حتى لا ننسى... ذكرى الغزو الغاشم (1 / 2 ) إلى الأبناء.. فواز... مطلق... عباس... معصومة... نوف... حنان

نشر في 01-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 01-08-2007 | 00:00
 عبدالكريم السيد عبداللطيف الغربللي

كانت حرب الكويت حرباً ضرورية لتعيد للإنسان العربي عقله، بعد أن ضاع وسط الانتهازية السياسية، وكانت مأساة الكويت مشعلا ً أوضح حقائق عديدة ما كان يمكن الاهتداء إليها من دون ثمن كهذا؛ فالحرب من أجل الكويت تأمين لحدود الدول وردع للأنفس الطامعة وحماية للصغار من طغيان الكبار.

يا أمل مستقبلنا ورمز وحدتنا الوطنية ويا من كُنتم قبل سبع عشرة سنة أطفالاً، وربما لم يكن بعضكم قد ولد بعد عندما غدر وغزا النظام العراقي البائد وطننا الكويت، ففي مساء مثل هذا اليوم الأربعاء الأول من أغسطس 1990م -تاريخ الغزو هو الأول من أغسطس وليس الثاني منه، كما هو شائع- زحفت القوات الغادرة للنظام العراقي البائد في جنح الظلام لاحتلال وطننا الغالي دولة الكويت، تلك المحطة المهمة ليس في تاريخ الكويت فقط، وإنما في تاريخ العالم بأسره. لقد فوجئت الكويت بعدوان غادر لم تكن تتوقعه من جار ينتسب إلى العروبة والإسلام شدت أزره في محنه المختلفة، فزحف عليها في جنح الليل بمئات الألوف من الجنود وآلاف الدبابات والطائرات في حرب برية وبحرية وجوية شاملة مستهدفاً إبادة الشعب الكويتي ومحو شخصية الكويت السياسية والحضارية، ورغم شراسة وفداحة الغزو العراقي للكويت الذي راح ضحيته العدد الكبير من الشهداء والأسرى والمفقودين وما ألحقه ذلك الغزو من أضرار جسيمة باقتصاد الكويت وموارد ثرواتها المختلفة، فإن الشعب الكويتي وبفضل من الله عز وجل استطاع أن يصمد أمام تلك المحنة.

الصمود والمقاومة الوطنية: لقد بدأ العدوان العراقي على الكويت بتدمير البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للكويت، من ذلك محاولته إقامة حكومة خاضعة له، وحين لم يجد من يتعاون معه أصدر قراراً بضم الكويت إلى العراق وإعلانها المحافظة التاسعة عشرة في 28 أغسطس 1990م باسم محافظة كاظمة، كما أصدر قراراً في 23 سبتمبر 1990م بإلغاء الدينار الكويتي. زاعماً أن قرار ضم الكويت إلى العراق، إنما هو قرار أبدي لا رجعة فيه! أما الشعب الكويتي الوفي فقد وقف خلف قيادته الشرعية، معلناً بطلان جميع القرارات والإجراءات العراقية، رافضاً المساومة على سيادة الكويت واستقلالها، متمسكا بحدود بلاده وعدم التنازل عن شبر واحد من ترابها الوطني، ولم ترهبه قوات الغزو رغم شراستها، فأعلن العصيان المدني، ومضى في تنظيم عمليات المقاومة في الداخل، عندها أدرك المعتدون أنهم أخطؤوا الحساب حين تصوروا أنهم يستطيعون بالوعد والوعيد أن يرغموا الكويتيين على التعاون معهم.

وضوح الرؤية: أيها الأبناء الأعزاء، في أزمة الكويت عُرف الصديق من العدو، فهناك من هب رافضاً الابتزاز ولغة التهديد ووقف إلى جانب المواثيق التي وقعت واعتبرت الشرعية أمراً مقدساً لا يقبل أن تنتهك. وهناك من أنكر العلاقة ورفض المشروعية واستباح الظلم وناصر المعتدي مقابل وعود مادية وتحالفات سياسية. وفي أزمة الكويت تعرت مصطلحات، طالما استُخدمت أردية براقة لأغراض كاذبة. حيث استُخدمت الأخوة والعروبة سبباً لمسح دولة من على الخريطة وللوصول إلى كراسي السلطة، وكلها بريئة مما حملت، في الكويت نفسها. وكانت التجربة مريرة؛ من القتل إلى الاغتصاب، ومن النهب إلى التشريد. ومع هذا فقد ثبت الكويتيون في وقفة شجاعة وتراصوا خلف قيادتهم ورفض محاولة ابتلاع البلاد وإلغائها قسراً، ووقفوا صفاً واحداً ضد العدوان.

العقل العربي: من خلال هذه الحرب ومن وراء هذا الانقسام نبتت على أرضنا رؤية أكثر واقعية في التعامل مع الأشياء على حقيقتها. لقد ثبت للجميع أن باعة الشعارات لا يحملون لهذه الأمة سوى الكلمات الجوفاء التي تدلهم على طريق الزعامة وعلى رؤوس الغوغاء. كانت حرب الكويت حربا ضرورية لتعيد للإنسان العربي عقله، بعد أن ضاع وسط الانتهازية السياسية. كانت حرب الكويت ضرورية لتصحيح العلاقة بين الأطراف العربية. كانت الحرب من أجل الكويت ضرورية حتى تصبح لسيادة الدول شرعيتها الدولية، وحتى يصبح للشعوب الصغيرة والكبيرة حقها في أن تعيش كما تريد، لا كما يريده القراصنة... كانت مأساة الكويت مشعلا ًمن أجل توضيح حقائق عديدة ما كان يمكن الاهتداء إليها من دون ثمن كهذا. فالحرب من أجل الكويت تأمين لحدود الدول وردع للأنفس الطامعة وحماية للصغار من طغيان الكبار.

بزوغ فجر التحرير: بحلول الموعد النهائي الذي حدده قرار مجلس الأمن رقم 678 لانسحاب العراق من الكويت بتاريخ 16 يناير 1991م وعند منتصف الليل بتوقيت غرينتش بدأت العملية الجوية لقوات التحالف «عاصفة الصحراء» بدك القوات المعتدية تلاها في 24 من فبراير 1991م بداية هجوم القوات البرية «درع الصحراء» وأعلن ناطق باسم قوات التحالف أن «تحرير الكويت قد بدأ»... وفي 25 فبراير أمر الرئيس العراقي المخلوع قواته بالانسحاب من دولة الكويت والامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 660، في 26 فبراير 1991م. وتم بفضل الله عز وجل تحرير دولة الكويت، بعد مئة ساعة من الحرب البرية دُحر جيش النظام العراقي البائد وأعلن العراق قبوله بجميع قرارات مجلس الأمن الدولي، وأعلنت قوات التحالف وقفاً لإطلاق النار.

الكويت «دار أمن وأمان»: سيظل شبح الظلم الذي لحق بالكويت يطارد زمرة النظام العراقي الغادر ومن ناصره ويتحكم بأعصابه إلى يوم الدين... فالكويت ذلك الوطن الصغير بحجمه، والكبير بإيمانه بربه هزم الطغمة الباغية في داخلها مهما تظاهروا سابقاً بالانتصار وإقامة حفلات أعياد الميلاد وإجبار الناس على المسيرات... ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وهكذا لم يحقق عدوان النظام العراقي البائد على الكويت، إلا كل ما يضر بالأمتين الإسلامية والعربية، وقضاياهما المصيرية، واقتصادياتهما، بالإضافة إلى أضراره السلبية الأخرى التي أصابت العالم بأسره، أما الكويت فرغم عمق المأساة وما تركته من جراح غائرة في النفوس فسوف تكون دائما كالعهد بها وكما وصفها الأمير الراحل الشيخ جابر، طيب الله ثراه، في كلمته التي ألقاها في الأمم المتحدة في 27 سبتمبر 1990م: «ستبقى الكويت دار أمن وأمان وواحة أصيلة وارفة الظلال يستظل تحتها كل الطيبين والشرفاء من الكويتيين وإخوانهم المقيمين يعملون يدا واحدة من أجل الخير والبناء» مصداقاً لقوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )) صدق الله العظيم

back to top