جوهر الأزمة في مصر

نشر في 23-04-2008
آخر تحديث 23-04-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي جوهر الأزمة التي نراها في مصر اليوم من طوابير الخبز إلى الإضرابات، يكمن في التناقض الصارخ بين السياسة والسياسات. في مصر، تسير السياسات policies في اتجاه، بينما تسير السياسة politics في اتجاه آخر. السياسة تركب في الطائرة المتجهة إلى تورا بورا، والسياسات تركب الطائرات المتجهة إلى العالم الحديث، لندن ونيويورك وباريس. خلف خلاف.

بلا شك، حل أزمات العالم العربي، يكمن في دخولنا العصر الحديث من خلال بناء مؤسسات تعليمية وبحثية وصناعية ترتبط بالمؤسسات الغربية، أما بقاؤنا في عالم التخلف فهو مرهون بدوراننا في فلك ترويج خطاب معاد للغرب، وإذا ما أخذنا مصر كمثال، بصفتها الدولة الكبيرة التي تبدو الآن في أزمة، نجد أن الخطاب المعادي للغرب وللتقدم تقوم به مجموعات التيار المعاكس، بينما جماعة السياسات الإصلاحية فهي التي تسير في اتجاه الغرب الحديث... مجموعات التيار المعاكس لا تعاكس سير إصلاحيي الحزب الوطني فحسب، بل هي معاكسة لحركة التطور والحداثة في العالم المتقدم عموما.

خطاب جماعة التيار المعاكس في مصر هو خطاب كاره لبريطانيا وفرنسا وأميركا وللعالم المتقدم كله، أما المجموعة الإصلاحية فهي تحاول تطبيق سياسات تأخذ مصر إلى مصاف الدول الحديثة. سياسات الإصلاحيين مع العالم الحديث، بينما كثير من إعلام الدولة أصبح مع تورا بورا. فالمسافة بين إعلام الحكومة وأشرطة الظواهري وبن لادن صغيرة جدا من حيث المفردات، ولولا صحيفتان أو ثلاث من الصحف الخاصة، لقال من يشاهد التلفزيون ويقرأ الصحافة المصرية القومية إننا في عالم طالبان. مصر طالبان يغذيها فصيل التيار المعاكس المتقوقع في الحزب الوطني نفسه، الكاره للعالم شرقه وغربه، والذي يستحوذ على الإعلام المصري أغلبه، ويسير عكس مصر الحديثة التي تسعى إليها جماعة الإصلاحيين داخل الحزب الوطني والتي لا تمتلك، كما تمتلك الجماعة الأخرى، إعلاما واسعا يدافع عن مواقفها.

إنقاذ مصر من حالة التخبط الحالية يكمن في دمج السياسات والسياسة وجعلهما يسيران في طريق واحد، وهذا الانسجام بين السياسات والسياسة هو المخرج. المطلوب تسريح صحافة السياسة القديمة من أجل صحافة حديثة للسياسات، المطلوب جيل من الصحافيين يرى مصر جزءا من العالم، وليست مقاطعة تابعة لبيشاور. كثير من وسائل الإعلام المصرية، تبدو للقارئ من خارج مصر، وكأنه يقرأ أو يشاهد إعلام تورا بورا... شيء مخيف بالنسبة لأي مصري يغار على الدولة المدنية في مصر.

لقد قابلت مصريين في بريطانيا وأميركا، رجال يفترض أنهم قادمون للترويج لمصر ومصالحها ترافقهم في الأغلب وفود صحافية، لكنهم، ووفودهم، يتحدثون لغة مهترئة لا يشاركهم فيها أحد من العالم الحديث. لغة عفى عليها الزمن، لا يصدق من يسمعها أنها قادمة من مصر الحضارة... عندما تلقاهم تسمعهم بأدب ثم تخرج لتضرب كفاً بكف لما وصلت إليه الحال في مصر.

في المجتمعات الغربية هناك رجال أعمال مصريون، وعلماء مصريون، وأساتذة جامعات مصريون... إذن، المشكلة ليست في المصريين كأفراد، المشكلة في مصريي الحكومة، كأن الحكومة ربتهم في عشش على السطوح بمعزل عما يدور حولهم في هذا الكون. فتراهم (من تحت) شبه الغرب فيما يلبسون، و(من فوق) شبه الظواهري فيما ينطقون به.

مشكلة جماعة الإصلاحيين في الحزب الوطني، وفي مصر عموما، أنها لا تستند إلى «عزوة» صحافية وإعلامية. الإعلام الحكومي في أغلبه يسند جماعة التيار المعاكس التي تدخل مصر نفق التخلف، بينما سياسات الإصلاحيين التي تحاول أن تأخذ مصر إلى النور فليس لها هذا الحشد الإعلامي الكبير.

إذا ما نظرت إلى الصحف القومية اليوم تجد الصفحة الأولى والأخيرة مع الدولة الحديثة، بينما العشرون صفحة في الداخل تقفيل تورا بورا، تقفيل «برا»، كما يقول المصريون عن السيارات «البايظة» بهدف ترويجها. في الصحافة تقفيل «بره»، يعني تقفيل تورا بورا. في أعرق الصحف المصرية، «والعراقة هنا من التقادم الزمني وليس بمعناها المهني»، هناك صفحتان للإصلاحيين وعشرات الصفحات لجماعات مختلفة من الإخوان، إلى الجهاد، إلى تورا بورا.

إن لم تلتق السياسات مع السياسة ستبقى مصر دولة برأسين، وهذا أمر لا يليق بدولة تقدم نفسها على أنها رائدة في محيطها الإقليمي.

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)

back to top