مش عصفور !

نشر في 25-04-2008
آخر تحديث 25-04-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة». هكذا يقول المثل، وأقول لو كان العصفور في اليد فهو ليس عصفوراً، هو كائن مسكين سجين محاصر. العصفور كائن من فصيلة الطيور مكانه الشجر وفضاؤه السماء، وإذا ما نزعنا صفة الطيران عن العصفور تنتفي التسمية، فكيف يسمى ما لا يطير بطائر؟ إذن، لا بد من إعادة التفكير في أمثالنا المتوارثة التي يتلاعب بعضها على الحقيقة.

نضرب هذا المثل دائما عندما نفشل في تحقيق أمر استراتيجي ونتمسك بجزئية تكتيكية نرى أنها نصر، سواء أكان هذا على المستوى الفردي أم المستوى الجماعي أم حتى على مستوى الدول.

حدثني صديق عن زيارات العالم المصري الأصل أحمد زويل والحائز على جائزة نوبل، إلى مصر والمنطقة، وسألني إن كان زويل يستطيع القيام بإنجاز علمي مماثل لما قام به في أميركا، هنا في بلداننا العربية، وكان ردي أن زويل عندما يأتي إلى الدول العربية يصبح «مش عصفور»، لأنه أصبح في اليد، وأن الأساس في البحث العلمي هو الإحساس الكامل بالحرية، أي أن تبحث في كل شيء وعن أي شيء من دون قيود أو حدود ذهنية تفرضها الدولة أو يفرضها المجتمع. الأساس في الموضوع هو أن يكون الباحث حراً طليقاً مثل العصفور «اللي ع الشجرة»، أما إذا أصبح في اليد فهو ليس بعصفور على الإطلاق. الأساس في كينونة العصفور هو الحرية، والأساس في إبداع زويل وغيره من الباحثين في العالم الحر هو الحرية. لذا ينجز الباحثون في العالم الحر ويخفقون أو يموتون في العوالم المظلمة والمغلقة.

هذا على الجانب البحثي الأكاديمي، نحن لسنا عصافير على المستوى السياسي أو الاجتماعي، نحن نكتب ما نظن أن المجتمع سيقبله وأن الدولة ستقبله، لا نكتب لكي نصدم أفكار المجتمع التقليدية الخانقة أحياناً، وليست التقاليد كلها أمراً خانقاً، ولكن كثيراً منها كذلك. نكتب ويجلس إلى جانبنا رقيب متخيل من الجماعات الإسلامية، أحيانا نتخيل الرقيب السياسي أو الاجتماعي. ترى ما هو حكم الشيخ القرضاوي عما نكتبه، أو ماذا سيقول الحاكم الفلاني لو قرأ هذا المقال، وماذا سيقول شيخ القبيلة، أو ماذا ستقول عني أسرتي. إذا ما قيد الإنسان بهذه القيود كلها، فكيف نتوقع منه الإبداع والتميز أو القدرة على النهوض بنفسه ومن ثم مجتمعه؟!

مبادراتنا السياسية الكبرى، وكذلك قراراتنا، تتخذها عصافير في اليد، مخنوقة وخائفة من الجمهور، لا تقوى على الطيران، سجينة أقفاص صنعت بعضها بنفسها، والسجن ينزع الحرية، فكيف لنا أن نسمي ما لا يطير بطائر؟

لا يكفي أن يُكرّم زويل في القاهرة حتى يستطيع أن يبدع هناك. في بلداننا تصدر قرارات بإنشاء مراكز بحوث علمية، وتمنح جوائز علمية تكرمة للعلم والعلماء. الأساس ليس القرارات أو حتى الجوائز، الأساس هو أن يُهيأ المناخ الصحي للإبداع، فالإبداع لا تصنعه المباني ولا الفرمانات الحكومية، ولكن يصنعه الإنسان. عندما يضغط الغرب علينا لأجل حقوق المرأة مثلاً، تقرر دولنا ذات المهارة الإعلامية أن تعين امرأة في منصب وزير. وجود امراة في منصب وزير مع وجود القوانين المدنية والاجتماعية جميعها التي تعامل المرأة كمواطن من الدرجة الثانية، تجعل منها عصفوراً في اليد، العصافير مكانها الشجر وفضاؤها السماء، أما ما هو مسجون في قفص، فلنسمه أي شيء آخر.

* رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- IISS

back to top