وعانى كثيرا بدءاً بأزمة العثور على الإنتاج، حتى تحمس له المنتج يوسف الديب، مروراً بأزمات أخرى وتوقفه أكثر من مرة لانشغال أبطاله. لكن الحمد لله خرج الفيلم كما كنت أتمنى وبالصورة التي تخيلتها لدى كتابته ونال تقديراً في مهرجاني القاهرة وروتردام مما أشعرني بأن جهدي لم يضع هباءً. عرض «قص ولزق» في بداية الموسم الصيفي لم يشكل أزمة لي إذ كنت على يقين من نجاحه رغم سوء التوقيت فجمهور السينما ذواق وهناك من يشجع التجارب الجيدة، كما حدث مع فيلمي السابق «أحلى الأوقات». لمَ لا تحلمين بأن يحقق فيلمك الملايين؟ لست خيالية لأحلم بأن يكسر فيلمي الدنيا ويلاقي إقبال أفلام نجوم الكوميديا، خاصة في هذا الوقت الذي تختلط فيه الأوراق، علماً أن «قص ولزق» لا يندرج تحت قائمة الأفلام ذات الطبيعة الخاصة فهو عادي جداً، اجتماعي كوميدي وإنساني، لا يخص جمهوراً من طبقة معينة بل هو لكل الفئات. كيف كان رد فعلك بعد حذف الرقابة أحد المشاهد الرومانسية المهمة في الفيلم؟ هناك معوقات تقف في وجه شباب المخرجين اليوم. ثمة إعاقة من الرقابة الرسمية ورقابة اجتماعية أشد وطأة ورقابة الممثلين على أنفسهم خوفاً على علاقتهم بالجمهور وأهاليهم. كل ذلك يعوق حرية التعبير والخيال وعليّ أن أتعامل مع كل ذلك. أكتب وأنا مدركة سلفاً الواقع الذي أعيشه أو يكون مصير الفيلم داخل العلب. الحقيقة أن حذف الرقابة المشهد الحميمي الذي يجمع بين حنان ترك وشريف منير في غير محله لأنه يمثل تحولاً كبيراً في سلوك الشخصية. كانت حنان تعرف حقيقة المشهد وقرأته جيداً وأبدت استعدادها لتصويره، لكنها عادت وترددت فلم أصوره مثلما كنت أريده. لو كنت أملك الحرية المطلقة مع ممثلة لا تخاف لخرج المشهد أفضل من ذلك. في تجربتك الأولى في كتابة السيناريو واجهت اتهاماً بالسرقة. كيف كان إحساسك وماذا تفعلين بعد إثبات براءتك؟ المشكلة كانت قاسية عليّ ولم أكن أتخيل أن يحدث ذلك لي. لكن عندما أشيع الأمر لا أنكر أنني شعرت بهزة كبيرة وتوتر. لم أعرف كيف أتصرف لكنني لجأت إلى الجهات المعنية وأنصفتني الرقابة وكان الحق إلى جانبي. أكدت النتيجة عدم وجود أي تشابه بين فيلمي وما أدعاه الطرف الآخر. سوف استرد حقي عن طريق القضاء لأعوض الأضرار الأدبية والنفسية التي لحقت بي وكي لايفكر أي شخص يحاول إدعاء شيء واتهام إنسان بريء بتهمة قاسية. لماذا لجأت إلى الكتابة؟ بعد فيلم «أحلى الأوقات» قرأت سيناريوات كثيرة قبل أن استقر على فيلمي الثاني، لكنني لم أجد فيها ما يلامسني، حتى راودتني فكرة «قص ولزق» وشجعني أصدقائي على كتابتها بنفسي. في البداية كنت خائفة للغاية لكنني في النهاية أنجزت السيناريو وكان أمامي هدف: التركيز على المشاعر الإنسانية في المجتمع المصري في هذا الوقت. تساءلت هل هناك مكان لتلك المشاعر في ظل الوضع الاقتصادي القاسي، خاصة بعدما زحفت القسوة على مشاعر الطبقة الوسطى التي باتت تعاني اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً. ذاك ما جسد فكرة الهجرة التي أصبحت راسخة لدى عدد كبير من الشباب فلا عمل ولا زواج في مجتمع تكثر محاذيره الدينية والاجتماعية. هذه الطبقة أنتمي إليها وهي موضع جدال دائم مع أصدقائي. ثم جاء سيناريو الفيلم ووجدتني أعيش في عالم حقيقي من الشخوص أتفاعل مع همومها ومشاكلها وألفيتها تقودني إلى أشياء أخرى غير التي كانت في ذهني عندما فكرت في السيناريو. استمتعت بصحبة جميلة ويوسف وسامي وزينب. كيف جاءت صغت للتجربة ؟ عادة ما افتح المجال أكثر لمشاعري فأنا أشبه جميلة التي لا تتوقف عن التفكير. تركت مشاعري تنفجر فى هدوء، لهذا أشعر بأن «قص ولزق» هو الأقرب إليّ لأنني ذهبت فيه بمشاعري إلى أبعد حد. ما أهم نقطة صراع واجهتك في الفيلم؟ الصراع بين مشاعر جميلة وعقل يوسف ومن أنصر على الآخر، العقل أم الوجدان. لكنني تركت النهاية مفتوحة فهناك واقع قاسٍ يصعب التعامل معه لا قلباً ولا عقلاً. هل يرضيك حصولك على جائزتين كبيرتين ويهدئ ثورتك حول مأساة توقيت العرض؟ّ لا أنفي سعادتي بالجوائز التى حصلت عليها سواء جائزة مهرجان القاهرة كأفضل فيلم عربي أو جائزة مهرجان نوتردام كأحسن فيلم وهذا يعني أنني أسير في الطريق الصحيح. ماذا بعد «قص ولزق»؟ أحضّر حالياً فيلماً جديداً من تأليف بلال فضل، عنوانه «الولد» وأعتقد أنه سيكون أول بطولة مطلقة لخالد صالح، إنتاج ناهد فريد شوقي. أواصل فيه رحلتي فى طرح مشاكل جيل اليوم من فقدان الذات وبذل المستحيل لتحقيقها. تدور حوادثه في إطار اجتماعي وهو فيلم مليء بالمشاعر. هل تتركين الترشيحات للمنتج؟ كلا لكن لا مانع من التشاور لترشيح الأبطال. في فيلم «الولد» تحديداً المنتجة ناهد فريد شوقي هي التي رشحت خالد صالح، ووافقت على هذا الترشيح لأنني أجد فيه مثالاً للفنان الموهوب. أني مؤمنة جداً به مذ قدم معي شخصية صغيرة في فيلم «أحلى الأوقات». هل فيلمك الجديد «الولد» من نوعية افلام الجوائز التي تحبين تقديمها؟ عندما أبدأ في تقديم أي عمل لا أضع في اعتباري أبداً مسألة المهرجانات والجوائز، لكن الأمر يحصل مصادفة والتوفيق من عند الله.