الطريق إلى أنابوليس
في أنابوليس ستنفتح حكومة أولمرت، الضعيفة والمنقسمة على ذاتها، على أطراف عربية رئيسية كالسعودية من دون مقابل كبير، وستسَوّق ذلك بكل تأكيد باعتباره نصراً دبلوماسياً مهماً، ودليلاً على مباركة من العرب لعودة إسرائيل إلى مائدة المفاوضات مع الفلسطينيين، وربما السوريين، من دون تنازلات مؤلمة.قرر العرب بعد مشاورات جماعية ومطالبات أميركية متكررة، الذهاب إلى لقاء السلام في مدينة أنابوليس في السابع والعشرين من الشهر الجاري، فهل حصلوا على ضمانات من الولايات المتحدة، كفيلة بنجاح اللقاء في إحياء المسار التفاوضي بينهم وبين إسرائيل؟ للأسف، لا. طالبت الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر والأردن، بإعلان أجندة محددة لأنابوليس تؤكد من جهة أولى على قبول إسرائيل التفاوض مع السلطة الفلسطينية حول قضايا الحل النهائي؛ وهي حدود الدولة الفلسطينية، ووضعية القدس والمستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومشكلة اللاجئين. وتحدد من جهة ثانية جدولاً واضحاً للمفاوضات بين الطرفين وسقفاً زمنياً لإعلان الدولة الفلسطينية. وطالب العرب كذلك بتضمين قضية الجولان المحتل في أجندة اللقاء كشرط لحضور سورية وبداية لإحياء المسار التفاوضي السوري- الإسرائيلي، وقد قبلت الولايات المتحدة الطلب الأخير وضغطت بنجاح على إسرائيل لقبول مناقشة قضية الجولان، إلا أنها رفضت ممارسة ضغوط حقيقية على تل أبيب للتجاوب مع آمال السلطة الفلسطينية في التفاوض بوضوح حول قضايا الحل النهائي.ولم يقدم للعرب، عوضاً عن ذلك، سوى فتات تمثل في وعد حكومة أولمرت بالإفراج عن بعض الأسرى وإزالة بعض المستوطنات «غير الشرعية»، والتوقف عن بناء مستوطنات جديدة في الضفة وغزة، بل لم تضغط واشنطن على أولمرت بصورة جادة للالتزام بعدم توسيع المستوطنات «الشرعية» والتوقف عن بناء جدار الفصل العنصري قبل الذهاب إلى أنابوليس. لقاء السلام الأول في عهد بوش الذي تجاهل قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي طويلاً وقبيل عام من انتهاء إدارته الثانية المأزومة في الشرق الأوسط، هو أشبه بجلسة افتتاحية يحضرها الداني والقاصي (الخارجية الأميركية وجهت الدعوة إلى 40 طرفاً قبل معظمها الحضور)، لا نعلم إن كان سيعقبها مداولات حقيقية أم لا. علينا كعرب ألا نتوقع الكثير من المشاركة في أنابوليس، بل حري بنا التساؤل حول ما إذا كانت المشاركة تمثل تنازلاً لإسرائيل والولايات المتحدة من دون مقابل؟فحكومة أولمرت الضعيفة والمنقسمة على ذاتها ستنفتح على أطراف عربية رئيسية كالسعودية من دون مقابل كبير، وستسَوّق ذلك بكل تأكيد باعتباره نصراً دبلوماسياً مهماً ودليلاً على مباركة من العرب لعودة إسرائيل إلى مائدة المفاوضات مع الفلسطينيين، وربما السوريين، من دون تنازلات مؤلمة. أما إدارة بوش فاهتمامها بحل تفاوضي للصراع العربي - الإسرائيلي لا يتجاوز حدود البحث عن تأمين تعاون الحلفاء العرب مع مقاربتها الشرق أوسطية، وفي موقع القلب منها الأزمة الإيرانية وتحجيم تنامي قوة الجمهورية الإسلامية، وهو ما يستدعي تقديم الوعود للعرب بتنشيط الدور الأميركي في إحياء مفاوضات السلام والضغط على إسرائيل للتعاطي بمرونة مع مطالب الرئيس محمود عباس وعروض السلام العربية. نعم تبدو الوزيرة رايس اليوم ومن ورائها الخارجية الأميركية شديدة الاهتمام بإنجاح أنابوليس وتوظيفها لدفع مفاوضات السلام إلى الأمام سريعاً، إلا أنها تواجه جناح نائب الرئيس تشيني وكذلك مجموعات اللوبي الإسرائيلي داخل أروقة الإدارة الرافضة دوماً للضغط على تل أبيب، والمشككة تقليدياً في رغبة العرب في السلام. ثم نحن إزاء إدارة راحلة بعد عام وفي لحظة بدأت بها الانتخابات الرئاسية 2008 تدق الأبواب وتشغل الأنظار، فمن أين لبوش اليوم بالقدرة والوقت الكافيين لتحويل وعده الرئاسي بدولة فلسطينية بجوار الدولة العبرية والذي أعلنه في عام 2002؟ الإجابة بكل وضوح هي أنه لا يملك أيهما.قد يخرج عن لقاء السلام بيان ختامي يعيد التأكيد على التزام الجماعة الدولية حل الدولتين، ويعلن العزم على عقد لقاءات سلام متتالية، وقد يفتتحه بوش بتطمينات وضمانات خطابية تشدد على اعتراف الولايات المتحدة بحق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم المستقلة، إلا أن حصيلة أنابوليس الفعلية للعرب شديدة الهشاشة وثمنها انفتاح من دون مقابل على إسرائيل.* كبير باحثين في مؤسسة «كارنيجي لدراسات السلام» - واشنطن