سليم نصيب... روائي الحب الاسطوري والحب الاستثنائي

نشر في 06-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 06-02-2008 | 00:00

الحب الذي استطاع جمع رئيسة وزراء اسرائيل السابقة الصهيونية المتطرفة غولدا مائير والارستقراطي اللبناني ألبير فرعون لأعوام كثيرة لم يستطع خلق غرام وعشق متبادل بين المطربة أم كلثوم والشاعر أحمد رامي رغم قرب الاخيرين من بعضهما وتباعد غولدا وألبير مع تردد رامي وجرأة غولدامائير التي أظهرت إعجابها بألبير فكانت بداية علاقتهما التي قال عنها الكاتب اللبناني الاصل سليم نصيب إنها «لم تكن أمراً استثنائياً» وهو الذي كشف عن هذه العلاقة في رواية آسرة منذ صفحاتها الاولى، بعنوان «عشيق في فلسطين»، وأفصح عن حب أم كلثوم وأحمد رامي كما لم يفعل الاخير في روايته «أم».

يحاول سليم نصيب اليهودي اللبناني الأصل في روايته «ام» ان يصف العلاقة بين الشاعر(رامي) والمطربة (ام كلثوم)، الشاعر الذي نتعرف اليه في الرواية قد لا يكون هو نفسه الذي نقرأ عنه في الحقيقة، والكاتب هنا يحاول ان ينسج الرواية على فكرة الحب الكامن في قلب الشاعر والمغنية وبناء خط درامي يسمح له بقراءة توترات الداخل النفسي عند الشاعر الذي منذ ان عاد من فرنسا، ورامي قريب ومقرب من ام كلثوم وله كرسي محجوز في حفلاتها الغنائية، ولكن رامي الذي نشاهده هنا يبدو مستلبا او يعيش حالة من العشق الصوفي، يريد ان يقول ما في قلبه ولكنه خجول وعاجز عن البوح إلا من خلال القصيدة او الأغنية.

المنطقة الحرام

الحب الصامت والصوفي الذي كان احمد رامي يكنّه لأم كلثوم، سنلاحظ عكسه بين الصهيونية المتطرفة غولدا مائير والثري اللبناني ألبير فرعون، اذ كان بينهما حب قائم على البوح والاعتراف من دون خجل، لكنه من جانب آخر، حب في المنطقة الحرام كما قيل، ربما اراد نصيب من روايته هذه تبيان اسرار كانت محجوبة، وهو يعطي القارئ فرصة ذهبية ليرى عن كثب انتهاك ما يسمى «التابو» اي ما لا يجوز في الاحوال العادية الاقتراب منه، والكلام عنه. وما أدراك اذا كان «التابو» المقصود علاقة «مستحيلة» بين جسدين الاول ليهودية والثاني للبناني_عربي، خصوصا اذا كانت اليهودية احد ابرز الساسة الاسرائيليين، ورئيسة الوزراء الاسرائيلية خلال حرب يونيو 1967 واكثرهم تشددا تجاه الفلسطينيين، وصاحبة القول المشهور «لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني».

وانتهاك المنطقة الحرام من خصوصيات الفن الروائي، ومن مبررات ظهور الرواية في التاريخ الادبي في اعتبار انها تبحث عن المعرفة قبل كل شيء.

على ان نصيب استمد روايته «عشيق في فلسطين» من خلال صديقه فؤاد الخوري، حفيد ألبير فرعون، ويصف من خلالها غولدا بأنها «ذات شعرٍ كثيفٍ وطويل يُبرز وجهها، وكان جمالها مشحوذاً وجسدها قوياً جعلته المحن صلباً. تتركز إرادتها في شفتيها الحادتين كالشفرة، وفي عينيها نارٌ ورغبةٌ رهيبة في افتراس العالم». ويضيف أنها كانت «مُوَسوَسة» من المشاعر المعادية للسامية التي عرفتها في روسيا، وكانت تردد القصص الرهيبة ذاتها التي حصلت نتيجة هذه المشاعر. أما ألبير فرعون فكان سليل عائلة لبنانية معروفة وصاحب مصرف، يعيش في بيروت مع عائلته ويكره الاجتماعيات مفضلاً الخَيل، شغفه الوحيد. كان يتردد كثيراً إلى حيفا حيث وُلِد قبل أن يستقر نهائياً فيها متخلياً عن زوجته وولدَيه. لكنه كان يحب بيروت وشاطئها كذلك كان يحب السفر إلى أوروبا، ما دفعه للعيش بين شرقٍ وغربٍ طوال أربع سنوات (حتى العام 1928).

عزلة

بعد أسابيع من العزلة في منزله الجميل في حيفا، يقرّر ألبير تلبية دعوة من المندوب السامي للاحتفال بعيد ميلاد ملك بريطانيا. هناك يتعرف الى غولدا. شاهدها محاطة بصقور الصهيونية وأركانها، تتحرّك وتتكلم وتضحك بحرية كبيرة بينما ينسدل شعرها الأسود الكثيف على كتفيها، مرتدية فستاناً بلون البيج متواضعاً، كانت تبدو به كعاملة في ثياب الأحد. أما هي، فتلاحظه حين يقوم مختار حيفا العربي بتعريف ديفيد رامز عليه وعلى صديقه أسامة الحسيني، فتضطرب حالاً لشبه بينه وبين صديقٍ غالٍ على قلبها كان توفي غرقاً وهي في الرابعة عشرة من عمرها. ومع أن ألبير انتقد بشدة رفيقها ومشاريعه العنصرية، إلا أنها لم تتردد في تأمّله طويلاً وإظهار إعجابها به. وفي الليلة التالية، يزورها ألبير في منزلها بناء على دعوتها فتتطوّر العلاقة مباشرة إلى قصة غرام سرية تدوم سنين عدة. وعلى الرغم من تشدّد غولدا مائير بعد ارتكاب الاسرائيليين مجزرة الخليل واختلاف العشيقين جذرياً على المستوى السياسي، إلا أن ذلك لن يمنعهما من المضي في علاقتهما الليلية حتى القطيعة عام 1933.

المثير في هذه القصة، كما يراها نصيب، أنها لم تكن مجرّد علاقة جنسية. فصحيح أن غولدا كانت تحب الرجال وعرفت عُشاقاً يهوداً كثيرين، لكن عواطفها تجاه ألبير كانت صادقة وعميقة تشهد عليها زيارتان قامت بهما إلى منزله بعد افتراقهما بفترة طويلة: الأولى كانت عام 1937 إذ جاءت تبلغه بأنّ الوضع في حيفا أصبح خطيراً وبأنّ مجموعات يهودية تتحضّر لطرد العرب من المدينة بعد قبول البريطانيين بتقسيم فلسطين، والزيارة الثانية كانت عام 1948، طلبت منه خلالها البقاء في حيفا بعد سقوط المدينة في يد اليهود.

أرض البرتقال

لم تشكل قصة الحب استثناءً لدى نصيب خصوصاً في تلك الحقبة، أي مع بداية هجرة اليهود الى فلسطين، «حيث كانت حيفا تعجّ بقصص الحب بين العرب واليهود»، عاد ونفاها في احدى تغطياته الصحفية في الاراضي المحتلة، فتحت عنوان «يافا: أرض البرتقال الحزين» كتب نصيب «العرب واليهود يعيشون جنباً الى جنب في تل أبيب وجارتها يافا، ولكنهم غرباء عن بعضهم بعضاً، ونادراً ما يلتقون أو يتحدثون». ربما كان نصيب الذي كان يعمل مراسلاً للصحيفة الفرنسية «لوموند ديبلوماتيك»، مخطئاً حين رأى أن قصة غرام غولدا وألبير لم تكن استثناء، فكيف لقصة حب أن تجمع امرأة حديدية عرفت بتعصبها للصهونية بأحد الارستقراطيين الفلسطينيين وتكون عادية.

ربما لم يكن حب رامي لكوكب الشرق «أسطورياً»، كما لم يكن غرام غولدا بألبير «استثنائياً»، الاّ أن مشاعرهم واحاسيسهم التي لفّت كل تناقضاتهم وقلّصتها كانت أغرب من خرافة الاسطورة ولها وقع يعلو على صوت الاستثناء حين يكسر القواعد السائدة.

هامش

سليم نصيب الذي يعيش ويعمل في باريس منذ العام 1969، كمراسل لصحيفة ليبراسيون، كتب رواية بعنوان « أم» وترجمت الى الانكليزية تحت عنوان «أحببتك لأجل صوتك» أوI loved you for your voicوالى العربية بعنوان «كان صرحاً من خيال» يحاول الكاتب من خلالها إحياء الحياة الادبية والفنية وتركيب تاريخ مصر منذ الثورة عام 1924 حتى العام 1975(تاريخ وفاة أم كلثوم) حيث تدور أحداث الرواية حول قصة الحب التي جمعت أم كلثوم بالشاعر أحمد رامي، الذي لم تستطع علاقتهما رغم عمقها أن تتطور وتجمعهما تحت سقف واحد. ورامي الذي يبدو في الرواية مستلباً ويعيش حالة من العشق الصوفي، يحاول أن يقول ما في قلبه ولكنه يخجل ويصبح عاجزاًًعن الكلام أوالبوح بحبه لأم كلثوم التي كتب لها 137 أغنية من بين 383 أغنية قدمتها في مشوارها الفني.

على ان نصيب اليهودي من اصل لبناني كان يعيش في منطقة وادي ابو جميل، وحين حاول بعض الكتاب استضافته في مسرح بيروت في الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين، هدد بعض الغلاة القوميين بتفجير المسرح لاسباب عنصرية.

back to top