الملك كارل لاغرفيلد: أبدو مخيفاً للبعض ولكنني لا أخيف نفسي... لأنّني أعرف ما وراء نظاراتي السود!

نشر في 26-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 26-11-2007 | 00:00

كارل لاغرفيلد اسمٌ عُرف لغرابة صاحبه: من ياقته البيضاء البالغ طولها 10 سنتيمترات مروراً ببكلة حزامه المرصعة بالألماس، وصولاً الى إلمامه بالأدب الأوروبي الذي يطالعه بأربع لغات مختلفة، يدهش لاغرفيلد الجماهير أينما حلّ. فبالاضافة الى سعة معرفته الأدبية وكنوزه ومنازله المتعددة، يملك «ملك الموضة» 70 جهاز آيبود و2400 قميص قطني معظمها باللون الأبيض. وهو يغسل شعره يومياً بشامبو مبيّض.

يفوق حجم أعماله الخيال. فهو يعدّ تصاميم لـ»Chanel» و»Fendi» ولعلامته التجارية الخاصة، فضلاً عن مجموعة فريدة لـ»HandM»، ويصوّر تصاميم بعض المجلات، وينشر قصائد شعرية، ويملك متجراً للكتب! ذاع صيته بشكل منقطع النظير حتى إنّ رحلته الى البرازيل ألغيت لأنّ الحكومة ارتأت أنّ تكلفة تأمين حمايته ستكون باهظة الكلفة. لاغرفيلد في الثامنة والستين من عمره وما زال في أوج عطائه.

كتب ورشاقة

على مدى 50 عاماً ابتكر لاغرفيلد تصاميم ثورية غريبة مقرونة بلمسةٍ شبابية في أعمال قديمة الطراز. ومنذ خمسة أعوام أذهل الملك عالم الموضة بخسارته 42 كيلوغراماً من وزنه، متحوّلاً بذلك الى رجلٍ رشيق قادر على ارتداء بزّات Dior وسراويل الجينز الضيقة. وحقّق كتابه الاخير الصادر بعنوان The Karl Lagerfeld Diet أفضل المبيعات في العالم.

تفوق أعمال لاغرفيلد الجنونية كلّ تصوّر. فعبر إضافة حرف الـC بحجمٍ أكبر إلى بزة Chanel، وتقليص حجم السترة، وإدخال موضة التنانير القصيرة والأكسسوارات، قلب لاغرفيلد المعايير التقليدية رأساً على عقب. وربما شعر الآخرون أنّه ذهب بعيداً بتحديثه الأزياء، إلا أن الزمن أثبت أنّ هؤلاء كانوا على خطأ.

لا يبالي لاغرفيلد بما يفكرّ الآخرون به وقد يكون ردّه قاسياً ومؤلماً. يعلّق وهو يجلس على مقعدٍ خشبي في متنزه عام خارج متحف Grand Palais بعد تقديمه عرضاً لشانيل في باريس: «أستمتع بالانتقام بأسلوبٍ لئيم». إنّها فترة سكون بعد ساعة ونصف من مقابلاتٍ مع 27 محطة تلفزيونية مختلفة نطق فيها بلغاتٍ أربع.  

هجوم وانتقام

لا يخفي لاغرفيلد حبه ردّ الصاع صاعين في حال تعرّض لهجوم: «أعرف أنّ الانتقام أمر مؤذٍ ولكن لمَ عليّ ألا أحرّك ساكناً في حال تعرّضت لهجوم. قد أردّ الضربة بعد عشر سنين حين يظنّ المرء أنّ ما فعله لي بات في غياهب النسيان». ويوضح أنّه ليس شخصاً يمكن تجاهله: «موقفي هذا يبقي الشرّ بعيداً. كأني بذلك أحذّر الآخرين بعدم التعرّض لي لأنني قد أكون أكثر شراً منهم. والاسوأ أنّهم قد لا يعرفون من الذي وجه لهم الضربة القاضية»

وقد يتحوّل الى انسان هزليّ حين يتحدّث عن نفسه فهو يقول في هندامه وشكله الذي يحاكي نمط القرن الثامن عشر وتعلّقه باللونين الأسود والأبيض: «أشبه شارلي شابلن في حياتي اليومية. فحياتي الفعلية تحاكي حياته على الشاشة».

من أحبّ شخص إلى قلبه؟ يردّ: «لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال». من هم أصدقاؤه المقرّبون؟ يجيب: «لست ممّن يذكرون أسماء المشاهير الذين أعرفهم لإبهار الآخرين، لذا لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال».

تحليل نفسي

يشكّل لاغرفيلد مادةً دسمة للقيل والقال ولكن ليس للاستهلاك الجماهيري، فهو بعيد عن التأمل الذاتي والمزاجية. ما إن ينتهي من تصميم مجموعة أزياء حتى يباشر بمجموعته المقبلة من دون أن يلقي نظرةً واحدة إلى وراء. كذلك لا يخضع المصمّم نفسه للتحليل النفسي، ويقول: «إن كنت صادقاً مع نفسك، تعرف ما تسأل ذاتك وبماذا تجيبها. لا أحتاج إلى محلّل لأنني أعرف الأجوبة مسبقاً. وجدت ذات يومٍ رسالة وجهتها لو أندريس سالومي أوّل امرأة عملت مع فرويد الى حبيبها منبهةً: «لا تمارس التحليل النفسي أبداً لأنّه يخنق الابداع».

يسخر لاغرفيلد من نفسه كما لو أنّه يتحدّث عن شخص آخر. يعلّق: «أبدو بالمظهر نفسه دوماً ونادراً ما أرتدي اللون الزهري». ويضيف: «أحاول أن أحلّل حواراتي وقد اكتشفت بسرعة أنّني انسان سطحي للغاية يحب المظاهر الخارجية وفي هذه الحالة الثياب».

ولكن لاغرفيلد بعيد كلّ البعد عن السطحية فهو يملك مكتبةً تضمّ أكثر من 150 ألف كتاب ويعشق أشعار إيميلي ديكنسون. شغفه بالتاريخ ينعكس تصاميم على أقمشةٍ تمزج بين سترات Dior العصرية وسراويل الجينز من ماركة ديزل. أما ياقاته البيضاء فمستوحاة، وفق قوله، من والتر رازينو أحد صناعيي القرن العشرين الالمان بطل رواية روبيرت موزيل The Man without qualities (الرجل الخالي من المزايا).

حياته فصول يبدو فيها دائم الفضول. يقول عن ذاته: «أحبّ أن أترك انطباعاً بأنني سطحيّ. لا أريد أن أبدو جدياً. أحبّ قول أشياء تافهة والتصرّف بسخافةٍ وسطحية فما من شخصٍ أكثر إملالاً من المفكّر. أحبّ لقاء شخصيات هي على نقيض شخصيتي، وأحبّ التحفيز الفكري بيد أنني لا أستخدم هذه الكلمة لأنني أكره المفكرين الذين غالباً ما يفتقرون الى المعرفة. لعبتي المفضلة هي التحدّث مع من يدفعونني الى الخوض في تفاصيل لا يعرفون عنها الكثير أردّ عليهم قائلاً: أنا أمامكم لاجراء مقابلة وليس للاستماع الى عظة».

يحب لاغرفيلد أسلوب الإنكليز في اللباس: «إنّهم أكثر جرأة، ما يجعل تصاميمهم أكثر إثارة للفضول، كما أنّ حسّ الفكاهة لديهم عالٍ، أما الفرنسيون فلا نستطيع أن نقول عنهم الامر نفسه». ماذا عن الالمان، فلاغرفيلد من هامبورغ؟ «لا يعرف هؤلاء حتى معنى حس الفكاهة! أحبّ مجلات ما قبل الحرب العالمية الأولى لجرأتها الصارخة وطابعها الهزلي. بعد الضحك الهيستيري ينفجر المرء دموعاً». متى كانت آخر مرة ذرف فيها الدمع؟ «حين دخل غبار الى عيني أو حين كنت استحمّ فدخل الصابون الى عيني!» يردّ مازحاً. لن يفتح قلبه لكل عابر سبيل «يرعبني أولئك الذين يفتحون قلبهم فيفرغون كل ما بداخله». الحنكة هي فعلاً سلاح لاغرفيلد ودرعه الواقية.

ينام قرير العين سبع ساعات يومياً في ثوب نومٍ أبيض على سرير غرفة مجرّدة من الستائر في أحد فنادق باريس الفاخرة. وقبل أن يتسلّل النوم الى جفنيه يقرأ صفحتين من أحد الكتب حتى يتلاشى الكتاب متهاوداً مستقراً على وجهه. «ثم أعاود القراءة في الصباح الباكر بعد أن يوقظاني النور والجوع». يأكل في تمام الثامنة صباحاً والواحدة بعد الظهر والثامنة مساءً، لا يشرب إلا «كوكا كولا زيرو». لا يدخّن ولا يتعاطى المخدرات ورغم أنه من أهم مشاهير عالم الموضة، تراه لا يأخذ نفسه على محمل الجد.

غباء واخلاص

ما الذي قد يدفع بلاغرفيلد إلى الانتقام؟ «الأكاذيب والغباء واستغلال الثقة». تربطه بموظفيه وفريق عمله المتفانين في خدمته روابط دم وعلاقة اخلاص متبادل.

مضى 26 عاماً على تسلّمه مقاليد قسم الإبداع في دار Chanel التي عزّز موقعها بمجهود شبه منفرد فأنتجت عائدات فاقت الـ 4 مليارات جنيه استرليني سنوياً: «كانت دار شانيل ميتة ونصحني الجميع بعدم تكلّف العناء. الكلّ يعكف اليوم على إعادة إحياء الماركات العالمية». يصحّح لاغرفيلد على ورقةٍ رسم عليها التصميم شوائب الفستان الذي ارتدته عارضته ليهرع المختصون الى تنفيذ تعديلاته. يعرف لاغرفيلد ما يبحث عنه: «كنت أعرف دوماً ما أريد. في طفولتي كنت أريد التميّز عن الاخرين كنت أكره الاطفال وأمضي وقتي في مراقبة الصور قبل أن أفك الحرف». لاغرفيلد المولود في هامبرغ من أبٍٍ صناعي ناجح وأم تحبه حباً مدّه بالامان لا ينكر انه طفل أمه المدلّل: «كنت ووالدتي الوحيدين في العائلة اللذين لديهما شعر داكن اللون. كانت أمي تسمح لي بأن أفعل ما أشاء لذا تركت شعري ينمو كالفتيات».

الغرور بالنسبة اليه أسوأ ما يصيب المرء: «الخطر هو حين يخال المصممون أنّهم فنانون» ثمة ثلاث لحظات مثيرة في الموضة لا بد أن تنجز بتناغم وهي رسم التصاميم، قياسها ومن ثم ضمها في مجموعة. «الازياء كالطبخ تماماً لا بد من مزج المكوّنات معاً وقد لا ينجح الامر احياناً ما يحتم عليك إعادة الكرة في حال غياب عنصر الاثارة».

لاغرفيلد متواضع فهو يعرف أنه لم يخترع البارود فما ينتجه ليس الا ملابس في نهاية المطاف. ماذا يشعر حيال ما يصنعه من ابداعات؟ يجيب ببساطة: «لست ممّن تتولد لديهم انفعالات. فالامر في نهاية المطاف مجرّد عمل. وأنا أعمل بعقلية محترف نهم، ولست عاطفياً». ويقول عن الخوف: «أحاول أن أتجنّب فكرة الفشل. أتوقع الأسوأ دوماً لذا كثيراً ما أتفاجأ بالنتيجة... الخوف شعور مثير». ماذا عن خوف الناس منه؟ «ربما يخاف الناس مني بسبب شكلي الغريب أو بسبب تصرفاتي ربما أبدو بالغ الثقة في نفسي. قد أبدو مخيفاً للبعض ولكنني لا أخيف نفسي لأنّني أعرف ما هو وراء نظاراتي السود».

لعل من أهم ميزات لاغرفيلد الكرم فهو يهب السيارات والمجوهرات من دون أن يجاهر بالامر عبر وسائل الاعلام: «غالباً ما أهب بعض مالي للأغنياء لا يمكن أن تقتصر عطاءاتنا على الفقراء الاغنياء أيضاً يحبون أن يتدلّلوا» يقول مازحاً.

ومع أنّ لسانه سليط تجده في الوقت عينه غاية في الرقة والتهذيب: «على المرء أن يكون لطيفاً. أكره قلة الادب ولكني قد أكون أكبر قليل أدب على وجه الارض إذا تعرّضت لأذية من أحدهم فاختصاصي كما قلت «الانتقام اللئيم مقروناً بطول أناة لا متناهية!»

back to top