باولو كويلو... لماذا الأكثر قراءة؟
أكثر من مئة مليون نسخة من روايات باولو كويلو بيعت حول العالم وتُرجمت إلى 62 لغة. أصبح هذا الروائي البرازيلي، واحداً من قلّة قليلة من الكتّاب ممّن تحوّلوا، بالكتابة وحدها، من الفقر إلى الثراء الفاحش. مثله في ذلك مثل الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ، مؤلفة سلسلة هاري بوتر.
ما الذي يفسّر هذا الرقم الخيالي في مبيع كتب كويلو؟ليس في طفولة كويلو ما يدلّ على نبوغ مبكّر، أو أنّه سيصبح هذا «الكاتب الظاهرة». في البداية كانت حياته مضطربة وكان كويلو جذرياً، يذهب إلى الحد الأقصى في الأشياء: فوضوي، هيبي، ماركسي، غيفاري. حين عجزت هذه الأشياء عن إشباع فضوله دخل في أزمة مع نفسه وغاص في متاهات الهلوسة والسحر والسفر والجنس والمخدرات وهو يستجيب في كل ذلك إلى صوت داخلي يدعوه إلى التمرّد. بعدها أدخله أهله إلى مصح عقلي. على اثر خروجه منه، بدأ بكتابة أغانٍ شعبية لفنانين برازيليين، ثم عمل ككاتب سيناريو وكصحافي. تسبب عمله هذا بسجنه بعدما اتهمته السلطة العسكرية الحاكمة آنذاك في البرازيل، بمحاولة الانقلاب على النظام. دفعه دخوله إلى السجن إلى العودة إلى نفسه، هنا بدأ التحوّل عنده. لا بد أن يعرف كلّ قارئ مواظب على رواياته قصّة تحوّله من «هائج يترك أثراً مدمراً على الآخرين»، كما وصفه أهله، إلى كاثوليكي متديّن يبحث عن الخلاص الفردي. من رحلة «التطهّر» التي قام بها مع مجموعة من المؤمنين إلى إحدى الكنائس، سيولد أول كتاب له وضعه على درب الشهرة، «الحاج»، بعدما نقل فيه تجربته هذه.على الرغم من أنّ التجارب الشخصية تأخذ حيّزاً واسعاً في كتابات كويلو، إلاّ أنّه يؤكد أن هذه الكتابات لا تشكّل سيرته الذاتية بل يستمدّها من تجربة معيّنة عاشها، لا يولد النّص من العدم، بل يحمل دوماً آثار صاحبه.اشتهر كويلو بأسلوبه البسيط اجمالاً والسهل. مع أنّه يتطرّق في كتاباته إلى قضايا فلسفية ووجودية، إلاّ أنّه لا يحيطها بكثير من الغموض بل على العكس يعالجها بأسلوب سهل وجميل، يحاول من خلاله الوصول إلى جميع فئات الناس. يحاول كويلو أن يصل إليهم عبر المواضيع التي يختارها، فهو يحاكيهم، يساعدهم ويؤثّر فيهم لدرجة أنّه أصبح مصنّفاً بين الكتّاب القادرين على تغيير حياة قرّائهم. في العام 1999 أظهرت إحصائية أنجزتها مجلّة «Lire» الفرنسية أنّ كويلو هو ثاني أكثر كاتب مقروء في العالم. يستوحي مواضيع كتاباته من الحياة اليومية ومن التواصل مع الناس، فيكتب مثلاً عن: الأحلام، المشاريع، لحظات الضعف، الشكّ، معنى الحياة وعن تلك اللحظات الصغيرة التي تمرّ في حياتنا والتي لا نعيرها عادة أي اهتمام فيملأ بها الصفحات في كتبه. شُبّه كثيرا بجبران خليل جبران لجهة اعتماد الاثنين في كتاباتهما على فلسفة الحياة ولسهولة أسلوبهما. حتى أنّ رائعة كويلو العالمية «الخيميائي» تعدّ بأهمية كتاب «النبي» لجبران، لجهة تأثيرها في القارئ. لا يُستقبل كويلو بالحماسة نفسها في بعض الأوساط الثقافية. لا يعتبره الكثير من النقّاد من الكتّاب المميّزين أو من كتّاب «الصف الأول»، بل يأخذون عليه لغته السهلة والأخطاء اللغوية التي يرتكبها وهما مؤشر ضعف لديه. كذلك وضعوا رواياته في خانة « الأدب الشعبي»، ووصفوها بأنها تبشيرية لا ترتكز على أسس صلبة وتفتقر إلى الإبتكار.لا تلقي هذه الإنتقادات بظلالها على ثقة كويلو بنفسه الذي يفاخر بالأعداد الهائلة من القرّاء التي تتهافت على شراء كتبه يؤكد: «من أصعب الأشياء أن تكتب بلغة سهلة». يوافق فرنسوا بوسنيل من مجلّة «الإكسبرس» على قول الكاتب هذا، عبر إعطاء مثل عن الواعظين الذين يحاولون اليوم تقليد أسلوب كويلو، فيروون محطات شخصية من حياته، مع الترويج في الوقت ذاته لفلسفته الإيجابية، لكن أفضل ما ينتج عنهم هو «وصفات مطبخية مبتذلة لجذب جمهور متلهف إلى امتلاك مفاتيح السعادة».في المقابل ينتقد الشاعر أمجد ناصر باولو كويلو ويقول إنه لم يقرأ له سوى رواية «الخيميائي» ووجدها «منقولة بتصرف معاصر من إحدى القصص في «ألف ليلة وليلة»... والأمثولة التي قامت عليها حبكة القصة كان عالجها، باقتدار فذ، الكاتب الأرجنتيني العظيم لويس بورخيس قبل أن يولد، باولو كويلو على الأغلب». تساءل إذا كانت كتابة كويلو هي التي تغيّر حياة القرّاء، أم هي الأسطورة الشائعة التي تقول إن كتاباته تغيّر حياة الذين يقرأونها.رأي محمد علي شمس الدينيقرأ الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين تجربة كويلو، بعين نقدية، من خلال قراءته والكتابة عنه في صحف لبنانية وعربية. عموماً أتى تشخيص شمس الدين لظاهرة كويلو إيجابياً جدا، إذ رأى أنّه قادر على أن يتجدّد باستمرار ويكون صاحب مفاجآت. إنه، برأي شمس الدين، الروائي الذي انتقل من كونه وثنياً ليتحول إلى أسطوري ثم يعود إلى الدين. لعلّه أكثر روائيي أميركا اللاتينية، بسبب عوالمه التي تتأرجح بين الفنتازيا والواقع، قدرة على التوغّل بعيداً في متاهات النفس البشرية ومسالكها. تساءل إذا كان حال الجنون هذا الذي مرّ فيه ثم عاد وشفي منه جعله يرتاد مناطق من اللاوعي البشري لا يعرفها غيره. ترجمت أعمال كويلو إلى لغات العالم وهو يتابع شخصياً هذه الترجمات ويتدخّل فيها أحيانا ويزور البلدان التي تترجم إليها أعماله ويحضر حفلات توقيع كتبه. لعلّه الأكثر انتشاراً في العالم ولو لم يستحق هذا الإنتشار لما انتشر.يعتقد شمس الدين أنّ هناك أسباباً عدة وراء شعبية كويلو، من بينها قدرته على أن يقدّم عوالم من المخيّلة فيها شيء من الفنتازيا والسحر وهي تنتمي في اللحظة ذاتها إلى العالم العجيب، الذي ارتاده روائيو أميركا اللاتينية في الواقعية السحرية التي يتعطّش إليها الغرب والتي لم يستثمرها الشرق كما يجب. يعتقد شمس الدين أنّ انتقال روايات كويلو إلى الشاشة الكبيرة كان أهم مروّج لها، كما يعتقد أنّه شديد التأثّر ب»ألف ليلة وليلة» وتكمن أهميّته في أنّه محبوب من الجيل الشاب الذي يجد في أعماله شيئاً من الطفولة والأسطورية.