تجلّيات منى الغربللي في التصوير الزيتي والفوتوغرافي
لوحاتها جزء من ذاتها ونبضهاالإبداع قدرة أودعها الله في بني البشر من دون تمييز في العرق أو الجنس، والمرأة، شأنها شأن الرجل، لها في مجال الإبداع مساهمات كبيرة وإن توقف الأمر على كثير من العوامل الاقتصادية والظروف الاجتماعية من عادات وتقاليد موروثة. وغالباً ما تكون المرأة العربية مكبلة بالأعباء والمسؤوليات الحياتية الشاقة، تلك المسؤوليات التي تقضي على معظم وقتها وتعيق اندفاعها في العمل الابداعي.
خاضت المرأة في الكويت منذ القدم مجال الابداعات الحرفية والزخرفية من خلال اعداد أزيائها الشعبية للحياة اليومية، وما اعدته للأعياد والمناسبات الاجتماعية. تعلمت الفتاة البدوية حرفة السدو وحياكة نقوشه التي تتطلب مهارة كبيرة ورثتها عن والدتها وجدتها وكان هذا الجهد الفني مقدراً.ظل المجتمع الكويتي يقدّر هذا التراث ويشجّعه كهواية جمالية ووسيلة تزيينية بعد أن كانت حرفة أساسية تفي بمتطلبات الحياة في تأثيث بيت الشعر والخيام وسروج الخيل والإبل والفرش والوسائد واكياس حفظ الملح والأرز. ويشارك القطاع الأهلي والأفراد والدولة ومؤسساتها الاهتمام بالنهوض بالحركة الفنية التشكيلية في البلاد، فانتشرت قاعات المعارض الخاصة في الكويت، وكان الوليد الجديد في منطقة قرطبة حيث جعل المهندس بدر السالم «فيللته» غاليري تحتضن الأعمال الفنية ويعرض الفنانون فيها أعمالهم. وتعرض الفنانة منى عبدالوهاب الغربللي أعمالها في غاليري «فيللا آرت» وهي من التصوير الزيتي والفوتوغرافي ويستمر عرضها حتى العاشر من يونيو المقبل.تدعونا أعمال الفنانة الغربللي إلى أن نتفحصها بدقة. ليس الفضول الباعث على ذلك، بل محاولة التعرف إلى أسلوب الفنانة التشكيلي.تقنية الحرقأحبت منى الغربللي التصوير الزيتي بصفة خاصة فهو الأقرب إلى حسّ مشاهديه. والتصوير من ناحية الأداء هو فن توزيع الأصباغ أو الألوان السائلة على سطح القماش المشدود حتى يصعب للبعض أحياناً التمييز بين التصوير والرسم، لأن كلا الفنين يستعمل مواد ملونة على أسطح من أنواع مختلفة. لكن التصوير يشمل استعمال الفرشاة واللون الزيتي الذي ارتاحت اليه الفنانة اثر مرورها في تجارب عديدة ومواد مختلفة. عن تجربتها تقول: «منذ أيام الدراسة الأولى في مدارس التربية وأنا منكبة على الدراسة والرسم في أوقات الفراغ وحصص مهارة التربية الفنية. أنجزت رسوماً بتقنية الحرق على الخشب، إثر عودتي من واشنطن التحقت بدورات تدريبية وتدريسية على الرسم بألوان الزيت. كنت مستمرة في الرسم بالألوان المائية وأقلام الأحبار الملونة لمساعدة أولادي في دراستهم.«رغم اني انتظمت في دورات لدراسة الرسم على الطريقة الصينية فإن التصوير الزيتي استهواني وأكملت في واشنطن التدرب على التصوير الزيتي فالتحقت بمرسم الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية منذ اصبحت عضوا دائما فيها.في الحقيقة ان هذه الخامة (الزيت) عرفها الايطاليون في القرن الخامس عشر كطبقة لامعة تضاف فوق رسومهم المنفّذة بالألوان الترابية التي أضيف اليها البيض لتلتصق على سطح الخشب (طريقة التمبرا). وفي اوائل القرن السادس عشر فقط استعمل الزيت فوق سطح القماش بعد خلطه بالالوان، ومن مميزات هذه الخامة التنوع الهائل في التعبير الذي تحققه من القاتم حتى الفاتح وإمكان الحصول على الاحساس بالشفافية والسرعة والتلقائية لبلوغ درجات لونية عديدة. أضف الى ذلك جاذبيتها وثراءها على سطح القماش وانعكاساتها الجميلة، وقوة تحملها بعد الجفاف ومقاومتها عامل الزمن». تعلّق الفنانة على مطابقتها الخصائص التي تتمتع بها هذه الخامة: «انظر الى هذه اللوحه وتمعن فيها، ستكتشف جمال خامة الزيت وعطاءها الجميل وتجاوبها، مع شغفي بالدقة وإخلاصي للتفاصيل. أنا أعشق لوحاتي وأعمل على منها كأنني أعدها لنفسي ولبيتي. تلك الشجيرات والنباتات الكثيفة بجانب الجدار، أحاول مخلصة تلوين كل ورقة على حدة متجنبة تماماً أساليب الرسامين التجاريين».لوحات الباليهتعجب فرغللي للوم شركائها الفنانين في مرسم الجمعية ودعوتهم لها الى التخلّي عن تلك الدقة والإتقان المحببين الى قلبها. الى هؤلاء تقول: «رسومي صور تنبض بالحياة. انها شغفي، جزء من ذاتي. ولا استطيع أن أتخلّى عنها». وتضيف: «أحياناً أحوّل انزعاجي من أمر ما الى لوحة. هكذا رسمت ثلاثية الانتظار حيث تمضي المرأة مراحل حياتها الثلاث منتظرة. رسمت لوحتي بضربات سريعة متطايرة أشبه بالريش المتطاير».وتكمل: «في لوحاتي فكرة أو موضوع أعبر فيه عن أحاسيسي وأتحرى فيها الصدق، هكذا رسمت لوحات الباليه». عن سبب رسمها لهذه اللوحات وما يربطها بهذا الفن تجيب: «تعرفت إلى هذا الفن الراقي منذ فترة طويلة حين كنت أهتمّ بالرياضة خلال مرحلة التعليم الأولى، خاصة الجمباز الذي كنا نمارسه في مدارسنا في الكويت. كنا نلبس تنورة فوق شورت الرياضة. كان الجمباز قريباً في بعض حركاته من رقص الباليه. كنت احاول دائما، في البيت أن أقف لفترات على أطراف أصابع قدمي. تلك الذكريات الطفولية الجميلة هي التي جعلتني أرسم هذه اللوحات».وجوه وذكرياتوتوضح: «عندما أشرع في رسم لوحة، وبعد تخطيطها بالخطوط الأولى، أبدأ في الرسم. لا أحب أن أرفع يدي عن اللوحة، خاصة إن كنت أرسم فيها جزئية كرسم اليد. لا أتركها قبل إتمام هذه الجزئية بدقة. يستغرق العمل على الوجه مثلاً أياماً طويلة، ولكني أجد فيها لذةً كبيرة خصوصاً عندما أرسم أفراد عائلتي».يحتل والدها مكاناً خاصاً في حياتها ولذا رسمت له لوحة تصوّره حين كان مريضاً في ألمانيا. يعجبك في الغربللي هذا الوفاء المخلص وتلك المحبة الكبيرة لوالدها، تنقل حبها بلوحات تريد أن تأسر الزمن بها، فها هي اليوم تعدّ مشروع لوحة تصوّر فيها والدها في لحظة سعادة: «حين كان ينتشل بصنارته سمكة!».منى الغربللي من الأسماء اللامعة والمترددة على ساحة الحركة التشكيلية الكويتية، فعلى امتداد السنوات الثماني الأخيرة نشطت مشاركتها في المعارض الجماعية سواء التي نظمتها الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية أو معارض المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومعرض التشكيليات الكويتيات 2000، ومعارض التحرير و25 فبراير، ومعارض هلا فبراير، ومعرض الأسبوع العربي الخليجي. خريجة جامعة الكويت، خاضت دورات تدريبية في مجال التصوير الفوتوغرافي، والتصوير الزيتي والرسم على الحرير (PAINT CHINA 99) والديكور. عضو في جمعيتي الكويت والإمارات للفنون التشكيلية، وفي جمعية محبي الفنون الجميلة في مصر وفي مجموعة رذاذ في الكويت.