بانوراما للأحفاد

نشر في 09-03-2008
آخر تحديث 09-03-2008 | 00:00
 نايف الأزيمع

تُرى ماذا عن أحفادنا الحاضرين منهم واللاحقين؟! أكاد أحسهم جميعاً يرددون وببراءة: لو كنا في ذاك الزمن الغابر هل كان أحد يتجرأ على السؤال عن مذهب جاره؟! أو عن أصل زواره؟!

كان آباؤنا وأجدادنا يبدأون يومهم كل إشراقة شمس بمقولة «أصبحنا وأصبح المُلك لله».

وتبدأ دورة الحياة والعمل. فالموظف إلى مكتبه، والعامل إلى معمله، والتاجر إلى متجره، والبحّار إلى سفنه وبحره، والبدوي إلى غنمه وإبله. والمرأة- آه من المرأة-! كانت إلى مطبخها في المنزل، وإلى غسيلها على السطح، وإلى بضاعتها في السوق، وإلى حطبها في البراري، وقبل كل شيء إلى أطفالها، إطعاماً وإلباساً ونظافة...

وعند الظهيرة، وبعد طول المسيرة، يعودون بعد عناء، وبعد تناول الغداء، تهجع الحمولة، وتنتهي للعمر جولة. فيتمدد الظلال، وترتخي الأوصال، وينعم الجميع بالقيلولة...

وحين حلول المساء، يحلو السمر والغناء. فيبدأ العود عزفه، ويبدع الشاعر وصفه. إلى أن يتمطى الظلام، ويعجز شهريار عن الكلام. فيخلد الجميع إلى النوم ويحلمون إما بالناقة وإما «بالبوم»...

واليوم نفتح أعيننا على غبار الجو والأخبار، ونسمع فظائع القتل والتفجير والدمار.

ونقرأ في صحف الصباح، عناوين مفزعة، وأخباراً مفجعة، وأخطاراً مسرعة. وما بين الدعوات المترفة، والأحلام المسرفة، والمقالات المقرفة. نحاول التلذذ بطعم القهوة المرة!

لو كنا في الزمن الغابر، حيث كان آباؤنا يمخرون عباب البحر للغوص والتجارة، وحيث كان أجدادنا يتنقلون مع ماشيتهم إلى حيث الماء والكلأ بلا سفارة.

ولو كنا في ذاك الزمن الغابر، حيث كان الكويتيون يفترشون الحصير، وينقلون الماء على الحمير، ويلجؤون إلى السطوح من حر السعير، ويتدفأون على نار الحطب من الزمهرير...

لو كنا حيث «البرمة» هي الثلاجة، و«الحلتيت» دواء المريض وعلاجه. وحيث التمر هو الغذاء، والململ هو الكساء . وحيث اللبن هو الشراب، و«المموش» هو الثواب...

في ذلك الزمن الغابر، كان الكويتيون أسرة واحدة، وجماعة صاعدة، وبلاداً واعدة... بسطاء طيبين، وكرماء صابرين...

ولكن، في هذا الزمن الغادر... ها نحن نمتطي الطائرات، ونعبر المحيطات. قليل منا للعلم والثقافة، وكثيرنا للهو والسخافة...

وهاهم أولادنا لا يسمعون عن الإبل إلا للزينة، ولا يعلمون من الأغنام إلا الذبيحة السمينة... وها هم أولادنا، لا يعرفون البحر إلا للسباحة، ولا يتخيلون السفن إلا للسياحة...

تُرى ماذا عن أحفادنا الحاضرين منهم واللاحقين؟! أكاد أحسهم جميعاً يرددون وببراءة: لو كنا في ذاك الزمن الغابر هل كان أحد يتجرأ على السؤال عن مذهب جاره؟! أو عن أصل زواره؟!

وأكاد ألمح الحيرة في عيونهم، وعلامة الاستفهام في وجوههم، بل أكاد أسمعهم يتساءلون لأي زمان يا أبانا ننتمي وتنتمون؟!!

back to top