بين السيادة الوطنية وحقوق الإنسان

نشر في 08-01-2008
آخر تحديث 08-01-2008 | 00:00
 موفق نيربية أوردت الوكالة العربية السورية للأنباء في صباح اليوم الأول من العام نفياً رسمياً لما جاء على لسان برلماني غربي من أنه «طرح خلال لقاءاته مع المسؤولين السوريين أخيراً موضوع بعض المعتقلين في سورية التي ترفض بشكل قاطع مناقشة شؤونها الداخلية مع أي مسؤول أجنبي».

الإشارة هنا إلى سبعة من قيادات المعارضة المنتخبة في المجلس الوطني لإعلان دمشق الذي انعقد في الأول من الشهر الماضي، وبينهم الدكتورة فداء الحوراني «رئيس المجلس».

وقد أصبح معروفاً أن للسلطات السورية طباعاً خاصة -موروثة من أيام الحرب الباردة- تتعامل على أساسها مع الكثير من المسائل، خصوصاً ما يتعلّق بحقوق الإنسان والحريات العامة، من ذلك أنها لا تحبّ أن تفعل شيئاً تحت الضغط، أو الضغط السافر. وكذلك أنها تتمتّع بحساسية شديدة عندما يكشف الآخر ما يجري داخل الجدران، هذا مبدأ صحيح في علوم التفاوض بالطبع. ورسمياً لا توجد حالة تفاوض، إلاّ أن «الآخر» هنا يكاد يكون الآخر المطلق. رغم ذلك، قد يكون الوضع تفاوضاً «افتراضياً» ممتازاً، مع وجود الاعتقال والإفراج في فضائه... للأسف! لأن احترام حقوق الإنسان ينبغي أن يكون حصانةً وسلاحاً في الاتجاه المعاكس.

لكن ما أريد الحديث عنه هو العلاقة بين مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ومسألة حقوق الإنسان.

في الأسباب الموجبة لميثاق الأمم المتحدة -وسورية من الدول المؤسسة- وبعد ذكر مسألة الحفاظ على السلام العالمي، ورد التأكيد على الإيمان «بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء وللأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية». هكذا: الأمم بعد الفرد والرجال والنساء! لم ينتبه الوفد السوفييتي إلى الأمر، وربما كانت وفود الأمم الحديثة الاستقلال أكثر عصرية منها بعد ذلك.

وفي المادة 28 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاء أنه «لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقّق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما».

وأخيراً، جاء في المادة الأولى: «إعلان حق ومسؤولية الأفراد والجماعات والمنظمات في المجتمع بدعم وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المقررة عالمياً» الذي أقرته الجمعية العامة في عام 1998 أن «من حق كل شخص، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، أن يدعو ويكافح من أجل حماية وتحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية على الصعيدين الوطني والدولي». هذا يعني أن من حقي ومسؤوليتي أن أدافع عن حقوق معتقلي غوانتانامو القانونية والإنسانية، ومن حق ومسؤولية أي أجنبي أن يدافع عن حقوقي.

تبدو مسألة السيادة الوطنية عالية الحساسية لشعوبنا التي مازالت في طور انتقالي، ولعلّها أكثر حساسية عند نخبنا الثقافية والسياسية. وهي، كأيّ شيء ندخل في جدل أو حوار حوله، يمكن أن تدخل في حقول شبه مقدّسة بسهولة فائقة، هذا حقٌّ تماماً من حيث الأساس، ومرتبط بأفكار وعقائد ومشاريع ومشاعر ذات علاقة بالكرامة الوطنية والهوية وبناء الدولة الوطنية التي تجاوزناها ثم تجاوزتنا، هكذا بسرعة، فلم نلتقط منها إلاّ بعضها.

السيادة الوطنية مبدأ صحيح وشرعي تماماً، لكن لابدّ أن يجري التعامل مع المفهوم على أنه حيّ ومتحرّك دائماً منذ ابتدأ بالظهور والتجسّد على الأرض، خصوصاً في القرن الماضي. كذلك فإن ما نعنيه به الآن مختلف –ولو قليلاً!- عما كنا نعنيه منذ عقود، قبل أن يزداد الاعتماد المتبادل بين الشعوب، ويغدو كلّ شيءٍ مرتبطاً بكلّ شيء.

هكذا فإن مسألة أخرى تتلو الاعتراف بأهمية السيادة الوطنية من حيث شكلها المتعلٌق بالجغرافيا والتاريخ ومضمونها المتعلق بالفرد والمجتمع، هي تقدير «الكمية» المناسبة من هذه السيادة، فأكثر مما ينبغي يعزلنا عن العالم، وأقل مما ينبغي يجرفنا بعنف معه. والمعيار هو سيادة الشعب، أو هي الديموقراطية. الديموقراطية في المجتمع المعني، وما بين الشعوب والدول. إنها الآلية السياسية لتنظيم الاختلافات وتسويتها، في الداخل والخارج.

فهنالك أشياء لابدّ من قبول التدخل في شأنها، بقوة الشرائع الدولية والقانون الدولي ولوائح حقوق الإنسان... ودستور الدولة المعنية نفسه –بلادي الغالية سورية نموذجاً- الذي نسي الحكام والمحكومون الكثير من مواده التي امّحت خلف حالة الطوارئ المؤبدة. غير ذلك خطأ ولو كان شائعاً، وهو يزداد ضعفاً وإضعافاً.

الموضوع مُعَولَم قبل أيام العولمة، وبقوة القانون. ولكن، لدينا ولدى غيرنا من «الدول النامية»، غالباً ما يكون الأمر اختزالاً يرفع شعارات «الخصوصية» من دون لبٍّ ولا جوهر... مجرّد ذريعة، والهدف هو استدامة الاحتكار الشامل، أي الاستبداد!

* كاتب سوري

back to top