الإرهاب وتداعياته

نشر في 31-12-2007
آخر تحديث 31-12-2007 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي ربما كانت الحركات الدينية المعتدلة في العالم العربي والإسلامي هي الأكثر تضرراً من بين القوى السياسية الرئيسية كلما أطلَّ الإرهاب مدعياً الصفة الدينية بوجهه القبيح على البشرية. فما تلبث أن تتعالى أصوات السياسيين والكتاب من كل صوب وحدب منتقدةً الإسلاميين إجمالاً، ومحملةً إياهم مسؤولية التطرف إن على أساس الادعاء بأنهم هم الوعاء التنظيمي الأول لجماعات العنف المعولم أو التشديد على أن خلطهم المبدأي بين السياسي والديني هو الذي فتح الباب أمام التحولات الراديكالية التي أنتجت في نهاية القرن الماضي شياطين الجماعات الجهادية وشبكة «القاعدة» وتوابعها. وعادةً ما تتواكب النظرة الاتهامية للإسلاميين مع نداءات متجهة للمؤسسات والرموز الدينية تطالبها بتحريم وتجريم الأعمال الإرهابية وتكفير من يقوم بها كآلية أساسية لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه.

وواقع الأمر أن في ثنايا هذه القراءة من الحق والباطل، ومن التدقيق التاريخي والتعميم المخل ما يحتم البعد عن المنطق الحدي في التعامل معها إن رفضاً أو قبولاً. فتاريخياً مرت الحركات الإسلامية الكبرى، خصوصاً جماعات الإخوان المسلمين، بمراحل متعاقبة خلال القرن العشرين تميّز بعضها في سياق صراعات مع النظم الحاكمة بانخراط واضح في دائرة العنف والعنف المضاد وبصياغات راديكالية حول الدولة والمجتمع شكلت فيما بعد زاداً أيديولوجياً لمتطرفي العقود الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي والألفية الجديدة. ومن الثابت أيضاً أن التنظيمات العنيفة ولدت من رحم الحركات المعتدلة كردة فعل على ما صور ضعفاً وهواناً للأخيرة سواء في مواجهتها مع النظم الحاكمة أو في الدفاع عن الحق العربي والإسلامي في فلسطين وأفغانستان والبوسنة وغيرها.

إلا أن التسليم بهاتين الحقيقتين لا يمكن سوى أن يستتبعه طرح التساؤل حول مدى شرعية تحويل علاقات تأثير وارتباط تاريخية مركبة إلى إطار تفسيري سببي يصل بين نقطة البدء، أي عموم الظاهرة الإسلامية، ولحظة التأزم الراهنة ممثلة في الإرهاب ذي الرداء التبريري الديني بخط مستقيم لا تتخلله تعرجات أو انقطاعات؟ والواضح أن أي إجابة أمينة في هذا السياق ستثير عدداً من علامات الاستفهام يقتضي تناولها الموضوعي إعمال النظر في مجمل تحولات السياسة في عالمنا.

وربما اكتفيت هنا بإشارتين تلغرافيتين تروم أولاهما التشديد على العلاقة بين العنف المرتدي رداء الدين وغياب الديموقراطية وثقافتها المدنية وإمكانات المشاركة الشعبية الفاعلة في تحديد معنى الصالح العام، وهو ما تتحمل الدولة السلطوية ونخبها في العالم العربي والإسلامي مسؤوليته في المقام الأول، في حين تنقل الإشارة الثانية البصر إلى مساحات المظالم الاجتماعية وغياب العدالة عن مجتمعاتنا وما يرتبه ذلك من اختلالات نفسية وسلوكية فردية تتصاعد جماعياً من خلال ذاكرة جمعية تمجد رفع الظلم ومروراً بذهنية مهيمنة تعيد إنتاج صورة العربي- المسلم الضحية ثم تنتهي إلى استعداد انتحاري لنفي الواقع المعاش أو التحايل عليه بإيقاف عجلة الزمن لبعض لحظة. على الرغم من ذلك، تقتضي موضوعية الطرح القول إن العاملين السالفين ليسا بمفسرين وحيدين لظاهرة الإرهاب. فكلاهما، غياب الديمقراطية والعدالة، وُجد ومازال في عدد كبير من المجتمعات المعاصرة ولم يُرتب إجمالاً ممارسة للعنف أو عمليات إجرامية ضد مدنيين كتلك التي روّعتنا طويلاً في العراق وأفغانستان وتمتد اليوم إلى باكستان.

يعود هنا الفكر الديني المتطرف بمحدودية رؤاه القيمية ومنطقه الاستبعادي ليصبح إطاراً تفسيرياً مكملاً. فالنظرة غير المتسامحة للآخر الديني والمذهبي– الناعتة له بالكفر– والمستبيحة لحرمة النفس البشرية، بل والمصورة لقتل المدنيين على أنه إعمال لشرع الله في الكفار وأعوانهم، ربما كانت هي مربط الفرس في فهم سبب تكرار مثل هذه الأعمال البشعة. وبالقطع تتحمل المؤسسات والرموز الدينية، رسمية وغير رسمية، والحركات الإسلامية المسيَّسة الجزء الأكبر من المسؤولية في محاربة الغلو والتطرف في عالمنا وإنتاج رؤية بديلة تجرم العنف وإرهاب المدنيين بصورة مبدأية حاسمة ترفض الخلط بين المقاومة المشروعة للظلم واستباحة دماء الأبرياء.

* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي» للسلام- واشنطن.

back to top