عامل الخوف في العلاقات بين واشنطن وبكين

نشر في 13-01-2008
آخر تحديث 13-01-2008 | 00:01
إذا ما تعاملت الولايات المتحدة مع الصين باعتبارها عدواً اليوم، فإن هذا من شأنه أن يضمن وقوع العداوة في المستقبل. ورغم أننا لا نستطيع أن نتأكد من الكيفية التي ستتطور إليها الصين، فليس من المنطقي أن نستبعد احتمالات المستقبل الأفضل.
 بروجيكت سنديكيت تشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة إلى أن ثلث الأميركيين يعتقدون أن الصين سوف «تهيمن على العالم قريباً»، بينما ينظر نصفهم تقريباً إلى انبعاث الصين الجديد باعتباره «تهديداً للسلام العالمي». ويخشى العديد من الصينيين بدورهم ألا تتقبل الولايات المتحدة «نهضتهم السلمية». يتعين على الأميركيين والصينيين أن يتجنبوا مثل هذه المخاوف المبالغ فيها. ذلك أن صيانة العلاقات الطيبة بين الولايات المتحدة والصين سوف تشكل عاملاً رئيسياً حاسماً في إحلال الاستقرار العالمي في هذا القرن.

ربما كان الخطر الأعظم الذي يتهدد العلاقات الثنائية بين البلدين هو ذلك الاعتقاد في حتمية الصراع. ففي كل عصور التاريخ، كلما تسببت قوة صاعدة في بث الخوف بين جيرانها والقوى العظمى الأخرى، كان ذلك الخوف يتحول إلى سبب للصراع. وفي ظل هذه الظروف فقد تتسبب الأحداث التافهة ظاهرياً في توليد نوع من التفاعل المتسلسل على نحو غير متوقع ومشؤوم.

واليوم تكمن احتمالات وقوع أحداث مقوضة للاستقرار في العلاقات المعقدة عبر مضيق تايوان. فالصين، التي تعتبر تايوان جزءاً مكملاً من أراضيها وترى أنها تحتمي بالبحرية الأميركية منذ أيام الحرب الأهلية الصينية، أخذت على نفسها عهداً بمواجهة أي إعلان للاستقلال من جانب تايوان بالقوة.

والولايات المتحدة لا تتحدى سيادة الصين، إلا أنها تريد تسوية سلمية تحافظ لتايوان على مؤسساتها الديموقراطية. وفي تايوان ذاتها، هناك شعور متنامٍ بالهوية الوطنية، إلا أن الخطورة تكمن في الانقسام الحاد بين البرغماتيين العمليين في «تحالف بان بلو» الذين أدركوا أن الضرورة الجغرافية تلزمهم بالسعي إلى التسوية السلمية مع الصين، وبين أعضاء «تحالف بان غرين» الحاكم الذين يطمحون بدرجات متفاوتة إلى الاستقلال.

سوف تقع المواجهة بين الجانبين في تايوان في الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها في الثاني والعشرين من مارس. وتشير الاستطلاعات الحالية إلى أن عمدة تايبيه السابق ما ينغ جيو، الذي ينتمي إلى الحزب القومي الصيني (الكومنتانغ)، يتقدم على فرانك هسي الذي ينتمي إلى الحزب التقدمي الديموقراطي الحاكم. إلا أن بعض المراقبين يخشون أن يسعى رئيس الحزب التقدمي الديموقراطي تشين شو بيان إلى اختلاق الحجج والذرائع لمنع هزيمة المعسكر المناصر للسيادة التايوانية. وهو في الوقت الحالي يؤيد إجراء استفتاء عام لتحديد ما إذا كان ينبغي لتايوان أن تنضم إلى عضوية الأمم المتحدة، وهو ما تعتبره الصين استفزازاً. ويرد تشين بأن الصين «هي التي تتصرف على نحو مستفز اليوم».

من الواضح أن هذه التطورات تسبب انزعاجاً للولايات المتحدة. فمؤخراً قالت كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة أمام مؤتمر صحافي: «إننا نعتقد أن إجراء تايوان لاستفتاء بشأن طلب عضوية الأمم المتحدة تحت اسم تايوان يشكل سياسة استفزازية. فهو من شأنه أن يؤدي بلا ضرورة إلى رفع حدة التوتر في مضيق تايوان ولن يعود بفائدة حقيقة على شعب تايوان في المسرح الدولي». كما أكدت على سياسة الإدارة الثابتة في معارضة أي «تهديد أحادي الجانب من قِـبَل أي من الطرفين للوضع الراهن».

في اليوم نفسه، وجه وزير الدفاع روبرت غيتس انتقاداته إلى الصين بسبب تقييدها غير المتوقع لزيارات السفن الأميركية للموانئ الصينية بدعوى منع مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان. ولقد أكد غيتس أنه أبلغ المسؤولين في الصين أن مبيعات الأسلحة الأميركية كانت متفقة مع الإجراءات المتبعة في الماضي وأن الولايات المتحدة سوف تستمر في منح تايوان الموارد الضرورية للدفاع عن نفسها ما دامت الصين مستمرة في حشد قواتها على جانبها من مضيق تايوان. ولكن غيتس أضاف أنه على الرغم من استمرار ميزانية الدفاع الصينية في الارتفاع، فإنه لا ينظر إلى الصين باعتبارها عدواً، ويعتقد أن الفرص متاحة لاستمرار التعاون بين البلدين في عدد من المجالات.

من حيث المبدأ، لا ينبغي لقضية تايوان أن تؤدي إلى الصراع. فمع التغيير المستمر في الصين ونمو الصلات الاقتصادية والاجتماعية عبر المضيق، لابد أن تتوافر إمكانية إيجاد صيغة تسمح لتايوان بالحفاظ على اقتصاد السوق ونظامها الديموقراطي من دون الحاجة إلى الحصول على مقعد في الأمم المتحدة.

حتى وقتنا هذا، ظلت الولايات المتحدة تحاول إحداث هذا التطور من خلال التأكيد على خطين واضحين: لا إعلان للاستقلال من جانب تايوان ولا استخدام للقوة من جانب الصين. ولكن نظراً إلى الخطر المتمثل في الأحداث التي قد تنشأ عن المنافسة السياسية في تايوان أو تفاقم حالة نفاد الصبر بين صفوف جيش التحرير الشعبي في الصين، فلسوف يكون من الحكمة أن تشجع الولايات المتحدة المزيد من الاتصالات النشطة والمفاوضات بين الجانبين.

إن للولايات المتحدة مصلحة وطنية واضحة في الحفاظ على العلاقات الطيبة بالصين، فضلاً عن بعض المصالح المتعلقة بحقوق الإنسان في حماية الديموقراطية في تايوان. وليس للولايات المتحدة أي مصلحة وطنية في مساعدة تايوان في التحول إلى دولة مستقلة ذات سيادة وحصولها على مقعد في الأمم المتحدة، والجهود التي تبذلها بعض الجهات في تايوان لتحقيق هذه الغاية تشكل خطر الوقوع في حسابات خاطئة من شأنها أن تخلق العداوة بين الولايات المتحدة والصين. وبالفعل يتصور بعض الصينيين أن الولايات المتحدة تسعى إلى حصول تايوان على استقلالها كي تتحول إلى «حاملة طائرات غير قابلة للغرق» لاستخدامها ضد العدو الصيني المحتمل في المستقبل. وهو بلا شك تصور خاطئ، إلا أن مثل هذه الشكوك من شأنها أن تغذي مناخ العداوة.

إذا ما تعاملت الولايات المتحدة مع الصين باعتبارها عدواً اليوم، فإن هذا من شأنه أن يضمن وقوع العداوة في المستقبل. ورغم أننا لا نستطيع أن نتأكد من الكيفية التي ستتطور إليها الصين، فليس من المنطقي أن نستبعد احتمالات المستقبل الأفضل. إن السياسة الأميركية الحالية تجمع بين محاولات الدمج الاقتصادي وبين اتخاذ الإجراءات الواقية ضد الشكوك الخاصة بالمستقبل. والتحالف الأمني القائم بين الولايات المتحدة واليابان يعني أن الصين لن تتمكن من لعب «ورقة اليابان». ولكن رغم أن مثل هذه الأساليب الوقائية تشكل أمراً طبيعياً في السياسة الدولية، فإن التواضع يشكل أهمية عظمى بالنسبة لكلا الطرفين. وإذا ما انتشر مناخ عام من عدم الثقة، فقد ينظر أحد الطرفين إلى ما يعتبره الآخر وسيلة للوقاية وكأنه تهديد شخصي له.

ليست هناك أي ضرورة تدعو إلى اندلاع حرب بين الولايات المتحدة والصين أثناء هذا القرن. ويتعين على الجانبين أن يحرصا على ألا تؤدي أي واقعة مرتبطة بتايوان إلى ذلك الاتجاه. بل ينبغي على الأميركيين والصينيين أن يتجنبوا السماح للمخاوف المبالغ فيها بالتحول إلى نبوءة هلاك.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye، مساعد وزير دفاع الولايات المتحدة الأسبق، وأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «قوى الزعامة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top