طبول الحرب تقرع من بعيد!
أثارني تكرار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في تحذيره من خطورة الوضع في المنطقة واحتمالات نشوب حرب ضد إيران، لكلمة «بالتأكيد» مرتين، في فقرة قصيرة نقلتها وكالات الأنباء. هذا التأكيد القائم على شعور القلق في الماضي، بات اليوم مبنياً على معطيات داخلية لحوارات مكثفة وزيارات مكوكية عدة.منذ وقت ليس بقصير ونحن نشهد خطابين يتحركان بين مستويين؛ أولهما، إعلامي وسيكولوجي، والآخر سياسي ودبلوماسي. فلكل خطاب إيراني هناك خطاب أميركي مضاد، ولكل خطاب أميركي مثير نحو إيران سرعان ما ينبثق لهيب من طهران رداً على عناوين الإغاظة تلك، مما يجعلنا نتابع كل مرة مدى تطور تلك البورصة السياسية بين الطرفين، وكأنما الأسعار ترتفع وتهبط في البورصة بسبب تلك الإعلانات المرعبة لطبول الحرب والتوتر، وينعكس ذلك على ارتفاع أسعار النفط دفعة واحدة، ولاسيما أن المنطقة لا تحمل براميل التوتر فحسب، بل تختزن الطاقة العالمية التي تمر من مضيق ضيق، قابل للاشتعال في أي لحظة، أيضاً. وكما نرى، فإن الطبول تقرع في طهران وواشنطن، بينما القلق والتوتر والنبضات المرتجفة تلهث في بلدان الجوار بسبب قربها من دائرة الصراع. قبل أن يحلِّق الرئيس الإيراني إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة قال أمام عرض عسكري «إن إيران قوة مؤثرة في المنطقة والعالم... وعلى العالم أن يدرك أن هذه القوة كانت تخدم السلام والاستقرار والعدالة». من يتعمق في نص من هذا القبيل، فإنه لا يحتاج إلى ذكاء مفرط لتفكيك جانبين فيه، حيث تتراشق واشنطن وطهران بعبارات متشددة كاتهامات الإرهاب. ومع ذلك حاول الرئيس نجاد امتطاء حصانين في وقت واحد، حصان الدبلوماسية والتراخي، وحصان العنف وخطاب القوة والتحدي. فمن جهة أبدى رغبته وضع الإكليل على ضريح ضحايا الاعتداءات في أحداث سبتمبر معلناً في الوقت ذاته أن إيران لا تتجه نحو مواجهة مع أميركا، في وقت تتكدس فيه الأسلحة وتتطور مشاريع عسكرية واضحة المعالم. وكان واضحاً لماذا تم رفض طلب الرئيس لزيارة الموقع، حيث أدركت واشنطن أنها لعبة مزدوجة سياسياً حسبما أشار زلماي خليل زاده «إن الولايات المتحدة لن تدعم عملية استخدام إيران من زيارة الموقع من أجل التقاط الصور للدعاية». وما أثاره أخيراً البيان السداسي في اجتماع الأمم المتحدة بتأجيل اتخاذ قرار بشأن فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل حتى نوفمبر المقبل، ليس إلا فرصة لتخفيف قرع الطبول، قبل أن تتحول إلى كارثة محتملة تجعل من مياه الخليج من أكثر مناطق العالم تلوثاً بالنفط في حالة نشوب مواجهة دامية بين الطرفين. فما تفعله واشنطن مع إيران وتستجيب إليه إيران بشغف سياسي، ليس إلا مشهدا يوميا للصدام السياسي بطبوله الخافتة، لتجعل من محيط اللهب أكثر تأججاً. والتطورات الأخيرة، التي بلغت ذروتها هذه المرة، جاءت من ثلاثة مصادر مهمة بحجم وزير خارجية السعودية وكوشنير الفرنسي ولافروف وبوتين الروسيين، تجعلنا نتأمل التصريحات هذه المرة بشكل أكثر جدية، فما عادت اللعبة الآن تصب في خانة الدعائية والحرب الإعلامية، فقد بات هناك خياران في واشنطن، وهو ما جاء على لسان نيكولاس بيرنز نائب وزير الخارجية الأميركية، بعد صدور البيان السداسي المشترك، الذي تضمن محتواه رسالة قوية وصارمة إلى إيران «إما الضربة العسكرية... أو أن تذعن إيران في نهاية المطاف»، وبتعبير مختزل إما الضربة التدميرية أو الإذعان بتفكيك البرنامج كما فعل الآخرون. وبذلك لا جدوى من محاولة كسب الوقت خلال شهر واحد إذ لا يزال متكي يناور سياسياً في البورصة الدولية، لعله ينجح في إبعاد خطر الضربة القادمة، مشيرا إلى أن العقوبات كوسيلة سياسية لممارسة الضغط عديمة الفعالية في إجبار إيران على تغيير سياستها الوطنية. بينما تصريحات كوشنير أزعجت كثيراً الدوائر السياسية والإعلامية في طهران حين أشار إلى أنه «على العالم أن يستعد لخوض حرب مع إيران بسبب برنامجها النووي، وعلينا أن نستعد للأسوأ... والأسوأ هو الحرب». ولم يخفِ قلقه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، عندما تعرض للملف الإيراني وما دار من حوار بشأنه مع دول كبرى بما فيها الحديث مع كوندوليزا رايس، فخرج الفيصل ليعلن أمام الملأ قائلاً «تحدثنا بالتأكيد عن إيران. إننا نرى بالتأكيد مواجهة قادمة». وقد أثارني تكرار كلمة بالتأكيد مرتين، في فقرة قصيرة نقلتها وكالات الأنباء. هذا التأكيد القائم على شعور القلق في الماضي، بات اليوم مبنياً على معطيات داخلية لحوارات مكثفة وزيارات مكوكية عدة. وسربت الصحف معطيات روسية على لسان بوتين أعلن فيها تحذيره لإيران من حدوث هجوم أميركي-إسرائيلي وشيك ضدها. لا تحتاج الأنف السياسية إلى المزيد من شم روائح البارود، ولا إغلاق الأذن عن سماع طبولها المتزايدة في السرعة والإيقاع، فمؤشرات الخطاب والمناورات العسكرية كلها وترسانة الأسلحة وبالونات اختبار القوة باختراق الأجواء السورية، تدلل على انفجار قادم في المنطقة، فتيلها منابع النفط وقرارها وسيناريوهاتها غرف مغلقة في البنتاغون.* كاتب بحريني