جمرة غوانتانامو الخبيثة

نشر في 02-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 02-09-2007 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

شيئاً فشيئاً أصبحت غوانتانامو وصمة عار في جبين السياسة الأميركية، ورمزاً لسقوطها في وحل الإرهاب، وبات عليها أن تتخلص من هذه الجمرة من دون إبطاء.

نعود إلى الحديث مجدداً عن واحدة من أكبر المآسي الأخلاقية في العصر الحديث المسماة غوانتانامو. وهي الأكبر لأنها تمثل ارتداداً عن المبادئ القانونية والإنسانية التي كان يُفترض أن تسود في العالم وبالذات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، كما أنها الأكبر في العالم والتي كنا نأمل أن تقود العالم في إطار مفاهيم أكثر التزاماً بالإنسان لا أن يرغمها بعض المتطرفين الى اللعب معهم على الملعب ذاته.

ولكن لماذا تم اختلاق بدعة غوانتانامو؟ وما حكاية تلك البقعة الصغيرة؟ ولماذا تم اختيارها في الأساس؟ ولماذا توجد الولايات المتحدة هناك وهي جزء من كوبا الدولة التي لا تقيم معها علاقات دبلوماسية؟

يقع خليج غوانتانامو في الطرف الجنوبي الشرقي من جزيرة كوبا ويبعد نحو 400 ميل جواً عن ميامي فلوريدا. وفي فبراير 1903 قامت الولايات المتحدة بتأجير نحو 45 ميلاً مربعاً من خليج غوانتانامو كمحطة وقود، ثم تمت إعادة تثبيت ذلك عام 1934 من خلال الاتفاق على دفع مبلغ 2000 دولار ذهب سنوياً (نحو 4000 دولار أميركي بأسعار 1934) وأضيف إلى اتفاقية التجديد شرط موافقة الطرفين على إنهاء عقد التأجير أو تخلي الولايات المتحدة عن القاعدة. وقد اوضح الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في مقالات عدة نشرها أخيرا طبيعة تلك الاتفاقية ومطالبته بمغادرة الولايات المتحدة ورفض كوبا تسلم القيمة الإيجارية المذكورة.

وقد بدأت العلاقة الأميركية الكوبية بالتوتر إثر اختطاف الثوار الكوبيين 29 بحاراً أميركياً في منتصف 1958، وكان لتلك العلاقات أن تتدهور عندما أعلن كاسترو توجه النظام الجديد للماركسية، ما أدى الى قطع العلاقات عام 1961 وتعقيد الأمور أكثر مع قدوم الرئيس جون كيندي وفشل عملية الإنزال الانقلابية على كوبا في «خليج الخنازير» المدعومة من قبل المخابرات الأميركية، إلى أن كاد يتحول ذلك التوتر إلى أعتاب حرب عالمية ثالثة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بما عرف في أدبيات السياسة الدولية بـ«أزمة الصواريخ الكوبية».

وهكذا عندما أراد جهابذة القانون في الحكومة الأميركية التعامل مع حزمة «الحرب على الإرهاب»، كما صنفوها، أرادوا أن يوجدوا معتقلاً في الهواء أو الفضاء، حيث لا يخضع لقانون أو قيم، بل يظل سجناً تحت السيطرة الأميركية من دون مساءلة من القانون الأميركي أو القانون الدولي الإنساني فكان أن تفتق ذهنهم عن اختيار غوانتانامو فهي ليست أرضا أميركية، وبالتالي غير خاضعة للدستور والقوانين الأميركية. وكذلك ليست أرضاً أفغانية، وعند سؤالهم وماذا عن القانون الدولي الإنساني؟ تفتق الإبداع مرة أخرى عن استحداث مصطلح «مقاتلون أعداء» بدلاً من أسرى حرب. ويبدو أن الإدارة الأميركية، وفي غمرة التعاطف الدولي الذي حصلت عليه في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، تصورت أنها ستستطيع الاستمرار في الإبقاء على غوانتانامو، مخالفة بذلك المبادئ الدستورية الأميركية ذاتها، دع عنك مخالفتها للقانون الدولي.

وشيئاً فشيئاً أصبحت غوانتانامو وصمة عار في جبين السياسة الأميركية، ورمزاً لسقوطها في وحل الإرهاب، وبات عليها أن تتخلص من هذه الجمرة من دون إبطاء، إلا أن ما يؤسف له بأن الأثر السلبي الذي احدثته ممارسات غوانتانامو قد تجاوزها ودفع إلى ممارسات لا تقل سوءاً إلى الظهور... وقد أدرك ذلك العديد من الساسة الأميركيين وكان جزءاً من تداعيات ذلك التحرك المضاد استقالة أو إقالة وزير العدل غونزاليس.

وللحديث بقية

back to top