التفسير العنصري للتاريخ... أطروحات د.عبدالرحمن العوضي نموذجاً 1

نشر في 19-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 19-11-2007 | 00:00
 د. بدر الديحاني

د.عبدالرحمن العوضي يؤمن بالتفسير العنصري للتاريخ، فقد قسم الكويت إلى «بدو وحضر» في تفسيره العنصري للتطور الاجتماعي-السياسي للكويت، وهو مصطلح لا أساس واقعياً له، بل هو مصطلح عنصري يستخدم للتغطية على الصراع الاجتماعي-الاقتصادي في المجتمع الكويتي.

«الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين». مادة 29 من الدستور.

هنالك نظرية التفسير العلمي للأحداث التاريخية، التي تتعامل مع هذه الأحداث ضمن معطياتها الطبيعية وسياقها التاريخي، وتستخدم الأسلوب العلمي للربط بين متغيراتها وللحكم على نتائجها بعيداً عن الاعتبارات غير العلمية، وهناك نظرية التفسير العنصري للتاريخ، التي تعزو جميع الأحداث التاريخية إلى أسباب عنصرية، وبذلك تعجز هذه النظرية عن تفسير الأسباب الحقيقية للأزمات، وتفشل في معرفة دوافع الحراك الاجتماعي والسياسي وطبيعتها. (قد يتبنى الشخص التفسير العنصري لسد نقص سيكولوجي أو كمحاولة لتمييز نفسه أو للتغطية على قضايا أخرى).

وقد برزت حركات وقوى يمينية عنصرية متطرفة في أوروبا وأميركا، وإن كانت غير مؤثرة واندثر أغلبها، تتبنى منهج التفسير العنصري للتاريخ وللحراك الاجتماعي والسياسي، كان أشهرها منظمة «كي كي كي» الأميركية التي يبدو أنها اندثرت، والحزب القومي البريطاني، والحركة اليمينية العنصرية في فرنسا التي يقودها السياسي «لوبان»، وأيضا الحزب القومي في روسيا الذي يتزعمه الأرعن «جيرنوفسكي» الصديق الشخصي للبائد صدام.

ويبدو أننا في الكويت لسنا استثناء مما يحصل في العالم، فلدينا أيضا من يؤمن بالتفسير العنصري للتاريخ، كان أبرزهم، على الأقل من أفصح عن ذلك بشكل علني، د.عبدالرحمن العوضى الذي «أبدع» في تفسيره العنصري للتطور الاجتماعي-السياسي للكويت أثناء مقابلته مع جريدة «القبس» بتاريخ 11/11/2007، وقدم بذلك نموذجاً كويتياً لنظرية التفسير العنصري للتاريخ.

ومع أننا نرفض الأسس التي يقوم عليها هذا المنهج جملة وتفصيلاً، ونعتقد أن الزمن كفيل باندثاره كما تبين لنا التجارب الإنسانية المتطورة، فنحن من منطلق خوفنا على وحدة مجتمعنا وتماسكه ودفاعنا الدائم عن الثوابت الدستورية التي قام عليها مجتمعنا المتعدد الأصول والأعراق، ولإيماننا بالمواطنة الدستورية التي بيّنها الدستور- نعتقد أن من واجبنا الوطني ألا ندع هذا الكلام يذهب من دون تفنيد ودحض لتهافت حججه وبطلان أسسه وخطورته وتأثيره السلبي البالغ في الوحدة الوطنية، خصوصا أن د.العوضي قد تعدّى حدود النزعات العنصرية والتلميحات والإشارات التي يصدرها بعضهم بين الفينة والأخرى، والتي لا تستحق الاهتمام، عندما زاد على ذلك وطعن في الانتماء الوطني لمكوّن أساسي وأصيل من مكوّنات المجتمع الكويتي، إذ أعلن بشكل سافر وخطير أن ما يقوله «يقدّم نظرة تشرح شيئاً فشيئاً ما وصلنا إليه، بعدما زاد الضغط الشعبي وزاد التمثيل الشعبي لأشخاص غير منتمين إلى الكويت التي نعرفها والتي بني عليها الدستور»!! وسنوجز ردنا بالنقاط التالية:

1- يستند د.العوضي في تفسيره للحراك الاجتماعي والسياسي إلى التفسير العنصري من خلال تقسيمه المجتمع الكويتي إلى ما يسميه «بدواً وحضراً». وهذا التقسيم ملتبس ومطّاط وغير دقيق علميّاً، خصوصاً أن المجتمع الكويتي تكوّن من هجرات قدمت من الدول المجاورة وتحديداً السعودية (التي قدم منها أغلب العوائل الكويتية وأغلب القبائل الكويتية أو ما يسمى «قبائل الجنوب») والعراق (قدم منه عدد من العوائل الكويتية وبعض القبائل الكويتية أو ما يسمى «قبائل الشمال») وإيران (قدم منها ما كان يسمى مجازاً «عيم الكويت»، وبعض العوائل الكويتية السنّية ومنها العائلة الكريمة للدكتور العوضي، إذ أتت مهاجرة من منطقة عوض في إيران)، كما أن الهجرات إلى الكويت كانت مستمرة وقد ازدادت في بداية النصف الثاني من القرن الماضي لأسباب كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، وإن كنا نغلب العامل الاقتصادي. لذا، لا نعرف حقيقة ما المعيار الذي استخدمه د.العوضي لهذا التقسيم العنصري؟ هل هو العام الذي تمت فيه الهجرة إلى الكويت؟ فنقول بناءً على ذلك، من قدم سَنَة كذا «حضري» وسَنَة كذا «بدوي»، أم منطقة السكن؟ فمن يسكن هذه المنطقة «بدوي» ومن يسكن تلك «حضري»، على أن مناطق الكويت، قديمها وحديثها، يقطنها كويتيون من أصول مختلفة. أو قصد البلد الذي أتى الشخص أو عائلته مهاجرين منه؟ رغم أن كل تلك المعايير غير علمية، فالبدوي هو من يتنقل في الصحراء بحثاً عن الماء والكلأ، والحضري هو المستقر في المدينة، لذا فكل الكويتيين «حضر» لاستقرارهم جميعاً منذ عقود طويلة في المدينة. صحيح أن هنالك من أصولهم قبلية، كما أن هنالك من أصولهم فارسية أو عراقية، ولكن جميعهم الآن «حضر» مستقرون في المدينة، ومن المفروض خصوصاً بعد دستور 1962، أن تتعايش كل هذه الجموع البشرية ذات الأصول المختلفة في دولة واحدة تكون فيها المواطنة الدستورية هي الأساس بغض النظر عن الأصل أو منطقة السكن أو «أسبقية» الهجرة، ولنا في بريطانيا وأوروبا عموماً خير مثال هنا.

من هنا نرى أن مصطلح «بدو وحضر» لا أساس واقعياً له، بل هو مصطلح عنصري يستخدم للتغطية على الصراع الاجتماعي-الاقتصادي في المجتمع الكويتي، وما يحمله من مضامين عميقة منها المضمون الاقتصادي الذي جعل د.العوضي يخرج عن طوره ليقول «وخوفنا بعد 10 سنوات يزداد وترى طريقة توزيع الثروة قد تغيرت»!! وهذا الخوف على المصالح الخاصة هو ما جعله يصرخ بشكل هستيري «راحت الكويت»!!

... وللحديث بقية.

back to top