رقصة التنورة... احتفاء بالحياة أم تواصل مع الموت؟
التنورة رقصة ارتبطت بحلقات الذكر الديني وتعد أحد الطقوس الخاصة التي تشهدها بعض الاحتفالات الشعبية. سعى القائمون عليها إلى تطويرها لتتناسب مع تطورات العصر. إلى أي مدى اختلفت وضعيتها الحالية عن الأزمنة الفائتة؟ لماذا لا توجد أماكن متخصصة لتعليمها؟
يقول الدكتور صلاح العناني (مؤسس فرقة الغوري للتنورة في وزارة الثقافة سابقا) إن التنورة في مصر كانت تتم قديماً في حلقات الذكر داخل التكية (مكان يعتبر مضيفة لأبناء السبيل والغرباء والدراويش)، حيث كان الدراويش يقدمونها كأحد أشكال الرقص الصوفي القائم على سماع الراقص لمقطع من شعر جلال الدين المتمحور حول غربة الإنسان في الكون ورغبته في الخلود وكان يخلع الراقص تنورته المعبرة عن خلعه للحياة ليبقى بالسروال الأبيض ويقتصر على الدوران حول نفسه الذي يعبّر عن تخفيفه من أثقال الحياة وعن رغبته في الصعود، كذلك يرمز الطربوش الطويل الذي يرتديه الدرويش أثناء رقصه إلى التابوت والتواصل مع الموت. كان الرقص يقتصر على وجود راقص في المنتصف يرمز إلى الشمس وحوله مجموعة صغيرة من راقصين يرمزون إلى الكواكب من حوله.التطور في الرقصةمع تقدّم المجتمع أصبحت التنورة احتفالا ابتهاجياً وليس طقساً دينياً مقتصراً على الدراويش المولاوية كما كان سابقا وتبدل شكل التنورة من الأبيض والأسود إلى الكثير من الألوان، التي يعبر كل منها عن إحدى الطرق الصوفية المختلفة، فالأحمر يعبر عن المذهب الأحمدي والأخضر هو لون السجادة، وذلك على غرارعادة المصريين توسط جميع الاتجاهات والتيارات الدينية، لذلك تعددت ألوان التنورة لتعبر عن الطرق الصوفية المختلفة التي تصلح لكل مولد.تركت التنورة الغناء الإسلامي الشعبي القائم على مزج الدين بتفاصيل الحياة اليومية مع الخلط بين الغناء والحركات التعبيرية.يشير أحمد أنور (مدير فرقة دراويش القاهرة) إلى أن الراقص أصبح يغير تنورته 4 مرات ليعبر بذلك عن الفصول الأربعة، بالإضافة إلى تعبير حركات الراقص أثناء الرقص عن بعض المعاني الفلسفية. الملابس والرقصاتيشير إبراهيم منصور (المسؤول عن فرقة التنورة في ساقية عبد المنعم الصاوي) إلى أن لكل فرقة اليوم رقصاتها المحددة، وأصبح الراقص يقوم بالدوران ويعبر بحركاته عما يقوله المنشد، لا يكون الإنشاد هنا دينياً بل يتحول إلى رقص استعراضي، كذلك يرتدي حذاءً مصنوعاً من قماش أبيض خفيف يساعده على أداء مهامه الاستعراضية، بينما كان قديما يرقص من دون حذاء كدليل على الروحانية. من ناحيته يقول إسماعيل أحمد (احد راقصي التنورة): لم تكن التنورة قديما مضبوطة ما أدى إلى بذل مجهود أكبر من قبل الراقص لرفعها والتحكم بها، أما اليوم أصبحت مصنوعة بطريقة أكثر بساطة ما سهل استخدامها وأتاح ذلك للراقصين تعدد حركاتهم وتنوعها فأصبحت التنورة الاستعراضية تحتاج إلى راقص يتمتع بقدرة عضلية تمكنه من رفع التنورة وتقديم أشكال استعراضية مختلفة بها. أما راقص التنورة الصوفية قديما وجب عليه التمتع بالقدرة على جعل التنورة مموجة كموج البحر من دون الحاجة إلى لياقة بدنية كبيرة بقدر الحاجة إلى حالة نفسية جيدة ومقدرة كبيرة على التعبير عن أقوال المنشد الديني بحركات راقصة. من جهته يقول أحمد أنور إنه لم يعد الاهتمام بالهيكل الاساسي للرقصة وأصبح البعض يدخل عليها حركات أقرب إلى الباليه مما يشوهها بالإضافة إلى قلة الاهتمام بها.يضيف: إنحصر انتشار هذا الفن في العروض السياحية التي تقدم في المطاعم والبواخر والقرى السياحية، لأن السياح يحبون هذا الفن الذي دفع البعض منهم إلى تعلمه.مدارسعلى الرغم من كون التنورة احد العناصر الأساسية في الفن الشعبي، إلا أنه لا توجد مدارس في مصر لتعليمها الذي يقتصر على الراقصين من ذوي الخبرة في المهنة الذين يدرّبون أبناءهم وأقاربهم من الأطفال لاستمراريته وعدم اندثاره.بينما يرجع دكتورعناني غياب مدارس تعليم التنورة في مصر إلى كونها تتطلب قدرة خاصة في التدريب لا سيما على ارتداء ملابسها بشكل سليم وتبديلها بشكل سريع والقيام بحركات متخصصة ومحددة بالقدم واليد ويؤكد ضرورة توافر مجموعة من المفردات في مدرسة التنورة لكي يشعر بها المتعلم ويكون قادراً على إدارتها وتنميتها. يرى عناني أن المشكلة في مصر هي غياب الجهد الابتكاري الموجود في الفن مع قلة المبدعين، وهي حالة اجتماعية عامة غيرت القيم وجعلت من قيمة المال هي العليا.يعيد أحمد حامد (مدير عام مركز دراسات الفنون الشعبية) النقص في المدارس التي تعلّم هذا الفن إلى وجود مادة الرقص الشعبي التي تدرس في المعهد العالي للفنون الشعبية من ضمنها التنورة، كذلك يوجد الكثير من الكتب حول هذه الرقصة، كذلك لم تدرّس كفن مستقل بذاته كالباليه مثلا. يقول: لا بد من أن يكون لدينا مخرجون يجيدون هذا الفن وهو أمر غير متوافر في مصر، إذ تعتمد الرقصة على حث الشخص واقتناعه بها، ويصعب إنشاء أكاديمية أو مدرسة خاصة برقصة واحد ويشير إلى أن التنورة تعد رقصة فلكلورية، و يدرّس علم الفولكلور في المعهد العالي للفنون الشعبية. يضيف: هذا ما نجده في الخارج فحينما انشأوا مدرسة في أوروبا لتعليم الباليه كان ذلك من اجل الفانتازيا وليس كعلم وممارسة وإيقاع، كذلك لا نجد معهداً لتعليم التانغو في أميركا اللاتينية على الرغم من أنها متعلقة بأقاليم محددة في أميركا وتمثل علماً كبيراً.