آلان روب غرييه ... عالم النبات الذي لقَّح الرواية!

نشر في 21-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 21-02-2008 | 00:00
No Image Caption

يعتبر البعض آلان روب غرييه، الذي مات عن 85 سنة بنوبة قلبية، رائد الرواية الجديدة. فمنذ خمسينات القرن العشرين، تحدّت مجموعة من الكتّاب الفرنسيين، بمن فيهم كلود سيمون وميشال بوتور وناتالي ساروت، المفهوم التاريخي الذي تقوم عليه الرواية. ويُعتبر روب غرييه أبرز مَن أوضح بالتفصيل مبادئ الرواية الجديدة في مقالة بعنوان Pour Un Nouveau Roman نُشرت عام 1963.

آلان روب غرييه، روائي وسينمائي وعالم أحياء، ولد في 18 آب (أغسطس) 1922 وتوفي في 18 شباط (فبراير) 2008. تزوج بكاترين رستاكيان في العام 1957، لكنه رحل قبلها.

كانت حججه واضحة: لسنا في زمن روايات تتناول شخصيات وأفراداً فقد أضحت فكرة سرد قصة، أو فكرة الرواية الناقلة لمجموعة أحداث قديمة الطراز. فضلاً عن ذلك، لم يعد ملائماً السعي إلى كتابة رواية تدعم قضية أو تقدم حججاً ما. لم يعد للفرد أي دور في العالم، وبات ظهور الرجال والنساء والعائلات ثم زوالهم جزءاً من زمن ولّى. لا يمكنك أن تكتب بأسلوب ستيندال، ما لم تكن تكتب في العام 1830. على نحو مماثل، إذا أراد المؤلف أن يضع معزوفة موسيقية شبيهة بموسيقى بيتهوفن، فسيكتشف أن لا أحد يريد الاستماع إليها.

المهم في نظر روب غرييه هو الإبداع. يجب أن تعكس الرواية (أو الفيلم) روعة الابتكار. يجب أن تبتكر عالماً من نتاج الفكر بعيداً كل البعد عن العالم الحقيقي. فتصوير المجتمع على حقيقته والسعي إلى نقل الواقع هما الشغل الشاغل للروائيين التقليديين. عندما وصف روب غرييه طائر النورس في روايته، لم يحاول مطلقاً التحقق من شكله بتأمل طائر نورس حقيقي، فاستحق أن يكون موضوع قطعة أدبية، لأن الواقع في النهاية عقيم، لذلك يجب الابتعاد عنه ومن الضروري أن يتحرر الفنان من قيوده الخانقة.

إعتاد القراء آنذاك الروايات التقليدية الواقعية التي تمتاز بتماسكها وكانوا يحددون قيمة الرواية من خلال قدرتها على تصوير شخصيات وأوضاع يصادفونها في حياتهم اليومية. لذلك حرص روب غرييه على أن يُظهر بوضوح ما هدف إليه.

بدايات

في أولى رواياته Les Gommes التي نُشرت عام 1953، يصور المشهد الأول مالك مقهى وهو يرتب كراسي وطاولات ومنافض عند الفجر. تخبرنا الرواية أنه الشخصية الوحيدة الموجودة على المسرح، فندرك أن الستارة رُفعت وأننا نشاهد مسرحية. نلاحظ أن تصرفاته آلية، لكن الوقت مهم جداً في المسرحية، يستغرق ترتيب المقهى الوقت المحدد ومن ثم تعطى الشخصية الوحيدة على المسرح الإشارة، فتبدأ المسرحية أو الرواية. يُقتل رجل يُدعى ديبون ويذكّر اسمه بالجسر المتحرك الذي يوحد شطرَي البلدة. لكن الجسر المتحرك معطل. متى قُتل؟ توقفت ساعة المحقق. نُدّد بهذا العمل ووُصف بالعدائية وبمناهضة فن الرواية. كذلك صرف النقاد المعاصرون النظر عن هذا العمل، مدّعين أنه مجرد دعابة وأن روب غرييه ليس إنساناً جدّياً.

لا شك في أنه استمتع بقراءة مقالات النقاد المختلفة التي قيّمت أعماله. في سيرته الذاتية Le Miroir Qui Revient، التي نُشرت في العام 1985 بعد طول انتظار، ذكر أنه في إحدى زياراته إلى جامعة نيويورك، أقام في الغرف التي يشغلها عادة محاضر يدرس الطلاب أعماله. فوجد روب غرييه نسخة من روايته الثانية، ( Le Voyeur (1955، وقد دوّن عليها المحاضر الأميركي المسكين كمّاً كبيراً من الشروح. فأدرك أنه فهم الرواية بشكل خاطئ. وكما قال روب غرييه، وقع هذا الأميركي في كل فخ واضح نُصب للقارئ. فهو على ما يبدو لم يفهم قواعد اللعبة جيداً.

يمكن اعتبار روايات روب غرييه لعبة، إذا جاز التعبير، فهو يدعو القارئ إلى المشاركة في تمارين تختبر مهاراته الفكرية. الرواية في سعي مستمرّ لبلوغ التناغم وعلى القارئ أن يفهم لمَ تتخذ هذا الشكل. يبدو هذا الأمر جلياً في رواياته اللاحقة، خصوصاً تلك التي نُشرت في أواخر ستينات القرن العشرين مثل

La Maison de Rendez-Vous (1965)

و Projet Pour Une Revolution à

(New York (1970.

ولد روب غرييه في بريست وكان والده مهندساً. بدأ حياته المهنية عالم أحياء وخبيراً متخصصاً في النبات. بعدما حصّل العلم في بريست وباريس وأمضى فترة في المعهد الوطني للإحصاءات، تابع دراسته في معهد الفواكه والخضر في المستعمرات وعمل في المغرب، غينيا الفرنسية، المارتينيك وغواديلوب بين العامين 1949 و1951. لكنه لم يتخلَ عن اهتمامه بالنبات طوال حياته، فكان يعشق أن ينسحب من مناقشة أدبية لزيارة الحديقة، حيث يمضي وقته في إخبار الناس عن أسماء النباتات والأزهار.

في العام 1955، أصبح محرِّراً في دار نشر Les Editions de Minuit. لكن عمله هذا وبروزه كروائي لم يحرماه من مرونته. مع بلوغه عقده الخامس، كتب في العام 1962 نص وحوار فيلم آلان ريسنيه L’Année Dernière à Marienbad. حقق الفيلم نجاحاً دولياً في تلك الفترة، فأصبح روب غرييه جزءاً من الموجة الجديدة في السينما، فضلاً عن كونه رائد الرواية الجديدة.

على غرار مارغريت دوراس، كرس حياته لكتابة الروايات وإنتاج الافلام وفاز أول فيلم أخرجه بمفرده، L’Immortelle، بجائزة لويس دلوك وهي جائزة يقدرها النقاد كثيراً. أما فيلمه الأخير، Un Bruit Qui Rend Fou، الذي عُرض في العام 1995، فحاز الجائزة الأولى في مهرجان سان دييغو للأفلام. كذلك انتُخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية في العام 2004.

ألقى في خمسينات القرن العشرين محاضرات عن الموسيقى، في حين دفعه اهتمامه بالجمال إلى مزاولة الفن.

لطالما كان هذا الروائي والسينمائي مثار جدل ولم يكن من السهل دوماً فهم كامل دلالات أعماله. كبر في زمن البناء والهدم المتتاليين. كتب عن العبودية والإعتاق، تناول التقاليد والتمرد. إدّعى أن الروائي لا يملك شيئاً ليقوله. لكن في رواياته وأفلامه، صوّر أناساً في طور صياغة أنفسهم، ونرى فيها دوماً دماراً واختفاء وهلوسة. 

back to top