أنطولوجيا الشعر الإماراتي المعاصر بالفرنسية... دقّة الترجمة وتمرّد القلم الإماراتي
صدر كتاب «أنطولوجيا الشعر الإماراتي المعاصر» باللغة الفرنسية عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ووزارة الثقافة وسيصدر أيضاً عن دار نشر فرنسية في باريس قريباً.
قام بترجمة الأنطولوجيا واختيار قصائدها من المجاميع الشعرية المتوفرة، رجاء ملاح وشاكر نوري بتكليف وتمويل من الاتحاد ذاته.وتتضمن الأنطولوجيا 32 شاعرا من الشعراء الإماراتيين المعاصرين والحداثيين وجاء تسلسلهم عشوائيا وهم: صالحه غباش، ناصر جبران، جعفر الجمري، كريم معتوق، إبراهيم محمد إبراهيم، إبراهيم الهاشمي، منى مطر، جمعة فيروز، حارب الظاهري، ظبية خميس، ثاني السويدي، سعد جمعة ، أسماء المزروعي، خلود الملا، شهاب غانم ، الهنوف محمد، عبد العزيز جاسم، ميسون صقر، حبيب الصايغ، خالد الراشد، عادل خزام، عبد الله محمد السبب، هاشم المعلم ، خالد البدور، إبراهيم الملا، محمد المزروعي، أحمد محمد عبيد، نجوم الغانم، علي العندل، احمد راشد ثاني، عارف الخاجة، وظاعن شاهين . وهؤلاء هم الشعراء الحاضرون بنشاط في ساحة الأدب الإماراتي، منهم من واصل على كتابة الشعر، ومنهم من تخلى عنه لأسباب ذاتية وموضوعية لا يمكن فك أسرارها بسهولة . كتب حارب الظاهري تمهيداً لهذه المجموعة: لم تكن الترجمة في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات مطافاً متأخراً من مطافات الإصدارات الأدبية والإبداعية التي تمحورت من خلال اللغة العربية، وهذا يعد أمراً طبيعياً لكونها اللغة الرسمية لكل ما يصدر عن الاتحاد من إصدارات إلا أن ذلك لم يبق اتحاد كتاب وأدباء الإمارات دون أن يكون له السبق في مجال ترجمة الأدب الإماراتي إلى اللغات العالمية. وكما كانت البداية حين كان للاتحاد السبق حيث تجسدت الانطلاقة الأولى بإصدارات مترجمة من العالمية إلى اللغة العربية.فمنهجية الاتحاد قائمة على نشر المعرفة والآداب بصفة عامة والآداب الإماراتية بصفة خاصة، وبما أن القارئ المعاصر أصبح يتجلى من خلال حياة ثقافية ملؤها الانفتاح على الآخر من خلال البعد الإبداعي الأدبي، فإن الاتحاد اليوم يفتح آفاقا فكرية ومعرفية أوسع مما مضى، ليعيد تأكيد سياسة النشر من خلال الترجمة بوصفها فناً قائماً بذاته.يأتي إصدار «أنطولوجيا الشعر الإماراتي» باللغة الفرنسية ليكون متمماً للإصدار الأول الذي أخذ صفة اللغة نفسها كان ذلك بالتعاون مع المعهد العربي الفرنسي في باريس، حيث ترجم بعض قصص كتاب الإمارات الى الفرنسية وليحتفى به من خلال معرض الكتاب الفرنسي الدولي، وتابع بريق الترجمة من خلال التعاون مع مترجمين من أمثال الدكتور شهاب غانم الذي ترجم إلى اللغة الإنكليزية لشعراء من الإمارات بعنوان «قهوة وتمر» وسبقه بإصدار أول مترجماً لشاعرات لكل من الإمارات وبريطانيا!! لغة شفافةيتواصل الجهد إذاً، وهذا الكتاب ثمرة هذا التعاون الطيب الذي بدأ منذ كان مجرد فكرة ملؤها الحب لبلورة كتاب يضم بين دفتيه أشعاراً من الإمارات باللغة الفرنسية، فكان الحرص من اتحاد الكتاب امتزج بذلك الحب الذي ينبع من الأستاذين المترجمين شاكر نوري ورجاء ملاح نحو نمو الفكرة إلى حيزها الأكبر، فترجمة الفن الشعري كثيراً ما تصطدم بالتجارب المختلفة، ما تطلب جهدا قارب العام والنصف، كما هو الإبداع دائماً يستعصي على المترجمين في البلورة إلى حيز الوجود من خلال لغة شفافة دقيقة قادرة على الاقتراب من المعنى الحقيقي للإبداع، فعملية الترجمة تعتمد على الثقة اللازمة والحرفة المتقنة والتجارب المتراكمة في مجال الترجمة الإبداعية مما بلورته الجهد المشترك ما بين الأساتذة المترجمين واتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي يود أن يقدم كتابه ومبدعيه إلى فضاء العالمية.إذا كانت الأجناس الأدبية المختلفة ذات أبعاد إنسانية واجتماعية تدلل على الواقع الثقافي للشعوب فإن الشعر من شأنه أن يتجلى لإضفاء جمالية تنفرد بالبعد الحسي الذي يستوعب أطيافاً من شعوب العالم. فاللغة الشعرية المترجمة من اللغة العربية إلى الفرنسية تأخذ البعد الشعري الإماراتي المعاصر ذا التجارب الشعرية المختلفة، وبهذا يقدم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات للقارئ الفرنسي فصلاً شعرياً مكتمل النمو ليتعرف إلى ما وصل إليه الإبداع الأدبي الإماراتي من درجات .بعد حسّيشاكر نوري أعد مقدمة لهذه الأنطولوجيا من خلال قراءته لمجاميع كثيرة وبعد الاطلاع على عدد من آراء النقاد والباحثين المتخصصين في هذا المجال، تحت عنوان « القصيدة الإماراتية الحديثة» مؤكداً أن الشعر يشكل رافداً مهماً من روافد الثقافة العربية في الإمارات، باعتبار العرب أمة شعر. غالبية النقاد يصنفون الحركة الشعرية في نسقين أساسيين كما هو شأن القصيدة العربية عامة، وهي لا تختلف عنها في شيء: نسق الاتجاه التقليدي المحافظ على عمود الشعر واهتمام شعرائه بالموضوعات التقليدية والمستحدثة في إطارها الوطني والقومي والاجتماعي، وأطلق على هؤلاء الشعراء لقب «جماعة الحيرة»، شعراؤها المعروفون: سالم بن علي العويس، الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، وخلفان بن مصبح، وسلطان بن علي العويس، إذ حافظت هذه الجماعة على الشكل الكلاسيكي كما مهّدت في الوقت نفسه لولادة القصيدة الإماراتية الحديثة من خلال توجهاتها الذاتية والوجدانية والمعرفية . وساعد هذا الأمر الجيل الثاني من الشعراء الذين واصلوا مهمة التطوير في القصيدة التقليدية كأحمد أمين المدني ومانع سعيد العتيبة ومحمد خليفة أبو شهاب وعارف الشيخ وسيف المري وغيرهم، حيث تنوعت موضوعاتهم بين الوطني والقومي والذاتي والوجداني المتأثر بالرومانسية وحافظوا على الوزن والقافية لئلا تصنف أشعارهم في خانة النثر . ومن ثم ظهرت القصيدة المتمردة على كل تلك الأشكال السابقة لتكون الأقرب إلى العصر ومتغيراته، وأصبحت قصيدة النثر هي القصيدة الجديدة، وهي الأقدر على التجاوب مع متغيرات الحياة والذائقة الشعرية الحديثة. وليست القصيدة الإماراتية الحديثة قصيدة واحدة ، شأنها شأن الشعر العربي الحديث، فهي ذات تجارب فردية وتشكل أوجه قطيعة واستمرارية مع الشعرية العربية والتراث الشعري العالمي. عهد حداثة القصيدة الإماراتية قصير، يقارب نحو 30 عاماً، حركة ونشراً، عبر أجيال ثلاثة، إذ لم تتوقف القصيدة الإماراتية أن تعلن عن نفسها باعتبارها قصيدة عربية أي داخل المشروع الحداثي العربي العام. وقد استفادت من التراكم الحاصل من هذه التجارب، ما سهل عملية انخراطها في أسئلة الحداثة الشعرية العربية. ولكنها على الرغم من ذلك، تميزت بخصوصيات الصوت المحلي الإماراتي.هامشتبدو القصيدة الإماراتية الحديثة وكأنها جزر صغيرة معزولة، ولا حوار ولا تفاعل بين شعرائها، وكل منهم يحاول تأسيس ذائقته الشعرية الخاصة، ولهذا لم تشهد الحركة الشعرية الإماراتية أي مدارس أو حركات أو جماعات، لها فرادتها وتناسقها. وكان لهذا الشعر وعاؤه الحيوي، أي أماكن نشره المحدودة نوعاً ما، وأهم الجهات التي تنشره هي: دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، ومنشورات وزارة الثقافة والإعلام، ومؤسسة اتحاد كتاب وأدباء الأمارات أو مؤسسات ثقافية أخرى أو على نفقة الشاعر أو الكاتب مع انعدام وجود دور النشر الفاعلة في البلاد، كما لا تتوفر دور نشر مستقلة تقوم بنشر هذا الشعر بصورة خاصة، لكن هذا الشعر على الرغم من كل ذلك يجد صداه في دور النشر العربية بين بيروت والقاهرة. وقد بدأت حركة نشر الكتاب الشعري الإماراتي في بداية الثمانينات، لكنها بلغت درجة من الحيوية في تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، من خلال اهتمام الشعراء بالنشر في الصحف المحلية والدوريات والمجلات الخليجية والعربية.