خفض ضريبة الدخل على الشركات الأجنبية أمام مجلس الوزراء للمرة الثالثة الكويت تستقطب أقل من 1٪ من الاستثمارات الأجنبية لدول مجلس التعاون الخليجي
«في ضوء الاتجاه إلى العولمة وتحرير التجارة وسياسة الخصخصة باتت كثير من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء تضع البرامج والسياسات، التي من شأنها توسيع دور القطاع الخاص وتقليل الاعتماد على القطاع العام في إنتاج السلع والخدمات، لما يحقق ذلك من المساهمة في الوصول إلى توزيع أفضل وإدارة أكفأ للموارد الاقتصادية المتاحة، وخلق فرص عمل للعمالة الوطنية عن طريق توفير فرص استثمارية للقطاع الخاص بما يساهم في الحد من هجرة رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج، بالإضافة إلى أنه إحدى الوسائل الفعّالة في معالجة مشكلة العجز المستمر في الموازنة العامة للدولة. ومن منطلق تشجيع الاستثمار الأجنبي في دولة الكويت ودوره المهم في مشروعات التنمية الاقتصادية، وسد الفجوة في الموارد والإمكانات التي قد لا تتوافر في الدولة، وتوسيع القاعدة الاستثمارية في البلاد، وكذلك الحصول على التقنية المتطورة والخبرات الإدارية والتسويقية التي تملكها الشركات الدولية، لهذا أعد القانون المرفق».هذا النص هو من ديباجة المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 8 لسنة 2000 الخاص بدعم الاستثمار الأجنبي في الكويت، وهو القانون الذي ظل من دون أثر ملموس، لأنه لم يتصد للعقبة الأساسية التي تقف في وجه المستثمر الأجنبي، وهي نسبة ضريبة الدخل العالية التي تصل إلى %55 والتي يفرضها المرسوم رقم 3 لسنة 1955، وهي النسبة التي ما زال يعمل بها إلى الآن رغم تكرر موافقة مجلس الوزراء في مرات سابقة على التخلي عنها لمصلحة معدلات ضريبية أفضل، وتجدر الإشارة إلى أن ذلك المرسوم كان قد صدر أساساً لفرض ضرائب على دخل شركات النفط الأجنبية العاملة في الكويت آنذاك، وكانت شركات النفط الأجنبية قد شاركت في صياغة مواده وسعت إلى إصداره بما يتوافق مع مصالحها الضريبية في الدولة التابعة لها.
ومن المعروف أن مرسوم ضريبة الدخل رقم 3 لعام 1955 (بكل التعديلات التي أدخلت عليه) لم يعد يتناسب مع المعطيات والظروف الراهنة للاقتصاد الوطني، أو المتغيرات والمستجدات الاقتصادية الجارية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، بل صار يشكل عائقا أمام عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وتحديا رئيسيا يضعف قدرة وفعالية سياسات الإصلاح المالي والاقتصادي، إن ذلك المرسوم يعاني الكثير من جوانب القصور، فهو لا يشمل أي ضرائب على الرواتب والأجور أو رأس المال المنقول أو دخل المهن الحرة، كما أنه يخلو من أي تنظيم للطعون الضريبية، ولا يتضمن حدودا زمنية على ترحيل الخسائر، كما هو شأن الأنظمة الضريبية الأخرى.وفي ضوء التطورات التي شهدتها الأنظمة المالية في العديد من البلدان المجاورة خلال العقدين الأخيرين من الزمن، أسهم المرسوم رقم 3 لعام 1955، من خلال ارتفاع معدلاته الضريبية التي يصل سقفها إلى 55 في المئة، في إيجاد بيئة غير مواتية للاستثمار الأجنبي في البلاد، كما ترتب على بعض جوانب القصور في هذا المرسوم تعثر اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي مع بلدان مهمة للاستثمارات الكويتية، اضافة الى تعارض التطبيق الراهن للمرسوم والذي يشمل الشركات الأجنبية فقط مع أحد مبادئ الاتفاقية العامة للتجارة والرسوم الجمركية «الجات»، وهي أهم اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي كانت دولة الكويت في مقدمة الدول المؤسسة لها في عام 1994.التهرب الضريبيويلجأ الكثير من الشركات بسبب ارتفاع نسبة الضريبة المشار إليها إلى التهرب من دفعها بوسائل مختلفة، وقد تكرر قيام ديوان المحاسبة بلفت نظر وزارة المالية إلى ما يصفه بعدم الجدية في تحصيل المستحقات الضريبية المستحقة على بعض الشركات تنفيذاً لأحكام مرسوم ضريبة الدخل رقم (3) لسنة 1955، مما يؤدي إلى تعرض مستحقات الخزانة العامة للضياع بسبب عدم اتخاذ أو اتباع إجراءات كان من الواجب على الجهات الحكومية المختصة اتباعها للحد من تهرب بعض الشركات من سداد الضرائب المستحقة عليها، أو تخفيض الربط الضريبي على بعض الشركات بمبررات ضعيفة أو تحصيل ضريبة الدخل بأقل من المستحق، وذلك لأسباب محاسبية مختلفة، ولا شك أن استمرار المرسوم 3 لسنة 1955 يتعارض كليا مع أهداف ومضامين القانون 8 لسنة 2000 الخاص بتشجيع الاستثمار الأجنبي في الكويت. والغريب في الأمر هو أن الحكومة مدركة لمثالب المرسوم رقم 3 لسنة 1955، وقد أقرت في أكثر من مرة تعديل هذا المرسوم، إلا أن ما قررته لم يجد طريقه إلى المصادقة أو التنفيذ لسبب أو أسباب غير مقنعة. وكانت الدعوة إلى إصلاح النظام الضريبي في البلاد قد بدأت في وقت كانت فيه الإيرادات النفطية تفيض على الميزانية العامة بسخاء نسبي، لذلك لم تجد دعوة بعثة البنك الدولي للإنشاء والتعمير، التي زارت الكويت في عامي 1961، 1963، آذاناً صاغية، حيث دعت الكويت إلى إصلاح قوانينها الضريبية وتعديل أسعار الضريبة المطبقة على الاستثمار الأجنبي.«المناخ» يعرقل الضريبةوفي عام 1981، شكلت وزارة المالية لجنة من خبراء ومختصين للنظر في تطوير مرسوم ضريبة الدخل رقم 3 لعام 1955، ولكن مشروع الضريبة الجديد ولد في ظل أزمة «سوق المناخ» التي عصفت بسوق الكويت للأوراق المالية في عام 1982، وجرت معها كامل البنية الاقتصادية للبلاد بسبب ضخامة حجم المديونيات الصعبة أو المعدومة التي نتجت عن تلك الأزمة، ولم يعد من المناسب الحديث عن قانون ضريبي جديد في ظل الانكماش الخطير في حجم الوعاء الضريبي آنذاك. وفي عام 1986 دعت بعثة من الأمم المتحدة، تابعة لإدارة التعاون الفني للتنمية في المنظمة الدولية، مجددا إلى العمل بجدية على إصلاح النظام الضريبي للبلاد، وتطوير الإدارة الضريبية بوزارة المالية، وفي التسعينيات صدرت عدة قرارات بهدف سد النواقص في مرسوم عام 1955، حيث صدر القرار الوزاري رقم 15 لسنة 1997 بشأن غرامة تأخير تقديم الإقرار الضريبي، وغرامة تأخير سداد الضريبة المستحقة، وكذلك القرار رقم 16 لسنة 1997 بشأن اعتراضات دافعي الضريبة على الربط الضريبي، والقرار الإداري رقم 274 لسنة 1998 في شأن تحديد حصة المراكز الرئيسية للشركات الأجنبية أو فروعها العاملة في الكويت الخاضعة لمرسوم ضريبة الدخل الكويتية رقم 3 لسنة 1955، والقرار الوزاري رقم 73 لسنة 1998 بشأن إجراءات الطعن أمام لجنة الطعون الضريبية، ثم القرار الإداري رقم 113 لسنة 1998 بشأن كيفية احتساب غرامات التأخير.مجلس الوزراء يقر... ولكنوبعد صدور القانون رقم 8 لسنة 2000 بشأن تنظيم الاستثمار المباشر لرأس المال الأجنبي في دولة الكويت، والحاجة إلى تفعيله من خلال تعديل مرسوم ضريبة الدخل، قرر مجلس الوزراء في الثالث من يونيو عام 2001 الموافقة على تعديل بعض أحكام مواد مرسوم ضريبة الدخل الكويتية رقم 3 لسنة 1955، بحيث يتم خفض ضرائب الدخل على الشركات الأجنبية إلى 25 في المئة بدلا من 55 في المئة على أن يكون الحد الأدنى للدخل الذي تشمله الضريبة 30 ألف دينار كويتي على أساس تصاعدي بنسبة 5 في المئة عن كل 30 ألف دينار زيادة على الدخل، وبحد أقصى لا يزيد على 25 في المئة بهدف جذب المزيد من المستثمرين الأجانب إلى الكويت، ولم يتم تنفيذ هذا القرار. وفي يونيو عام 2004، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يخفض الضريبة على الشركات الأجنبية إلى نسبة ثابتة قدرها 15 في المئة فقط من مستوياتها الحالية التي تصل إلى 55 في المئة، وأعلن رسميا أن مشروع القانون سيرسل إلى اللجنة التشريعية المختصة قبل أن يصدق عليه سمو أمير البلاد.وبعد أقل من أسبوع من تلك الموافقة أعلنت وزارة المالية أن مجلس الوزراء الكويتي سوف يدرس اقتراحا بتطبيق ضريبة دخل شاملة للمرة الأولى في البلاد، وقال مسؤول رفيع بوزارة المالية لرويتر «ان القانون شامل ويغطي كل أنواع الدخل بغض النظر عن جنسية دافع الضريبة، وعليه فان كل الذين يكسبون دخلا في الكويت ستفرض عليهم ضريبة ثابتة نسبتها عشرة في المئة»، وأعلن أن لجنة من مجلس الوزراء ستتولى دراسة مشروع القانون ثم تحيله إلى مجلس الأمة في دورته اللاحقة، وقال بيان صحفي لوزارة المالية ان كتاب إحالة مشروع قانون الضريبة قد تضمن عرضا للوضع الاقتصادي «الذي يستلزم إصلاح النظام الضريبي، حيث جاء فيه انه لم يعد ممكنا تحقيق الإصلاح المالي والاقتصادي في دولة الكويت من دون تطوير للنظام الضريبي في البلاد أُسوة بما هو عليها الحال في البلدان المتطورة والنامية على حد سواء»، وتتضمن أهداف ذلك المشروع المقترح «توفير المناخ الاستثماري الملائم بدولة الكويت وتعديل تركيبة موارد المالية العامة ودعم التنمية الاقتصادية في ظل الظروف المحلية والدولية، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز دور الفرد في خدمة المجتمع وتنظيم العلاقات الضريبية بين الكويت والدول الأخرى وإصلاح النظام الحالي للضريبة على الدخل».للمرة الثالثةواليوم يتكرر القول بأن مجلس الوزراء بصدد خفض معدل الضريبة على المستثمر الأجنبي إلى %15، وهذا أمر لم يعد من الممكن تأجيله، بسبب الخسائر التي تترتب على مثل هذا التأجيل، ولعل مقارنة بين قدرة اقتصاد المملكة العربية السعودية على استقطاب رأس المال الأجنبي بعد تعديل قانون ضريبة الدخل السعودي في عام 2004، وقدرته قبل ذلك تدل بوضوح على حجم الخسائر التي يعانيها الاقتصاد الكويتي بسبب ذلك المرسوم.وكانت السعودية قد خفضت في مطلع عام 2004 ضريبة الدخل المفروضة على الشركات الأجنبية من 45 في المئة إلى 20 في المئة، وتعتبر هذه النسبة أحد أدنى المعدلات التي تفرض على دخل الاستثمارات الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي، وتفرض الضريبة بمجرد بدء تحقق الأرباح، وحدد النظام سعر الضريبة على الوعاء الضريبي للمكلف الذي يعمل في مجال استثمار الغاز الطبيعي بنسبة %30، وسعر الضريبة على الوعاء الضريبي للمكلف الذي يعمل في إنتاج الزيت والمواد الهيدروكربونية بنسبة، وبإمكان الشركات الأجنبية التي تعاني بسبب خسائر نقل الضريبة إلى السنوات الأخرى التي تحقق فيها أرباحاً.ويشير تقرير الاستثمار العالمي لعام 2007، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) الى أن المملكة العربية السعودية قد حلت في المرتبة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحسب التقرير نجحت السعودية في استقطاب 18.3 مليار دولار محققة نسبة نمو قدرها 51 في المئة، ويمثل هذا الرقم أكثر من 30 في المئة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى منطقة غرب آسيا، واستقطبت دولة الإمارات العربية المتحدة 8.4 مليارات دولار، وحلت البحرين في المرتبة الثالثة خليجيا باستقطابها 2.9 مليار دولار بزيادة قدرها 177 في المئة، وهي أفضل نسبة نمو بين دول مجلس التعاون، أما قطر فنجحت في استقطاب 1.8 مليار دولار مسجلة نسبة نمو قدرها 55 في المئة، وزاد حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عمان بواقع 52 مليون دولار، حيث ارتفع إلى 952 مليون دولار، بينما حلت الكويت في المرتبة الأخيرة، حيث استقطبت 110 ملايين دولار فقط وهذا أقل بنحو 140 مليون دولار مقارنة بما استقطبته قبل سنة من ذلك.