نافذة: الحكومة بين ناري النقابة والمجلس!

نشر في 30-11-2007
آخر تحديث 30-11-2007 | 00:00
 أحمد سعود المطرود يعتبر شهر نوفمبر من هذا العام شهراً تاريخياً من حيث الأحداث المحلية والعالمية في الإضرابات النقابية التي توافقت وتزامنت في هذا الشهر تقريباً، ففي فرنسا مثلاً قام عمال السكك الحديدية بالإضراب نتيجة قرارات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الخطة الإصلاحية لحكومته التي بدأها بتقليص نظام المعاشات، مما أسفر عن خسائر تعدّت 400 مليون يورو يومياً بسبب هذا الإضراب حسب ما صرح به وزير الاقتصاد الفرنسي «أريك فوريك»، وكذلك وصلت العدوى إلى بلاد المجر والهند وغيرهما من البلدان الأخرى.

أما من الناحية المحلية فعمّت الفوضى بلادنا وانتشرت كل مجموعة في مكان عملها تسارع معبّرة عمّا في خاطرها، ليس من أجل العامّة بل من أجل خاصتهم، مطالبة بزيادة رواتب موظفيها وكوادرهم لعلها تجدي نفعاً مثل مثيلاتها، ولاشك أن الإضرابات حق مشروع في بلد الديموقراطية، ولكن في حدود القانون، أي لا يحق للنقابات أن تدخل في المجال السياسي حسب ما هو معمول به في القانون، إنما يقتصر عملها في المطالبة المالية والتواصل الاجتماعي، فالإضرابات ليست وليدة اللحظة حتى ننكرها بل هي عمل ديموقراطي جاء نتيجة التعبير عن نقص غير منصف من قبل الحكومات؛ نقص في أجور عمالها أو حرمانهم، و«الاعتصامات» موجودة ما وُجِدت الديموقراطية والدساتير، ولكنها تختلف باختلاف الثقافات.

عندما تقوم هذه الإضرابات بتعطيل مصالح البلد يصبح هذا الأمر مرفوضاً دينياً ودنيوياً، كما حدث في اعتصام الطيران المدني الذي تسبّب في تعطيل وشلّ بعض حركات الطيران، مما كان له الأثر السلبي في الاقتصادين المحلي والدولي، لذلك لجأت الحكومة على لسان رئيسها رافضة هذا التصعيد والتهديد، وأن الأمور لا تدار بهذه الطريقة «ولن نقبل سياسة ليّ الذراع» وأننا «سنحاسب كل من يمارس الإضراب»... وأعتقد أن الجملة الأخيرة فيها تعدٍّ على حقوق النقابات بموجب القوانين الدولية، وبالتالي ليس للحكومة الحق في التهديد وإلغاء اتحاد النقابات إلا بدعوى مرفوعة إلى القضاء، فهي عكس جمعيات النفع العام، وهذا بموجب الاتفاقيات الدولية لإشهار هذه النقابات وعدم التدخل فيها حسب المادة 87 بشأن الحريات النقابية من قانون الدولة للقطاع الأهلي رقم 38 لسنة 1964، الذي ينص في مادتة 77 «أنه لا يجوز حل المنظمات النقابية إلا بقرار يصدر من قبل الجمعية العمومية» هذا في حال الحل الاختياري، لذلك فإن الحكومة لم يوافقها الصواب في إلغاء بعض الكوادر التي أقرّت من قبل ديوان الخدمة المدنية، وهي «الأطباء – القطاع النفطي – الخطوط الجوية الكويتية» وليس من العدل والإنصاف أن تتساوى الكوادر التي أقرت من قبل، مع التي هي قيد الدراسة، لذلك جاء رد ديوان الخدمة المدنية كالصاعقة على الحكومة بأن ما قامت به الحكومة أخيراً من إلغاء للكوادر المقرة سابقاً هو تعدٍّ على قرارات مجلس الخدمة المدنية، وعليها أن تحترم هذه القرارات التي لم تأتِ يوماً من فراغ ومن دون دراسة طويلة، فمن الطبيعي عندما أقرت بعض هذه الكوادر وتأخّرت الحكومة في البت فيها أن يأتي كل قطاع يطالب بالكادر أسوة بالقطاعات الأخرى، حتى أصبحت هذه الإضرابات نوعاً من أنواع الضغط والتهديد السياسي على الحكومة بعدما كانت الاستجوابات هاجسها، وشغلها الشاغل، والآن هي مهددة من قبل النواب لإجبارها على شراء مديونيات المواطنين الاستهلاكية التي أرى أنها ستبوء بالفشل.

وبعد أن قامت أخيراً نقابة الطيران المدني التي أعتبرها «القشه التي قصمت ظهر البعير» باعتصامها، جاء قرار التجميد، وأصبحت الحكومة بين نارين: الأولى نار التصعيد من قبل النواب لشراء مديونيات المواطنين الاستهلاكية، والثانية نار الإضرابات من قبل النقابات المطالبة بزيادة الكوادر، فأصبح الآن أمام الحكومة قضيتان بدلاً من قضية واحدة، ولذلك أرادت أن تضحّي بواحدة منهما، فكان تجميد الكوادر أولاً ومن ثم المساومة مع النواب على شراء مديونيات المواطنين، فلم يكن أمام الحكومة إلا أن تتخذ قراراً جريئاً في نظر البعض بإلغاء القرارات التي سبق أن أقرها ديوان الخدمة المدنية، فأرادت إطفاء غضب الشارع والنقابات بأن صرّحت في إعادة النظر برواتب الموظفين في القطاع الحكومي.

إن الحكومة مع الأسف لا تلبي حقوق المواطنين إلا عندما تجد من يصرخ عليها «فتفشح»، وعندما صرح سمو رئيس الوزراء بأن «الأمور لا تدار بهذه الطريقة» أي «الإضراب»، وكذلك حقوق المواطنين لا تدار بالصراخ لكي «تفشحي».

لقد كانت حلول الزيادة بين «أذرعك» كل سنتين أو أكثر، فالمادة 4 من القانون 49 لسنة 1982م تنص على زيادة مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين وزيادة معاشات المتقاعدين كل سنتين أو أكثر على ضوء زيادة نفقات المعيشة، ولكن حكومتنا تجعل الأمور تزداد تعقيداً، ثم تتخذ قرارات غير مدروسة، فيصبح الهدم أكثر من البناء والتعقيد أكثر من التيسير، كما عوّدتنا على ذلك، فأصبحت نيران الحكومة كثيرة نتيجة تخبطها العشوائي.

back to top