في بلاد الأصدقاء والأعداء

نشر في 09-08-2007
آخر تحديث 09-08-2007 | 00:00
 محمد سليمان

عندما تندر فرص العمل وتنتشر البطالة ويجوع الإنسان، يسقط القانون أو يتجمّد وتزحف الفوضى، ولأن محاسبة الجائع الذي يسعى إلى الفرار من الموت جوعاً تعد أمراً عبثياً ولا طائل من ورائها، عطّل الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حدّ السرقة في عام الرمادة حين جاع الناس.

في الأيام الأخيرة عادت الصحف المصرية والإسرائيلية للحديث عن المصريين المتسللين إلى إسرائيل الذين يعملون ويعيشون هناك، بالإضافة إلى الأردنيين والسودانيين الذين نشطوا في الترحال أخيراً بسبب تفاقم الأوضاع في بلادهم، ونجح بعضهم في التسلل عبر سيناء إلى إسرائيل.

الصحف الإسرائيلية زعمت أن عدد المصريين العاملين في إسرائيل قد بلغ ثمانية وعشرين ألفاً، وكالعادة استسهل المسؤولون في مصر إدانة الضحايا ولومهم وشجب سلوكهم، فأكد رئيس اتحاد العمال أن كيانه العمالي لا يملك أي أرقام عن العمالة المصرية في إسرائيل، وأنه رفض مراراً سفر العمال إليها بسبب إمكان تجنيدهم هناك وإعادة تصديرهم إلى مصر كجواسيس، ومن ثم تهديد الأمن القومي!

ويبدو أن رئيس الاتحاد قد نسي تماماً أن الأمن الغذائي يأتي في المقدمة، وأن العاطلين لن يأكلوا الهواء والخطب والأناشيد الوطنية، ونسي أن القضية نفسها قد أثيرت قبل أكثر من عشرة أعوام، وأن أحد المواطنين العاملين في إسرائيل قال لصحيفة «الدستور» المصرية رداً على سؤال عن أسباب سفره: «لم أجد عملا في مصر أو الدول العربية... ولم أستطع السفر إلى أميركا أو حتى سنغافورة... ووجدت عملاً في إسرائيل فذهبت لكي أعول نفسي وأسرتي».

لا عدو للعاطل والجائع سوى الجوع، لكن الدولة سدت أذنيها وعينيها ولم تفعل شيئاً لحل مشكلة البطالة المزمنة أو تخفيف حدتها، واكتفت في الوقت نفسه بتحريك لسانها فقط من أجل لوم الضحايا.

عندما تندر فرص العمل وتنتشر البطالة ويجوع الإنسان، يسقط القانون أو يتجمد وتزحف الفوضى، ولأن محاسبة الجائع الذي يسعى إلى الفرار من الموت جوعاً تعد أمراً عبثياً ولا طائل من ورائها، عطّل الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حدّ السرقة في عام الرمادة حين جاع الناس، لأنه كان يعرف أن الدين يسر لا عسر، والجائع سيسرق مضطراً ليدفع ضرراً أكبر بضرر أصغر.

العاطل الجائع يصبح في حال الدفاع عن النفس ضد الموت جوعاً، عندما يسرق أو يتمرد أو يخرج على التقاليد والأعراف والقانون، وعندما ينقلب أيضا على بلاده وأهله، لذلك تلجأ الدول المتقدمة والغنية إلى إعانات البطالة لتخفف عن العاطلين وتحتضنهم وتعينهم على حياة سوية، حتى تحمي المجتمع من تفجر غضبهم وتمردهم. لكننا، للأسف، لسنا من المتقدمين أو الأثرياء وحكومتنا لم تستطع حتى صد العطش عن سكان القرى في شمال الدلتا، واعتادت أن تترك الناس يواجهون مشكلاتهم ويدبرون أمورهم بأنفسهم، وتفرغت تماماً لبيع وتصفية الشركات والمصانع والبنوك وتسريح العمال والموظفين ومضاعفة أعداد العاطلين.

قبل غزو النظام العراقي السابق للكويت كان المصريون يتجهون إلى منطقة الخليج وإلى العراق بأعداد كبيرة بحثا عن العمل، وشكل الغزو وتداعياته كارثة أصابت المنطقة وأجبرت ملايين المصريين، وأغلبهم من أبناء القرى، على العودة إلى بلادهم محبطين وغاضبين وبلا أموال أو مدخرات تساعدهم على بناء حياة جديدة، فكان تصاعد المدّ الإرهابي في التسعينيات وبداية التسلل إلى الدول الأوروبية عبر البحر المتوسط في زوارق الموت، وتسرب بعضهم إلى إسرائيل هرباً من جحيم البطالة، ذلك الشبح الذي ساق بعضهم إلى الانتحار، كما زرع في المجتمع المصري جرائم جديدة وغريبة، وطمس صور الوطن والتراث والتاريخ والانتماء.

قد تكون البطالة مشكلة عربية وعالمية خاصة في عصر لا تقوده سوى يد السوق غير المرئية والظالمة، غير أنهم في الخارج يسعون ويخططون لتقليل أخطار البطالة والسيطرة عليها، لكن حكومتنا ترفع راية التخلص من الأعباء، وتتمنى أن تصحو يوماً لترى نفسها وحدها في الزورق مع حفنة من المريدين والأتباع والمنتفعين بعد فرار الشعب أو سفره بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل في بلاد الأصدقاء والأعداء.

 

كاتب وشاعر مصري

back to top