نور الهدى من الأرز الى الهرم لأسعد مخول زمن الانحياز الى النغم الأصيل

نشر في 20-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 20-01-2008 | 00:00

صدر عن جمعية «عِرَب» الطبعة الثانية من كتاب «نور الهدى: من الأرز إلى الهرم» للكاتب أسعد مخول، الذي يروي سيرة حياة المطربة اللبنانية نور الهدى، ويمهد المؤلف لكتابه بأنه نقح الطبعة الأولى منه وأضاف عليه ما تيسر له، الا أن المضمون في ركائزه العريضة لم يتغيّر، على الأقل في محاربته للنغم الأصيل والشدو الجميل.

يسرد الكاتب سيرة حياة نور الهدى فيفيد بأن اسمها الحقيقي هو ألكسندرا بدران، ولدت في مدينة مرسين في تركيا سنة 1924، والدها من آل شماس من أميون في الشمال اللبناني، هاجر طلباً للعمل، حيث دامت إقامته هناك عدة سنين، حصلت خلالها ألكسندرا على الجنسية التركية. أما بدران فهو اللقب الذي عرفت به العائلة بدلاً من شماس.

عادت ألكسندرا إلى بيروت وأمضت طفولتها في حي المزرعة، وقد مالت منذ صغرها إلى الغناء، وانتشرت أخبار جمال صوتها بين الناس، إلا أن والدها، بعكس والدتها، عارض ارتباطها بالفن، ولم يكن هو الوحيد على تلك الحال، فقد كانت العائلات بمعظمها محافظة، تعارض امتهان الفتاة الفن. وتتذكر المطربة من تلك المرحلة أن زوج عمتها (والد الممثلة فريال كريم) هو الذي أقنع والدتها بأن تسمح لها بالتدرب على أصول الغناء على يدي أحد الموسيقيين، خارج أوقات الدراسة، وقبلت أمها هذا الأمر بعد طول تردد لكنها بقيت تخشى ردة فعل الوالد، إذ أسهم غياب هذا الأخير عن المنزل بحكم عمله في تسهيل تنفيذ الخطة، واستغل الكاتب زوج العمة هذه الفرصة فأحضر الملحن خالد أبو النصر ليتولى تدريب الفتاة على الغناء وليلحن لها أغنيات خاصة بها. وكان أول لحن لكلمات قصيدة اقتطعها أبو النصر من جريدة، من دون أن يعرف ناظمها، عنوانها «ليلى».

سينما الكريستال

نالت ألكسندرا شهرة كبيرة عند غنائها، خصوصاً أنها لم تكن آنذاك قد أتمت العاشرة. ثم تمّ اتفاق مع أحد المتعهدين على إقامة حفلة في سينما كريستال في بيروت، تغني فيها ألكسندرا قصيدة «ليلى» مع بعض المواويل، فانتشرت إعلانات الحفلة في الطرقات. وفيما كانت الوالدة تتمنى عدم إقامة الحفلة خشية الصدام مع الوالد، كانت ألكسندرا مصرة على الغناء رغم خوفها. إلا أن زوج العمة وعد بتسوية الموضوع وأرسل برقية الى الوالد يدعوه فيها مباشرةً لحضور الحفلة. وفي الموعد المحدد انتظر الجميع الوالد في البيت، لكنه لم يحضر، فألبسوا الفتاة ثيابها وتوجهوا بها إلى المسرح.

وحين أُنيرت الأضواء لبدء الحفلة فوجئت ألكسندرا بوالدها واقفاً قبالتها محدقاً متوعداً. لكنّ الخوف لم يتسلّل إليها فغنت حتى اختفى الوالد. وعند انتهاء القصيدة وارتفاع أصوات التصفيق، أسدل الستار فوجدت نفسها تُسحب إلى الداخل والصفعات تنهال على وجهها. وفي اليوم التالي رافقت الفتاة والدها مرغمة، إلى مدينة طرابلس حيث بقيت سنة كاملة. عاشت ألكسندرا في غرفة والدها في طرابلس أياماً صعبة، فكان يتركها بمفردها ليذهب إلى عمله، فتتسلّى هي بالطعام وبقصصٍ قصيرة تقرأها رغم عدم إلمامها بالقراءة، وكان والدها يمتحنها في نهاية كلّ يوم ليتأكد من أنها أمضت وقتها في القراءة لا في التفكير بممنوعات غير مرغوبة، في مقدمها الغناء. وكان يطلب منها أن تلخّص له مضمون القصص، فكانت تسمعه جملاً قصصية من خيالها، فيقتنع بما سمعه لأنه يعتبر أن الفتاة بذلت قصارى جهدها في القراءة. ويؤكد أسعد مخول أن الوالد اضطر في النهاية الى الرضوخ لتدخلات الأقارب والأصدقاء، فسمح لابنته بالغناء مشترطاً أن يرافقها مع والدتها في جولاتها الغنائية كافةً. وهكذا بدأت ألكسندرا مشوارها الفني الشرعي، وكانت مازالت صغيرة، حتى أنّها كانت تغفو خلف المسرح قبل أن يحين موعد وصلتها، فيغسلون وجهها بالماء كي تستفيق. ويذكر الكاتب أن ألكسندرا لم تكن منذ بداياتها ميالة إلى الغناء الريفي، وقد غنت الأغاني التراثية، من موشح وموال وقصيدة، ودربها على ذلك العواد إلياس القطريب، والرّقاق رفول، والملحن سليم الحلو، كما أنها كانت تعتمد كثيراً على تسجيلات محمد عبد الوهاب وفتحية أحمد، وكانت هذه الأخيرة بالنسبة إليها سلطانة الارتجال والتصرف والسيطرة على الإيقاع.

في الفصل الثاني من الكتاب يروي الكاتب قصة انتقال ألكسندرا إلى مصر، إذ كانت تغني سنة 1942 في حلب التي كانت تستقبل فرقاً مصرية كثيرة كفرقة بيبا عزّ الدين، وفرقة بديعة مصابني، وفرقة ليلى حلمي، وفرقة يوسف وهبي ( فرقة رمسيس المسرحية).

وحضر وهبي ذات يوم إحدى حفلات ألكسندرا، فأعجب بفنّها وسأل عن أهلها، فوعده صديقه الطبيب فؤاد رجائي بتأمين لقاء معهم عبر حفلة تكريمية كانت ألكسندرا نجمتها. وأُعجب وهبي بجمالها وجمال صوتها، ولفتته جرأتها وحيويتها وقوة شخصيتها، ووجد فيها مواصفات العمل السينمائي، فاقترح عليها عقداً لمدة خمس سنوات مقابل 150 جنيهاً لكل فيلم، ووعدها بتأمين تأشيرة الدخول إلى مصر بعد ثلاثة شهور، وقد تولّى والدها التوقيع على العقد.

اسم عربي

رأى يوسف وهبي أنّه من الأنسب إطلاق إسم عربي على ألكسندرا بدران يفتتح به نشاطها الفني في القاهرة. فتم اختيار الاسم الجديد بالقرعة من بين مجموعة من الأسماء يقترحها عدد من الفنانين (يوسف وهبي، محمد كريم، أحمد بدرخان وغيرهم) وكان الاسم الفائز «نور الهدى».

فرحت ألكسندرا بهذا الاسم الذي حققت معه حلمها الكبير: الوقوف أمام الكاميرا. واستمرّ فرحها هذا داخل القاهرة وخارجها، وكانت تجد في هذه المدينة تقارباً بين الديانتين: المسيحية والإسلام (نور السيد المسيح وهدى النبي محمد).

تلت تلك الفترة عشر سنوات من التألّق في السينما المصرية، غناءً وتمثيلاً، ومهّدت نور الهدى طريق الفن العربي للأصوات اللبنانية الدافئة من مثيلات لور دكاش، وصباح، ووديع الصافي، ونجاح سلام وسعاد محمد...

في القاهرة شكت نور الهدى من مضايقات كثيرة، رغم أنها أحبت مصر إلى أبعد الحدود، وكان حلم طفولتها أن تطأ قدماها أرض الكنانة. البعض ربط الانزعاج بأسباب تتعلّق بالمذهب والمعتقدات وهناك من ربطه بخلاف مع مصلحة الضرائب بالدرجة الأولى. ناهيك أنّ تألّق نور الهدى في السينما المصرية أزعج عدداً كبيراً من الفنانات المصريات لأنها كانت تسلبهنّ حصتهنّ من النجومية.

بعد 1945 واجهت نور صعوبات في تجديد إقامتها لدى إدارة الشؤون العامة، وكان عليها التعهد خطياً أمام تلك الإدارة بعدم إقامة أية حفلة، خاصة كانت أم عامة، وأن يقتصر نشاطها على العمل السينمائي بمعدّل فيلمين في السنة على الأكثر.

ويسرد المؤلّف أنّ الهدى وجّهت رسالةً مفتوحة إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عبر مجلة «الشبكة»، قالت فيها: «إنّ الإجراءات التي فرضتها قوانين الرقابة المصرية الصارمة علينا، نحن أهل الفن في سوريا ولبنان، باتت تتنافى وروح الثورة التي كان من أسس قيامها تقوية العلاقات الأخوية الطبيعية بين مصر وبين كل قطر عربي آخر. لماذا يا سيدي الرئيس يفرض عليّ أن أتوجه بكتاب إلى وزارة الداخلية في القاهرة لتوافق على منحي سمة الدخول إلى مصر، ولا يفرض لبنان بالمقابل سوى طلب بسيط تتقدم به الفنانة المصرية إلى سفارتها في القاهرة لا إلى وزارة الداخلية في لبنان». 

هامش

يروي الكاتب قصة عودة نور الهدى إلى لبنان، فقد رجعت إليه سنة 1953، بعد عشر سنين من العمل السينمائي في القاهرة. وتوزعت الفترة الجديدة من حياتها ما بين إقامة الحفلات في المناسبات الرسمية وأمام الجمهور، وتسجيل الأغاني في الإذاعة اللبنانية، ولدى شركات الأسطوانات، يضاف إلى ذلك تسجيلات مختلفة للإذاعات العربية: خصوصاً الابتهالات الدينية والقصائد التي أجادتها وغنتها سابقاً في حفلاتها الأولى في لبنان وسوريا أ في الإذاعة اللبنانية عند إنشائها (سنة 1938). أما نشاطها السينمائي في لبنان فاقتصر على فيلم واحد «لمن تشرق الشمس سنة 1958». كما نفذت ثلاثة مسلسلات إذاعية لإذاعة B.B.C. (ملكة المسارح، طروب، وحبابة) في أواسط الستينات. كما قدمت ثلاثة مسلسلات تلفزيونية أيضاً لتلفزيون لبنان (ليالي الأندلس، الغريبان، ونوارة) في مطلع السبعينات، قدمت فيها أغاني شيقة.

ويرى الكاتب أن حياتها في هذه الفترة لم تكن مستقرة، فتارة تفكر بالعودة إلى مصر، وتارة تريد اعتزال الفن وإقناع نفسها بالزواج، وتارة تقتنع بمواصلة طريقها الفني، كذلك فكرت بالسفر إلى أميركا مع أختها للإقامة هناك بتشجيع من صديقتها سعاد فخري. وفي السبعينات قصدت حليم الرومي ليلحن لها قصيدة من شعر صالح جودت، فوجدته على فراش المرض، وتمنت أن يلحن لها الرحبانيان لكنهما لم يعبرا عن نيتهما في التعاون، كذلك تمنت أن تشترك في مهرجانات بعلبك لكن أحداً لم يطرق بابها لهذه الغاية، وعبد الوهاب أيضاً تباطأ في تلحين قصيدتين عرضتهما عليه (من شعر أمين نخلة وبدوي الجبل).

back to top