مسؤولية الرجل الأبيض

نشر في 04-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 04-01-2008 | 00:00
No Image Caption
تأليف: وليام استرلي

الناشر: الدار العربيّة للعلوم ناشرون

هل يُعقل بعد خمسين سنة من الجهود والمساعدة، وبعد إنفاق 2.3 تريليون دولار إغاثةً وهباتٍ، أن يموت ملايين الأطفال سنويّاً نتيجة فقدان أدوية تبلغ قيمة الجرعة منها اثني عشر سنتاً أميركياً؟

وهل من المقبول في مطلع القرن الواحد والعشرين أن يعيش الملايين من البشر على أقلّ من دولار باليوم للفرد منهم، ومن دون مياه نظيفة، وطعام مغذٍّ، وصرف صحيّ، ومأوى يقي رؤوسهم، وتعليم يؤهلهم، ورعاية صحية تعتني بالحدّ الأدنى من حاجاتهم المرضيّة؟

سؤالان تتبعهما أسئلة كثيرة على مستوى الحكام والمسؤولين في دول العالم كله جعلت المؤلف البارز والاقتصادي السابق في البنك الدولي وليام استرلي يطرح في كتابه «مسؤولية الرجل الأبيض»

هذه المأساة التي يتخبّط فيها الفريقان: الدول المساعدة والناس المتلقون.

مأساة أولى

ألقى وزير مالية المملكة المتحدة غوردون براون في العام 2005 خطاباً بليغاً تحدّث فيه عن مأساة فقراء العالم، فطالب بمضاعفة المساعدات الخارجية وإطلاق خطة مارشال وإنشاء صندوق تمويل دوليّ يمكن من خلاله اقتراض عشرات مليارات الدولارات الإضافية تؤخذ من المساعدات المستقبلية لانقاذ الفقراء اليوم.

منح الوزير غوردون الأمل بالإشارة الى مدى سهولة القيام بأعمال الخير. فالدواء الذي يمنع حوالى نصف حالات الوفاة بالملاريا لا يكلف سوى اثني عشر سنتاً للجرعة، ولا يكلّف السرير الطبي أكثر من أربعة دولارات. ولن يكلف إنقاذ خمسة ملايين طفل من الموت في السنوات العشر القادمة سوى ثلاثة دولارات لكل أمّ جديدة. ولن يكلف برنامج مساعدات لمنح أموال نقدية للعائلات كي تعلِّم أولادها في المدارس الابتدائية سوى النذر اليسير.

لكنّ غوردون براون لم ينبس ببنت شفةٍ حول المأساة الأخرى التي يعانيها فقراء العالم.

مأساة ثانية

تتمثل المأساة الثانية لفقراء العالم بإنفاق الغرب 2.3 تريليون دولار على المساعدات الخارجية خلال العقود الخمسة التالية دون أن يستطيع إيصال ما يلزم لمنع وفاة ملايين الأطفال، أو تغذية ملايين الأمهات، أو منع حرمان ملايين الأولاد من الذهاب الى مدارسهم. إنها مأساة ثانية لم يحمل فيها التعاطف الشديد ولا زيادة الهبات أيّ نتائج ملموسة للمحتاجين.

يتناول وليام استرلي المأساة الثانية في كتابه. وهذا لا يعني الدعوة الى التخلي عن تقديم المساعدات للفقراء، ولكن لضمان وصولها إليهم. وينبغي على الدول الغنية التعامل مع المأساة الثانية إذا أرادت تحقيق أي تقدّم في المأساة الأولى. وبخلاف ذلك ستكرّر موجة الحماس الحالية في التعامل مع الفقر في العالم دائرة سابقاتها: روح مثالية، توقعات عالية، نتائج مخيبّة للآمال، ردود فعل سلبية ساخرة.

إذاً، بسبب المقاربة الخاطئة التي سلكتها المعونة الغربية التقليدية لم يتمكن نظام المساعدات العالمي من إثراء الفقراء وإطعام الجياع وإنقاذ المحتضرين وتعليم الصغار. فهل من خطة صحيحة في حوزة المؤلف الذي ألقى المسؤولية على الرجل الأبيض؟

مسؤولية الأبيض

انطلاقاً من بداية القرن الثامن عشر ظهرت الخطط الكبيرة التي ستصبح يوماً مساعدات خارجية وتدخلاً عسكرية خيرياً، وانبثقت «مسؤولية الرجل الغربي» من الفكرة الخيالية التي أسعدت الغرب بأننا «نحن» من وقع علينا الاختيار لانقاذ باقي العالم.

لقد اعتبرت حركة التنوير الفكري في أوروبا بقية العالم لوحاً فارغاً لا تاريخ له، يستطيع الغرب أن ينقش عليه مثله العليا. وكما وصف الكونت دو بوفون الأمر: «ظهرت الحضارة من خلال الأوروبيين... ونظراً لتفوقها تحديداً، تعتبر الشعوب المتحضرة مسؤولة عن تطوير العالم».

وانتقد مارك توين الجهود الحضارية في مطلع القرن التاسع عشر فوصفها بالفطيرة التي ستجذب الى المعسكر كل أحمق يجلس في الظلام في أي مكان.

ووعد ميثاق عصبة الأمم الذي تمّ إقراره بعد الحرب العالمية الأولى الشعوب التي لا تمتلك القدرة على النهوض بأنها وديعة مقدسة للحضارة ووضعها تحت وصاية الأمم المتقدمة.

وبعد الحرب العالمية الثانية حدث تغيير في اللغة وفي التفكير وأصبح الحكم الذاتي والتحرر من الاستعمار مبادئ عالمية، فتحوّلت عبارة «بلد متخلف» الى «بلد نامٍ»، وأصبحت عبارة «الشعوب الهمجية» «العالم الثالث». وفي الوقت نفسه بدأت المساعدات الخارجية مع برنامج «النقاط الأربع» الذي طرحه الرئيس الأميركي هاري ترومان. وتوصلت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة الى نتئجة مفادها أن تحقيق زيادة 2% في الدخل القومي للفرد الواحد تطلب مساعدات بحدود 3 مليارات دولار سنوياً.

في سنة 1960 ادعى والت روستو في كتابه «مراحل النمو الاقتصادي» أن هناك حاجة لزيادة المساعدات الخارجية بقيمة 4 مليارات دولار لتحقيق نموّ منتظم في كل من آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية بزيادة دخل الفرد بحوالى 1.5 % سنوياً. وشرع الغرب يتنافس مع الشيوعية لجعل العالم الثالث ينتهج الطريق الأمثل. فكافح الغرب لإقناع باقي العالم أنه يمكن تحقيق الازدهار المادي بسهولة في ظل الملكية الخاصة والأسواق الحرة والديمقراطية أكثر مما ستحققه المظلة الشيوعية.

أفرزت الحملة التي أعلنها روستو على عهد الرئيس جون كنيدي عدداً كبيراً من الوكالات التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية، وزارة المملكة المتحدة للتنمية الدولية، مصرف التنمية الاميركية، مصرف التنمية الافريقية، مصرف التنمية الآسيوية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، منظمة الصحة العالمية، منظمة الاغذية والزراعة، منظمة العمل الدولية، صندوق الأمم المتحدة للأطفال وغيرها.

لكنّ هذه الخطط الغربية البطولية فشلت في إنهاء الركود الاقتصادي او حتى إدراك امكانية تلبية حاجات اكثر بساطة. والمغالطة في هذا الأمر ان يفترض المرء أنه إذا درس وعاش في مجتمع ينعم نوعاً ما بالرخاء والأمن، فإنه أصبح يعرف ما يكفي ليخطط لمجتمعات اخرى حتى تنعم بالرخاء والأمن.

تصويب المسار

لن يكون على فقراء العالم انتظار الغرب حتى ينقذهم. والتغييرات الجوهرية لن تحدث طالما لم يتخلّ الغرب عن ذهنية الغطرسة وإنهاء الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي على المساعدات، وتوقيف التدخلات العسكرية، وعدم منح الحكومات السيئة الهبات بدلاً من منح الأفراد فرص التقدم والنموّ.

وفيما كان المخططون الغربيون يناقشون امكانية زيادة المساعدات الخارجية لتصل الى 50 مليار دولار لكل البلاد الفقيرة، فإن مواطني بلدين فقيرين كبيرين هما الهند والصين كانوا يحققون زيادة في دخلهم بلغت 715 مليار دولار في السنة.

وفي الوقت عينه انتقلت هونغ كونغ وكوريا وسنغافورة وتايوان من تصنيفها في العالم الثالث الى الأول خلال 40 سنة، وذلك من خلال جهود العديد من القوى اللامركزية التي اشتركت في بناء الاسواق بدون مساعدة غربية مؤثرة تشاركهم في دخلهم.

لقد حقّق الفقراء لأنفسهم اكثر بكثير مما أنجزه لهم المخططون. ومن الغريب التفكير بأن الغرب يستطيع تغيير مجتمعات معقدة تمتلك تاريخاً وثقافات مختلفة لتكون صورة عنه. وينبثق الأمل الرئيسي للفقراء من كونهم بحاثة بأنفسهم، وأنهم يستطيعون اقتباس الأفكار والتقانة من الغرب عندما يناسبهم ذلك.

إنّ الحلول التي يطرحها وليام إيسترلي في كتابه تعتمد أولاً على إيصال المساعدات للأفراد بدلاً من الحكومات وإنهاء المشاهد المثيرة للأسف والمتمثلة بتدليل صندوق النقد والبنك الدوليين ووكالات المساعدات الأخرى لأمراء الحرب واللصوص.

الحلم

إن الهدف الاساسي للخروج من المأساة ينبغي أن يكون في تمكين الأشخاص الأشد فقراً في العالم من الحصول على ما هو ضروري مثل اللقاحات، المضادات الحيوية، الإمدادات الغذائية، البذور المحسنة، الأسمدة، الطرق، أنابيب المياه، الكتب المدرسية والممرّضين. وهذا الأمر يساهم في تحسين الصحة والتغذية والتعليم التي ترفع من حصيلة جهودهم لتحسين ظروف حياتهم. ولا يتوقف المؤلّف عند هذه النقاط فحسب، لأن هناك مجالات اخرى للافادة من جهود وكالات المساعدة تتضمّن نشر المعرفة العملية في إدارة الأنظمة المصرفية وأسواق الأسهم، وتقديم النصائح حول الإدارة الجيدة للاقتصاد الكلي، وتبسيط القوانين التجارية والقيام بإصلاحات تدريجية تكون مقدمة لخدمة مدنية فعالة.

هامش

لقد ألهمت مأساة الفقر أحلام التغيير فكتب رئيس البنك الدولي جيمس ولفنسون على جدار بهو مقرّ البنك الدولي يقول:

إذا تصرّفنا الآن بحكمة وواقعية،

إذا أظهرنا شجاعة،

إذا فكرّنا عالمياً،

وتقاسمنا مصادرنا وفقاً لذلك،

نستطيع منح أطفالنا،

عالماً اكثر عدلاً وإنصافاً،

عالم تختفي فيه المعاناة،

حيث الأطفال في كل مكان،

سيكون لديهم شعور بالأمل،

هذا ليس مجرّد حلم،

إنه مسؤوليتنا.

back to top