نحو دولة فلسطينية ثالثة

نشر في 09-08-2007
آخر تحديث 09-08-2007 | 00:00
 رزان زيتونة

خمسة عشر شهراً مضت على أكثر من ألف وخمسمئة لاجئ فلسطيني محاصرين في مخيمي «الوليد» و«التنف» على الحدود العراقية السورية، يعيدون تمثيل أيام التغريبة الأولى؛ رحل منهم من رحل دهساً على الطريق السريع أو توفي مرضاً أو قضى انتحاراً حين عز الأمل.

كان يجب أن تنقسم الدولة «الافتراضية» الفلسطينية إلى دولتين، قبل أن يتذكر أحد لاجئي مخيمي «التنف» «والوليد». في الانقسام قوة ونشوة ومحاولات دائبة لإثبات الوجود والقدرة، ومنافسة عالية الهمة لإبراز الحرص على الشعب المحظوظ هنا وهناك، على الأرض وفي السماء.

الحكومتان معا برئيسيهما وأعضائهما وما تمثلانه ولا تمثلانه، تدعوان أخيراً في الوقت ذاته إلى إنقاذ أشباح فلسطينية منسية على الحدود السورية العراقية، وإن كان زمن «الوحدة» أخفق في ابتكار الحلول، فلعل زمن «الشقاق» يخلق المعجزات. لنا في تحرير الصحافي آلان جونستون من بين أيدي خاطفيه على يد حركة «حماس»، خير مثال ورواية.

خمسة عشر شهراً مضت على أكثر من ألف وخمسمئة لاجئ فلسطيني محاصرين في مخيمي «الوليد» و«التنف» على الحدود العراقية السورية. يعيدون تمثيل أيام التغريبة الأولى: خيام وصحراء وجميع الديكورات والمؤثرات المصاحبة. رحل منهم من رحل دهساً على الطريق السريع أو توفي مرضاً أو قضى انتحاراً حين عز الأمل.

أخيراً، سُمح لأربعة أشخاص منهم تتراوح أعمارهم ما بين عامين و21 سنة، بدخول الأراضي السورية للعلاج، اثنين في البلد نفسه، واثنين آخرين للانتقال إلى دولة أخرى!بينما تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، إن ستة عشر آخرين «...مصابين بحالات طبية حرجة ربما يموتون أو يصبحون معوقين بقية حياتهم إذا لم يتلقوا الرعاية الملائمة بسرعة».

ولأن للسياسة ذاكرة لا تقهر، قد يعود بعضهم إلى الماضي القريب أيام الدكتاتور الراحل غير مأسوف عليه، فيستذكر بأسى ما يقال عن نصرة الفلسطينيين له آنذاك، ويرغب في إنزال العقاب المناسب بهم أو يعتبر ما يواجهونه حاليا عقاباً عادلاً بحقهم. وقد عاد جزء من العراقيين بالفعل إلى هذا الجزء من الذاكرة، وارتكبوا بناء عليه شتى أنواع الانتهاكات بحق الفلسطينيين اللاجئين في العراق، من تهجير وقتل وتشريد. «منذ سقوط حكم صدام حسين، بات اللاجئون الفلسطينيون في العراق هدفاً لعنف واضطهاد متزايدين. الجماعات المسلحة الشيعية قتلت عشرات اللاجئين الفلسطينيين. وتزيد الحكومة العراقية من صعوبة الإقامة القانونية في العراق عبر فرض شروط كثيرة على التسجيل»، حسبما ورد في تقرير لمنظمة «مراقبة حقوق الإنسان» الأميركية أواخر العام الماضي.

ذلك دفع المئات منهم إلى رحلة هروب غير نهائية. فثورات الجاهلية الجديدة لا تنتهي، ولا تروى إلا بالدم والنار، عن هذه النقطة بالذات يذكر تقرير صادر عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان من إعداد الدكتور هيثم مناع، أنه «... وباستثناء محاولات مطلع السبعينيات التي نجم عنها تحسين في وضع قسم من اللاجئين (الفلسطينيين في العراق)، رهنت الثمانينيات والتسعينيات أي تحسن في وضع الشخص الفلسطيني بولائه للسلطة والحزب. فيما همّش الغالبية العظمى لحساب فئة صغيرة جداً من المنتفعين». ولو لم نكن على ما نحن عليه من ضيق أفق وجهل بأبسط مبادئ حقوق الإنسان، لما كنا بحاجة إلى التذكير بما ذكرنا. لأن حق البشر في الحياة حق مقدس، لا ينتقص منه شيء على الإطلاق، لا ولاء سياسي ولا موقف فكري ولا حتى ممارسة خاطئة يعاقب عليها بالقانون والعدل لا بالثأر والتطبيق الشخصي لمبدأ «العين بالعين».

شب أكثر من حريق في المخيمين المذكورين أعلاه. وانتشرت الأمراض بفعل ندرة المياه النقية والظروف الحياتية غير الصحية. بينما تطالب الحكومتان الفلسطينيتان، أخيراً بإدخال اللاجئين إلى المخيمات الفلسطينية في سورية. وسورية التي «تستضيف» أكثر من مليون ونصف لاجئ عراقي يشاركون السوريين ماءهم وكهرباءهم وأرزاقهم، لم تعد تتسع لبضعة مئات من اللاجئين الفلسطينيين! وكذلك الحال مع الأردن، وكلا البلدين، سمحا لعدد محدود جداً بالدخول إلى أراضيهما والعيش ضمن مخيمات مغلقة، ثم أغلقا حدودهما في وجه الآخرين حتى اللحظة. أما إسرائيل، فقد رفضت طلبين مقدمين من «المفوضية العليا للاجئين» التابعة للأمم المتحدة من أجل السماح للاجئين ممن لهم أصول في قطاع غزة بالعودة إليه، وفقا لتقرير المنظمة الأميركية أعلاه.

جميع التحالفات و«الصداقات» بين هذا الطرف الفلسطيني وتلك الدولة أو الدول، لم تفلح حتى الآن في إيجاد حل يحفظ إنسانية هؤلاء، ببساطة لأن الإنسان هو من «اللامفكر» به في خضم تلك العلاقات والمصالح.

أما اليوم... فلنا أن نأمل في تحقيق إحدى الحكومتين في الدولة الفلسطينية الافتراضية، نصراً سياسياً على الأخرى، عبر التوصل إلى «صفقة» ما مع طرف ما لإنهاء تلك المأساة الإنسانية. أو ربما، يمكن توطين أولئك اللاجئين حيث يقيمون في الصحراء، وتنصيب حكومة فلسطينية ثالثة من بينهم، وبدلا من دولتين فثلاث دول، و«زيادة الخير خيرين»، كما يقولون. وبذلك يرفع الجميع «عبء» صون واحترام أبسط بديهيات حقوق الإنسان عن كاهلهم. هذه الحقوق التي لاتزال ورقة خاسرة على طاولة لعب، يسعى جميع الفرقاء إلى عدم سحبها، اللهم إلا إذا حصل صاحبها على جائزة ترضية!

 

كاتبة سورية

back to top