سذاجة كثبان الرمل!

نشر في 29-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 29-11-2007 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

ما كان يراه جهيمان لم يكن إلا كثباناً رملية، كان يرى إمكان تجاوزها حافي القدمين، وصولاً إلى الواحات الرحبة، رسالته كانت ترى المسائل واضحة، فهي إما بيضاء وإما سوداء... لا وجود للألوان في رسائله.

في نوفمبر عام 1978 أقدمت مجموعة من الأميركيين بزعامة القس جيمس جونز على الانتحار الجماعي، وذلك عن طريق تناول سيانيد البوتاسيوم، وهو مادة سامة. حدث ذلك في مستوطنة أقامها القس جونز في غايانا بأميركا اللاتينية حيث أقامها تحت اسم «معبد الشعب» وقد انتحر جماعياً في تلك الحادثة ما زاد على 900 شخص ثلثهم تقريباً من الأطفال.

ولا أعرف إن كان جهيمان العتيبي عندما لجأ إلى الحرم في نوفمبر 1979، أي بعد عام واحد من مأساة الانتحار الجماعي المذكورة، قد سمع عنها، أو استلهمها عندما دخل هو ومئات من اتباعه المسلحين الحرم، وأغلقوا أبوابه، وأعلنوا ظهور المهدي، ودخلوا في معركة مع قوات الأمن السعودية لمدة أسبوعين. لا أعرف إن كان جهيمان وجماعته بفعلتهم تلك كانوا قد قرروا الانتحار الجماعي، وإلا فما جدوى لجوئهم مسلحين وإغلاقهم الحرم؟ هل كان جهيمان يتصور مثلاً أن الحكم في السعودية سيسقط حالما يسيطر هو وجماعته على الحرم؟ ربما كان جهيمان، وأظنه كذلك، يعتقد حقاً بظهور المهدي المنتظر، واستناداً إلى عقيدته وإيمانه بأن خروج المهدي المنتظر سينهي الظلم في العالم... وبالتالي فإن كل ما كان عليه أن يقوم به هو أن يوفر السبل لظهور المهدي، وهذا ما قام بفعله.

وأظن أنه لم يكن يخالجه في ذلك أدنى شك، فلا يبدو أن هناك سقفاً سياسياً على الإطلاق.

قبيل أحداث الحرم ركز جهيمان وجماعته على توزيع منشور «دفع الالتباس عن ملة إبراهيم أفضل الناس» وبالاطلاع على ذلك المنشور نفهم محدودية المنطلق وربما لا يبتعد في ذلك عن مضمون رسالته «الإمارة والبيعة والطاعة».

خلاصة تجربة جهيمان لا تكمن أهميتها في بعدها الفكري؛ فجانبها الفكري تقليدي، بسيط، سطحي، ولو ظلت المسألة في إطار جوانبها الفكرية لما جاءت في السياق السياسي. فأهمية حركة جهيمان تأتي في بعدها الحركي، فعصارة تجربة جهيمان كانت تجربة محلية معجونة ومخلوطة برمال نجد ولافح حرارة الصحراء، كانت سهامه محلية، ونباله من رحم الأشياء المتاحة، وما كان يراه لم يكن إلا كثباناً رملية، كان يرى إمكان تجاوزها حافي القدمين وصولاً إلى الواحات الرحبة، رسالته كانت ترى المسائل واضحة فهي إما بيضاء وإما سوداء... لا وجود للألوان في رسائله.

كان لا يعترف بالتلفزيون ولا المذياع ولا عمل المرأة، كان ساذجاً ذلك الذي خرج من عمق نجد ليقول بالأداة ذاتها: فلتعد عقارب الساعة إلى الوراء، لم يكن مستغرباً عليه، والحال كذلك، وقد كان كذلك، أن اثنين من جماعة جهيمان في الكويت ذهبا إلى أحد أبرز مشايخ السلفية في الكويت وطرقا الباب عليه ليلاً وعنفاه بشدة بسبب ظهوره في مقابلة تلفزيونية قائلين: «كيف يا شيخنا؟... هذا خروج عن الملة».

بالتأكيد لم يكن هناك ما يدل على أن جهيمان قد استوعب تشابكات الاقتصاد العالمي، وتعقيدات السياسة، وكان في مواجهته آنذاك ما سمي بتيار الصحوة، فكيف تحولت تيارات معتدلة إلى متشددة. للحديث بقية.

** ردود الفعل التي وصلتني بشأن إثارتي لموضوع جهيمان كثيرة ومتعددة ومتنوعة... فشكراً للجميع وعسانا نجد متسعاً من الوقت للتعليق عليها.

back to top