أذربيجان 1 - 4 : تاريخ طويل من النفط والصراع مع الأرمن

نشر في 24-04-2008
آخر تحديث 24-04-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

لم تكتف أرمينيا بالتفوق العسكري، بل أحرزت في السنوات التي أعقبت انتهاء العمليات العسكرية انتصارات دبلوماسية متعددة؛ مرتكزة في ذلك على علاقات أكثر من جيدة مع موسكو التي دعمتها بالسلاح أثناء العمليات العسكرية.

دخلت أذربيجان حلبات الصراع الدولي والإقليمي من باب المعاهدات التي أبرمت بين القوى الرئيسة في المنطقة بالنصف الأول من القرن التاسع عشر: روسيا القيصرية، والدولة العلية العثمانية، وإيران القاجارية. ساعتها أسفرت موازين القوى عن ضم أراض أذربيجانية إلى أراضي روسيا القيصرية؛ عن طريق «معاهدة كلستان» التي أبرمت عام 1813 و«تركمان جاي» عام 1828. بمقتضى الاتفاقية الأولى تم ضم الجزء الشمالي من أذربيجان إلى روسيا في حين بقي الجزء الجنوبي في حوزة إيران القاجارية، أما الاتفاقية الثانية فقد سلخت مناطق ناختشيفان ويريفان من أذربيجان وألحقتهما بروسيا. وفي العام 1872 ظهرت صناعة النفط في العاصمة باكو وما حولها، حيث كانت أذربيجان أول دولة في العالم تم فيها إنتاج النفط وتصديره، وترافق ذلك التطور المهم مع ظهور «المسألة الأرمينية» في أروقة السياسة الدولية، حيث مثل «مؤتمر برلين» في العام 1878 الظهور العلني الدولي الأول لتلك المسألة، التي اتخذت أبعاداً أوروبية لعوامل وحسابات استراتيجية أوروبية تقدمها أهداف الوجود في منطقة القوقاز وتحجيم الإمبراطورية العثمانية، وتصدرها من الناحية الإعلانية الإخراجية «الروابط المسيحية» التي تجمع الأرمن بالأوروبيين. فصار الصراع مع الأرمن من وقتها العلامة المميزة الثانية بعد النفط لتاريخ أذربيجان الحديث.

ظهر «اتحاد القوقاز المستقل» إلى الوجود في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، هذا الذي ضم بالإضافة إلى أذربيجان كلا من جورجيا وأرمينيا. وبعد نجاح الثورة الروسية البلشفية بقيادة لينين في عام 1917، قام «الجيش الأحمر» بغزو أذربيجان. وفي العام 1922 تم تحويل اسم «اتحاد القوقاز المستقل» ليصبح «اتحاد دول القوقاز الاشتراكية» ومن ثم أجبرت أذربيجان على الانضمام إلى الاتحاد السوفييتي السابق في نفس العام. وفي عام 1936 تم حل الاتحاد السابق، لتنضوي أذربيجان وأرمينيا وجورجيا كجمهوريات منفصلة تحت عباءة الاتحاد السوفييتي المنهار. وعند ظهور مؤشرات تحلل الاتحاد السوفييتي السابق في عام 1988، قام الأرمن من سكان إقليم قره باغ (تعني بالعربية الحديقة السوداء)، والواقع بكامله في الأراضي الأذربيجانية والذي شكل الأرمن أغلبية سكانه، بإعلان الانفصال عن السيادة الأذربيجانية. وفي العام الذي تلا ذلك قرر «المجلس الوطني لناغورنو-قره باغ»، الواجهة السياسية للأرمن، الانضمام إلى جمهورية أرمينيا السوفييتية، وغطت موسكو هذه العملية بإرسال قوات إلى أذربيجان لتحجيم المعارضة الشعبية لاقتطاع قره باغ من السيادة الأذربيجانية. وفي شهر سبتمبر من عام 1991 أعلنت جمهورية «أرمينيا السوفييتية» استقلالها الوطني، وانتخبت بتروسيان «قائد الحركة القومية» كأول رئيس لها، وبعدها بأسابيع أعلنت «جمهورية أذربيجان السوفييتية» استقلالها الوطني هي الأخرى.

تسارعت وتيرة الأحداث حين انفجرت المنازعات الأذربيجانية - الأرمينية ووصلت إلى مرحلة النزاع العسكري السافر في ربيع 1992. وانتهت المعارك العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان؛ باحتلال أرمينيا لإقليم قره باغ وكذلك احتلال الأراضي الممتدة بين حدود هذا الإقليم وحتى الأراضي الأرمينية فيما يعرف بممر لاتشين. حاولت أذربيجان بشتى الطرق استرجاع هذه الأراضي التي فقدتها أثناء العمليات العسكرية التي تقدر بحوالي 20% من المساحة الإجمالية لأذربيجان، ولكنها لم تنجح لعدة أسباب.

لم تكتف أرمينيا بالتفوق العسكري، بل أحرزت في السنوات التي أعقبت انتهاء العمليات العسكرية انتصارات دبلوماسية متعددة؛ مرتكزة في ذلك على علاقات أكثر من جيدة مع موسكو التي دعمتها بالسلاح أثناء العمليات العسكرية. وارتكزت يريفان أيضاً على اللوبي الأرميني في الولايات المتحدة الأميركية الذي كان على الدوام مشحوناً بالأفكار القومية؛ والذي تمكن من تذكير الرأي العام الأميركي بشكل مستمر بالمجازر التي تعرض لها الأرمن على يد الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى. وأدى هذا الحشد للطاقات الأرمينية في المجتمع الأميركي إلى إصدار الكونغرس الأميركي قراراً بمنع المساعدات عن أذربيجان والذي عرف بالفعل الداعم للسلام Freedom Support Act وذلك في العام 1992. وتجلت نتائج هذا الحشد الأرميني في الولايات المتحدة الأميركية وقتذاك وبوضوح، إذا ما حسبنا نصيب الدول المختلفة من المساعدة الأميركية الرسمية في بدايات التسعينيات من القرن المنصرم على أساس نصيب الفرد من المساعدات؛ لوجدنا أرمينيا تحتل المركز الثاني بعد «إسرائيل». ولم تفلح قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالنزاع الأذربيجاني-الأرميني، وهى القرارات 822 لعام 1993 و853 و874 و884 لنفس العام في فرض حل ملزم للطرفين المتنازعين. هنا كانت الصورة أكثر من قاتمة لأذربيجان عسكرياً ودبلوماسياً، وبالرغم من ذلك فقد تغير وضع أذربيجان الدولي جذرياً منذ منتصف التسعينيات بسبب مهارة باكو في إدارة علاقاتها الدولية بالارتكاز على النفط لخدمة قضاياها الوطنية.

* كاتب وباحث مصري

back to top