هل تفتح المعارضة اللبنانية أبواب الانفراج؟

نشر في 14-08-2007
آخر تحديث 14-08-2007 | 00:00
 بلال خبيز يؤكد الرئيس نبيه بري أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها. لكن تأكيده لا يستند إلى حيثيات محلية تجعل من اللبنانيين أكثر تفاؤلاً في الخلاص من الأزمة التي تعصف بهم منذ أكثر من عام كامل. ويجد الصحافيون أنفسهم أمام تصريحات الرئيس بري كما لو أنهم مساقون سوقاً للتصديق والإيمان بأن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الرئيس يملك من المعطيات، التي لا يريد الإفصاح عنها، ما يجعله متأكداً مما يثابر على تأكيد حصوله في القريب العاجل وضمن المهل الدستورية. لكن الرئيس الثاني في لبنان يرفق تأكيداته دوماً بنقد الموالاة التي تفخخ المبادرات العربية والدولية على حد سواء، وترفض أن تسبق حكومة الوحدة الوطنية، بثلثها المعطل، انتخابات الرئاسة أو ضمان حصولها على الأقل.

ما يجعل المتابع للشأن اللبناني الداخلي يتساءل عن مصدر الثقة التي يتحلى بها الرئيس الثاني، وأحياناً ينسبها إلى مصدر إلهي على غرار النصر الإلهي والوعود الصادقة التي يطلقها أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله في كل مناسبة. فالسيد نصرالله بشّر جماهيره وتابعيه ومناصريه منذ أكثر من عشرة أشهر بأن هذه الحكومة، الفاقدة الشرعية بحسب تعبيره، ستسقط تحت ضغط الطوفان الشعبي المندد بسلوكها ومسلكيتها السياسية والاجتماعية. لكن الحكومة لم تسقط حتى الآن، والسيد نصرالله مازال يجمّل مناصريه بالصبر ويعدهم بالنصر في هذه المنازلة من دون أن يخامره الشك.

المقارنة بين وعود الرئيس بري ووعود السيد نصرالله قد تكون جائرة في جانب من جوانبها. فاستقالة الحكومة أمر لا يتعلق بالمعارضة اللبنانية وحدها، بل إن للموالاة فيه نصيبا أكبر وأرجح. إذ ليس من النوافل أن تستقيل الحكومة ما إن يطالبها «حزب الله» بذلك. فهذه الحكومة تملك من الشعبية ومصادر القوة ما يؤهلها للصمود طويلاً في مواجهة البقية الباقية من المعتصمين الغاضبين في وسط بيروت.

لكن أمر حصول انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري يقع تقريباً في يد المعارضة. فالمعارضة هي من يحول حتى الآن دون حصول الاستحقاق في موعده، وهي من يردد أركانها، من غير كلل، احتمال تشكيل حكومتين وتعطيل انتخاب الرئاسة. فيما يبدو انعقاد دورة للمجلس النيابي اللبناني لانتخاب رئيس الجمهورية إنجازاً للموالاة في حد ذاته، كائناً من كان الرئيس وكائنة ما كانت الظروف.

وغني عن الإيضاح أن وقائع العام الماضي من التجاذب بين المعارضة والموالاة دلت على اتجاهين متناقضين: الموالاة تريد وتحرص على تسيير عمل آلة الدولة لأنها موضوعياً تملك أكثرية نيابية راجحة من جهة أولى، وتملك ثانياً مداً شعبياً كبيراً يوالي رئيس الحكومة الحالي وتياره الذي يقوده سعد الحريري، مما يجعل أمر تكليف رئيس لمجلس الوزراء بتشكيل حكومة جديدة من خارج هذا التيار أشبه ما يكون بانقلاب لا تقوى المعارضة على تحمل نتائجه.

في الجهة المقابلة، اتسمت خيارات المعارضة في الصراع مع الموالاة بالتوجه الصريح نحو تعطيل الدولة والدورة الاقتصادية والحياة الاجتماعية والسياسية في البلد. باعتبار أن أي حلحلة في هذه الميادين مجتمعة تقوي الموالاة وتضعف حجج المعارضة. هكذا رعت المعارضة تعطيل الموقع الرئاسي الأول والثاني في البلاد ومازالت تمارس أشد الضغوط على الموقع الرئاسي الثالث بهدف تعطيله كحد أقصى، وتقليص رقعة سلطته كحد أدنى. فيما تصر الموالاة على تسيير عمل الدولة، بل وتكاد تؤخذ من الخاصرة الرخوة حين يطالبها «حزب الله» بالتعويض على المتضررين من الجنوبيين من جراء الحرب الأخيرة على نحو أكثر فعالية مما تقوم به حتى الآن. في حين أن السيد نصرالله نفسه، ولمن لايزال يتذكر، كان قد وعد اللبنانيين جميعاً أثناء الحرب بمال نظيف وطاهر يعيد إعمار كل ما تهدم. لكنه اليوم يطالب الدولة التي يتهمها بالحصول على مال غير نظيف وغير طاهر حكماً بالتعويض على المتضررين. مكتشفاً أن تحمل أعباء هذا الملف الشائك أصعب من أن يقوى عليها وحده بطبيعة الحال. طبعاً لم يحصل أن ردت الحكومة الفاقدة الشرعية على السيد حسن نصرالله بالقول: تلك كانت حربك، وعليك إصلاح ما تضرر. بل مازالت الحكومة الفاقدة الشرعية تتحمل أعباء النقد اللاذع في هذه الملفات، ولا تتنصل من مسؤولياتها الوطنية الجامعة في هذه المسائل. وذلك يعني ضمناً أن الحكومة، ورغم كل الامتعاض الذي يشعر به جمهورها حيال تحكم «حزب الله» بقراري الحرب والسلم في لبنان، فإنها شريكة في نتائج الحرب والسلم، وأن الحرب، أي حرب، لا تقع على جمهور «حزب الله» وحده، إنما على اللبنانيين من جميع الطوائف والمناطق. مهما اجتهد سلاح الجو الإسرائيلي في اعتماد «خريطة طريق» للقصف تطاول الشيعة اللبنانيين دون غيرهم.

فالحكومة وجمهورها مازالا يصران على المشاركة بالغرم في أي حرب مقبلة، لكنهما أيضاً يطمحان الى المشاركة في الغنم. بما يعني أن انتصار لبنان لا يكتمل إلا بصمود الناس في قراهم وبيوتهم، وهذا أمر من مسؤوليات الحكومة، كما يطالبها «حزب الله» ليلاً نهاراً. لكنه حين يتحدث عن النصر والصمود يصبح حديثه فئوياً ضيقاً لا يتسع لكل اللبنانيين.

 

*كاتب لبناني

back to top