كيف نعيد ذاك الشريط يا أحمد؟

نشر في 09-03-2008
آخر تحديث 09-03-2008 | 00:00
 نايف الأزيمع

بالله عليك يا أحمد من سيردد علينا ذاهباً آتياً: «لك.. اشقد حلوة الزبير..؟!». قدرنا يا أبا قتيبة أن الطيبين والمبدعين والمثابرين سباقون في الرحيل وأنت من رموزهم.

أصعب من الكتابة عنك يا أحمد، استرجاع شريط الذكريات والوقوف أمام تفاصيل صغيرة فيه لذاكرة تعود إلى قرابة 37 عاماً... حين اصطحبني للمرة الأولى الأخ نايف الأزيمع لزيارتك في مستشفى الصباح بعد نقلك إليه من السجن المركزي.

أصعب من ذلك استرجاع تلك المرحلة التي هي خلاصة العمر وليس مراجعتها... من ممرات الجامعة في الخالدية إلى عنابر السكن الداخلي في الشويخ إلى زيارات العمال والنقابات مروراً بأول مقر انتخابي لك في منزل الأخ راشد العجيل مروراً قبلها بين آلات الصف والمونتاج في «السياسة» و«الوطن» و«القبس»... حتى كرسي الوزارة وتلك الزيارات الخاطفة في الوفرة مع الأخ خالد المالك.

ومثلما أنت متشعب الأفق والثقافة فقد كنت متشعب الحيوية والحركة ولم يكن بإمكاننا مجاراتك أو حتى اللحاق بك.

كنت عجولاً في تفاؤلك، وعجولاً في طموحك وأحلامك... حتى في موتك مع قناعتي بأنك لم تمت، وأن الذي ووري الثرى هو ذاك الجسد النحيل، وذاك الوجه الطفولي الجميل لكن أحمد الربعي الذي أعرفه لم ولن يموت... فالطيبون والمبدعون يا أحمد لا يموتون لكنهم يرحلون.

ومثلما كنت مستعجلاً كنت حكيماً وصبوراً مع الذين حاربوك ومارسوا كل أشكال القسوة في معركتهم معك... وكم أدهشني مثلما أفرحني أنهم كانوا في مقدمة مودعيك... لقد كانت جموع العزاء في رحيلك هي ألوان الطيف البشري على هذه الأرض الطيبة، وأجمع مخالفوك في الرأي والفكر والموقف، أن الكويت خسرت برحيلك، واجتمع مؤيدوك وحاملو أفكارك على أن المدرسة التي أسّست يجب أن تبقى وتستمر.

لقد علمتنا يا أحمد أن الشباب هم القاعدة وهم الأصل لأنهم المستقبل، فكنت قريباً منهم أكثر منا، وكنت تعطيهم من وقتك وحبك وحلمك الكثير الذي أثمر جيلاً جميلاً يؤكد ما كنت تحلم به مردداً: تفاءلوا فالكويت جميلة.

أصعب من الكتابة عنك، فقدان ذاك الوجه الطفولي الجميل، وتلك الابتسامة الأجمل.

... من زمن سيارة «اللادا» الروسية حتى الوزارة وعرش الفكر والثقافة وتاج الإنسانية والتواضع ووشاح البساطة.

من ذلك الزمان قلائل أولئك الذين يدركون أنك كنت ومازلت رمزاً للعصامية والكفاح والمثابرة والإرادة التي لا تنهار ولا تموت... أنت رمز البداية من الصفر في طريق وعر جداً... جداً.

أنت الذي جمع الرومانسية بالسياسة والحب بالحرب، والتسامح بالصرامة، لكنك كنت مثالاً لجيل لم يولد... ورمزاً لوطن أثبت أن أرضه ليست بعاقر فهي ولّادة... وقدرنا يا أبا قتيبة أن الأرض التي أنجبتك ستنجب غيرك جيلاً من الحالمين المتفائلين.

سامحك الله وغفر لنا ولك، فقد استعجلت وقطعت تذكرة الرحيل بسرعة، لم تتريث قليلاً ولم تمهل الذين يحبونك وقتاً كي يشبعوا من هذا الحب...

أصعب من الكتابة عنك يا أحمد التفكير فيك وأصعب منها غياب ذلك الوجه الجميل، فبالله عليك من سيردد علينا ذاهباً آتياً: «لك.. اشقد حلوة الزبير..؟!».

قدرنا يا أبا قتيبة أن الطيبين والمبدعين والمثابرين سباقون في الرحيل وأنت من رموزهم.

back to top