الحسابات الخاطئة في صندوق النقد والبنك الدوليين

نشر في 07-07-2007
آخر تحديث 07-07-2007 | 00:00
من الأفضل كثيراً أن نرى هاتين المؤسستين وقد استردتا نشاطهما وحيويتهما الآن، إن العالم الذي يقوم على العولمة بصورة متزايدة يحتاج إلى مؤسسات مالية عالمية، على أن تركز هذه المؤسسات على التنسيق والإشراف وتقديم المشورة الفنية، بدلاً من تبني آليات إقراض لا يحتاج العالم إليها.
 بروجيكت سنديكيت

ربما كان علينا أن نرجع بالزمن إلى «عام الباباوات الثلاثة» (1978) إذا ما أردنا أن نشاهد مثل هذه الأحداث الدرامية الغريبة المتصلة بالخلافة، كتلك التي شهدناها أخيراً في صندوق النقد والبنك الدوليين، وهما ركيزتان مهمتان يقوم عليهما النظام المالي العالمي، فمنذ شهرين، استقال رئيس البنك بول وولفوفيتز وسط تمرد غير عادي من جانب هيئة العاملين في البنك وفي ظل إخفاق تام لسلطة البنك. وما كان من نظير وولفوفيتز في صندوق النقد الدولي، وزير المالية الألمانية السابق رودريغو راتو، إلا أن فاجأ كبار المساهمين في الصندوق بصدمة شديدة حين أعلن اعتزامه هو أيضاً ترك منصبه في شهر أكتوبر المقبل.

إنه لمن سوء الحظ أن نفقد رئيس مؤسسة دولية مقرضة، أما أن نفقد رئيسين فإن الأمر يبدو وكأنه أقرب إلى الإهمال (مع اعتذاري للكاتب أوسكار وايلد). ومع اقتراب العام العاشر لذكرى الأزمة المالية الآسيوية، أو المرجل الذي صهرت فيه أسواق رأس المال الشديدة التقلب اليوم، فقد أصبحت نظريات المؤامرة وافرة.

إحقاقاً للحق، لابد من أن نعترف بأن الظروف التي أحاطت بالاستقالتين متناقضة تناقض الليل والنهار. فحين اضطر وولوفوفيتز أخيراً إلى الخروج بعد معركة شرسة، غمرت البهجة هيئة العاملين لدى البنك. أما في صندوق النقد الدولي فقد بدا الإحباط واضحاً على وجوه أغلب العاملين لدى صندوق النقد الدولي حين علموا بخبر رحيل راتو.

لقد اكتسب وولفوفيتز شهرته قبل تولى رئاسة البنك بعد الدور الذي أداه في التخطيط لحرب العراق، التي يعتبرها بعض المحللين واحدة من أعظم الكوارث العسكرية منذ غزو نابليون لروسيا. أما راتو، وعلى النقيض من ذلك، فقد كان وزيراً لمالية إسبانيا أثناء أزهى العصور التي شهدتها إسبانيا على الصعيد الاقتصادي منذ القرن السادس عشر.

أثناء ولاية وولفوفيتز فشل البنك في تطبيق أي إصلاحات جادة تعكس القوة الاقتصادية الصاعدة في آسيا. أما أثناء ولاية راتو، فقد اتخذ صندوق النقد الدولي، على أقل تقدير، بعض الخطوات المتواضعة نحو منح الصين والأسواق الأخرى، التي تتسم بالصعود السريع، المزيد من الثقل فيما يتصل بإدارة المؤسسة. وفي الوقت نفسه دفع راتو الدول الأوروبية المترددة إلى التنازل عن بعض سلطتها في الصندوق، كما نفذ إصلاحات أدت إلى توضيح وتعزيز دور الصندوق في إدارة أسعار الصرف.

قبل أسبوع من إعلان استقالة راتو، أكد صندوق النقد الدولي حقه في انتقاد الدول التي تهدد سياساتها التدخلية بتقويض استقرار الاقتصاد العالمي. ولقد أدى تغير سياسة الصندوق إلى إثارة حنق المسؤولين الصينيين الذين كانوا يتدخلون على نحو صارخ سعياً إلى الإبقاء على قيمة عملة الصين منخفضة.

وحين يحمل البنك كبار اللاعبين على التذمر بسبب كلام منطقي ومعقول تماماً، فلابد أن يكون ذلك هو التصرف السليم، والحقيقة أن الصندوق كان ليناً بصورة ملحوظة في التعامل مع الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، وذلك بتقليله من شأن التهديدات المستمرة الناجمة عن العجز الهائل في الحساب الجاري والعجز التجاري في الولايات المتحدة. وقد يتصور المرء أن هذه الفرضية المقنعة سوف تعود إلى العمل من جديد في وقت قريب.

على الرغم من الاختلافات الشاسعة في الظروف المحيطة برحيل رئيسي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فإننا سوف نجد بعض عناصر الشبه التي تثير القلق والانزعاج. الأول، أن كل الدلائل تشير إلى أن الأوروبيين سوف يستغلون إعلان راتو المفاجئ كعذر لتجنب المناقشة الجادة بشأن التنازل عن امتيازهم المتمثل في التفرد باختيار رئيس البنك. تماماً كما تمكنت الولايات المتحدة من ابتزاز العالم وحمله على اختيار أميركي آخر ليحل محل وولفوفيتز، وذلك من خلال إحباط الجهود الرامية إلى دفعه إلى ترك منصبه على نحو سلمي. إلا أن الأوروبيين لا يتمتعون بمثل هذا النفوذ في الصندوق، حيث اختار راتو أن يترك منصبه بكامل إرادته.

ما زالت الفرصة متاحة أمام صندوق النقد الدولي، منذ وقتنا هذا حتى حلول شهر أكتوبر، لتبني عملية اختيار نزيهة وشفافة ومن شأنها أن تقودنا إلى اختيار الشخص الأفضل لشغل النصب، بصرف النظر عن جنسيته. ومن الواضح أن البنوك المركزية حول العالم قد حققت نجاحاً هائلاً من خلال اختيار أشخاص من التكنوقراط ومن ذوي المعارف والخبرات الراسخة لتولي رئاسة مؤسساتهم، بدلاً من الإذعان للتعيينات السياسية المحضة، وإذا ما تحرينا الجدارة والاستحقاق، فلسوف نجد أن بعض المرشحين الواضحين لتولي رئاسة الصندوق، مثل البرازيلي أرمينيو فراغا، والمصري المولد محمد العريان، ليسوا أوروبيين.

أما عنصر التشابه الثاني فيتلخص في أن كلا المؤسستين تواجهان أزمات عميقة تتعلق بوجودهما. ففي عالم اليوم الذي يتسم بالأسواق المالية العالمية العميقة سريعة التغير، أصبحت أدوات الإقراض الرئيسة التي يستخدمها صندوق النقد والبنك الدوليين غير ضرورية وفائضة عن الحاجة إلى حد كبير.

وفي غياب الإصلاح الجاد، أصبحت المؤسستان الآن على وشك الدخول في سُبات عميق، كما حدث مع بنك «التسويات الدولي» لمدة أربعين عاماً قبل انبعاثه من جديد أخيراً. كان بنك «التسويات الدولي» الذي تأسس في العام 1930 للمساعدة في إدارة التعويضات الألمانية وتنسيق الأنشطة بين البنوك المركزية، يخدم أكثر قليلاً من مجرد مستودع لاحتياطيات الذهب في الأعوام التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. ومع اكتساب البنوك المركزية مكانة راسخة في الأعوام الأخيرة، وبفضل الزعامة الخلاقة المبدعة، عاد بنك «التسويات الدولي» إلى الحياة من جديد وتولى عدداً من الأدوار المهمة، بما في ذلك وضع معايير تنظيمية دولية لعمل البنوك والمصارف على مستوى العالم.

ورغم أنه من المشجع أن نعرف أن صندوق النقد والبنك الدوليين قد يعودان إلى الحياة ذات يوم إذا ما دخلا في حالة سُبات، فإنه من الأفضل كثيراً أن نرى هاتين المؤسستين وقد استردتا نشاطهما وحيويتهما الآن، إن العالم الذي يقوم على العولمة بصورة متزايدة يحتاج إلى مؤسسات مالية عالمية، على أن تركز هذه المؤسسات على التنسيق والإشراف وتقديم المشورة الفنية، بدلاً من تبني آليات إقراض لا يحتاج العالم إليها.

قبل أن يتحقق أي تغيير حقيقي، لابد أن ندرك أن المؤسستين في حاجة ماسة إلى تغييرات جوهرية فيما يتصل بحكمهما. والحقيقة أن الظروف المحيرة التي أحاطت بالإعلان المفاجئ عن رحيل رئيس صندوق النقد الدولي لا تبرر الرجوع إلى جدول الأعمال المعتاد فيما يتصل باختيار خليفته، فضلاً عن ذلك فإن عملية اختيار خليفة رئيس البنك الدولي من وراء الأبواب المغلقة، التي استأثرت الولايات المتحدة بموجبها باختيار رئيس البنك طيلة ستين عاماً، لا تبرر استمرار الأوروبيين في الاستئثار باختيار رئيس صندوق النقد الدولي. ذلك أن مجموع خطأين ليس من الممكن أن يسفر عن صواب في المحصلة النهائية.

* كينيث روغوف | Kenneth Rogoff ، أستاذ علوم الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة هارفارد، وشغل سابقاً منصب كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top