القبيلة والدولة في اليمن: صراع مصالح أم وحدة حال؟ العُرف يغلب القانون والدستور... و مشايخ جدد يطوِّرون القبَلية
كثر الحديث عن طبيعة علاقة القبيلة بالدولة في اليمن، لكن الجميع تقريباً خلص إلى أن القبيلة والدولة في اليمن انصهرتا ولم تصبحا فقط تمثلان وجهين لعملة واحدة، لكنهما صارتا وجهاً واحداً.
برحيل شيخ مشايخ اليمن ورئيس مجلس النواب الأسبق عبد الله بن حسين الأحمر أواخر ديسمبر من العام الماضي، يكون قد أُسدل الستار على حقبة كاملة من تاريخ اليمن المعاصر، حيث انتهت مرحلة تاريخية تميزت بسيطرة القبيلة على مقاليد الحكم في اليمن، حسب ما يرى الباحث مايكل جريفين من معهد العلاقات الدولية في سان فرانسيسكو.خلف الشيخ الراحل نجله الأكبر صادق الأحمر في قيادة أكبر القبائل اليمنية نفوذاً في الدولة، قبيلة حاشد التي ينتمي إليها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. وكان على البرلمان أن يختار خلفاً للشيخ الأحمر، فانتخب أحد أبنائه الأربعة الأعضاء في البرلمان لتولي منصب نائب رئيس البرلمان، والذي يشكل أغلبية أعضائه مشايخ أو أبناء مشايخ من ربوع اليمن.علاقة الدولة بالقبيلةكثر الحديث عن طبيعة علاقة القبيلة بالدولة في اليمن وتباينت الآراء ازاء هذا الأمر، لكن جميعها تقريباً خلص إلى أن القبيلة والدولة في اليمن انصهرتا ولم تصبحا فقط تمثلان وجهين لعملة واحدة، لكنهما صارتا وجها واحدا. بل إن هناك من قال بغياب دولة المؤسسات في اليمن، حيث تسيطر القبيلة على كثير من أدوار الدولة في قضايا استراتيجية مثل الأمن والحماية والسيادة وغيرها. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء محمد عبد الملك المتوكل، في حديثه عن علاقة الدولة بالقبيلة، إن «اليمن لا يزال أشبه بقبيلة كبيرة أو ربما حديثة».إشكالية العلاقة بين القبيلة والدولة تأتي من طبيعة التركيبة القبلية للمجتمع اليمني، ولأن القبيلة تقوم في الأساس على حماية مصالح أتباعها والمحتمين بها والحلفاء، فإنها تقدم مصلحة فرد فيها -قد يكون الشيخ مثلاً- على مصلحة أي كيان آخر، بل إنها مستعدة لكسر القانون والدستور، وأحيانا الشريعة الإسلامية لتحمي الشيخ أو أحد أبنائها.يقول المتوكل إن القبيلة في اليمن «ثقافة وليست جهوية (وجاهة) في حد ذاتها إذ ينتمي إليها الهاشمي والمواطن العادي والمهمّش واليهودي وهي عبارة عن تجمع جغرافي محدد ومميز». ويوضح أن «القبيلة تمثل اليوم توازنا بين السلطة والمجتمع وهي حمت المجتمع عندما انهارت سلطة الدولة».تدهور هيبة الدولةوعبَّر أكاديميون وكتاب عن مخاوفهم من استمرار تدهور هيبة الدولة أمام القبيلة من خلال جملة من الأحداث أبرزها مسلسل اعتداءات وحالات اختطاف لضباط وأفراد أمن وسيارات تابعة للشرطة والجيش في محافظات تعز وذمار وإب وأبين وغيرها. وعندما تتدخل الدولة فإنها لا تخضع الأطراف القبلية لأحكام القانون والدستور، بل تساومهم وتقدم العرف القبلي على القوانين النافذة، وغالباً ما يكون هناك ضحايا من أفراد الشرطة كقتلى ومصابين تذهب دماؤهم بين بنادق القبيلة واعتذارات الحكومة، كما حدث من اعتداءات على أفراد الشرطة في أكثر من محافظة. لمن الحكم؟منذ قيام الثورة اليمنية عام 1962 بل حتى في العهد الملكي الأسبق للجمهورية، كانت الدول اليمنية المتعاقبة من صنع القبيلة حتى أن العلاقة بين الحاكم والقبيلة في التاريخ اليمني اتسمت بتقاسم الثروة والسلطة، بل ان كثيراً من الحكام كانوا يتجنبون مخالفة القبيلة، باعتبارها الملاذ الآمن والساعد الأقوى لبقاء واستقرار النظام. ولذلك يرى المحللون أن النفوذ المتنامي للقبيلة هو في الأصل نمو طبيعي للتقاسم التاريخي للنفوذ. ويتداول كثير من المثقفين عبارة نسبت إلى الرئيس صالح مخاطباً الشيخ الراحل الأحمر: «أنت شيخي وأنا رئيسك».وظلت الأنظمة المتعاقبة في اليمن تشتري ولاء القبيلة بالمناصب الرفيعة والحصص الكبيرة في الموازنات العامة وعبر تسهيلات الاستثمار والاتجار بصورة قانونية أو بدونها مما أسهم في استشراء الفساد. وحسب تقرير وكالة التنمية الأميركية (يو إس إيد) الصادر أخيراً عن الفساد في اليمن، فإن «زعماء القبائل الرئيسة يستحوذون على حصة الأسد من المناصب العليا للضباط في الجيش والأمن ويستحوذ الجيش على مصفوفة واسعة من الأنشطة التجارية، بعضها خارج على القانون».تأثير القبيلة على القرار السياسيومن خلال استطلاع للرأي أجراه المركز اليمني لقياس الرأي العام الماضي عن مشاركة المجتمع في صناعة القرار السياسي في البلاد، فإن 48.2% من المستجوبين من شريحة النخبة، رأوا ان الحزبية والانتماء السياسي يشكلان المؤثر الأول في صناعة القرار وإن كان على حساب المصالح الوطنية، وتأتي القبيلة في المركز الثاني في التأثير على القرار السياسي بنسبة 31.4% من المستجوبين. ولأن القبيلة ممثلة في الهرم في كل مفاصل الدولة وأجهزتها، فإن الفئة الأولى من المؤثرين على القرار السياسي ينتمون إلى قبائل.المشايخ الجددوبدأ أخيراً بروز جيل جديد من رجال الأعمال من أبناء كبار المشايخ، والمتعلمين، واستطاع أن يخفف حدة النقد الموجه إلى القبيلة، بل ظهر تيار جديد منهم كناشطي مجتمع مدني يسعون بطموح شديد مع باقي الناشطين إلى تمدين القبيلة وإدراجها ضمن المجتمع المدني، ومن أبرزهم اثنان من أبناء الشيخ الأحمر وآخرون من مناطق مختلفة.ويقول رجل الأعمال علوان الشيباني في ورقة عمل قدمها إلى ندوة نظمها المرصد اليمني لحقوق الإنسان مطلع العام الجاري، أن «مجموعة رجال الأعمال يشجعون بشدة انخراط أبناء المشايخ والقبائل في السوق ومجال التنافس التجاري من أجل الربح، بدلا من الأساليب التقليدية للقبيلة في كسب المال»، إلا أن هناك مخاوف بنفس القدر من استمرار وجود السلاح بأنواعه المختلفة في أيدي أبناء القبائل إلى جانب السلطة والمال الأمر الذي يهدد مشروع تمدين القبيلة.