جريمة قتل في باكستان

نشر في 30-12-2007
آخر تحديث 30-12-2007 | 00:00
مُـشَرَّف ليس الزعيم الوحيد القادر على حل المشاكل العديدة التي تواجهها باكستان وإدارة الحرب ضد الإرهاب. بل إن الأمر على العكس من ذلك، فلابد أن يُـنـظَر إلى مُـشَـرَّف ذاته باعتباره المشكلة الأضخم التي تعانيها باكستان.
 بروجيكت سنديكيت كان اغتيال بنازير بوتو، أول امرأة مسلمة تتولى زعامة دولة مسلمة، بمنزلة ضربة خطيرة موجهة لمستقبل الديموقراطية في باكستان، بل وقدرتها على البقاء كدولة. ومع انزلاق باكستان إلى مستنقع الفوضى والاضطراب فلا ينبغي لنا أن نغفل عن ضلوع برفيز مُـشَرَّف جزئياً في المسؤولية عن هذا المنعطف الذي سلكته الأحداث في باكستان. فعلى أقل تقدير، لا يستطيع أحد أن يحله من تقاعس حكومته عن توفير الحماية اللائقة لبوتو.

لقد دفعت بوتو حياتها ثمناً لتحديها الشجاع للمتطرفين بانتماءاتهم كافة؛ من «القاعدة» و»طالبان» إلى الأحزاب السياسية الدينية والمتشددين من المنتمين إلى المؤسسة العسكرية.

لقد برزت بنازير، وريثة ذو الفقار على بوتو، الزعيم الديموقراطي الأسطوري الذي شنقته حكومة الجنرال محمد ضياء الحق في العام 1979، باعتبارها رمزاً للمقاومة بينما كانت ما تزال حديثة السن ـ لكنها عانت طيلة فترة الثمانينيات في السجون والمنفى. كان التراث الذي خلفه ذو الفقار على بوتو يتلخص في تمكين الفقراء والدفاع عن حقوق البسطاء من الناس في ظل السياسات الإقطاعية والحكم العسكري. وبدلاً من الرضوخ للحكم العسكري فضَّل ذو الفقار في النهاية أن يعانق المشنقة.

قبل ساعات من شنقه، سمحت السلطات لابنته بنازير بزيارته للمرة الأخيرة، فكتبت في سيرتها الذاتية: «أقسمت له وهو في زنزانة الموت أنني سأكمل عمله من بعده». ولقد أبرت بقسمها إلى حد كبير.

كانت ولايتها الأولى كرئيسة لوزراء باكستان (1988-1990) موجزة وغير منظمة. وفيما بعد أقر الجنرال حميد غول، رئيس جهاز الاستخبارات الأسبق، بأنه كان يتولى رعاية تحالف من المنتمين إلى الأحزاب السياسية اليمينية والذين سعوا إلى منعها من الحصول على أغلبية برلمانية. وكانت المعلومات كلها الخاصة بالبرنامج النووي الباكستاني والعمليات التي يتولاها جهاز الاستخبارات في أفغانستان محجوبة عن بنازير.

كانت فترة ولاياتها الثانية (1993-1996) أطول وأفضل، إلا أن حكومتها سقطت مبكراً مرة أخرى، بسبب اتهامات بسوء الإدارة والفساد. ولقد لعبت الدسائس من جانب أجهزة الاستخبارات دوراً في ذلك السقوط. كما كانت المؤسسة العسكرية تحمل تجاهها شعوراً عميقاً بعدم الثقة، نظراً لوضعها كزعيمة شعبية مؤيدة للغرب، فضلاً عن رغبتها في إحلال السلام بين باكستان والهند.

بعد ما يقرب من عقد من الزمان من المنفى الاختياري، كانت عودة بوتو إلى باكستان في أكتوبر بمنزلة بداية سياسية جديدة بالنسبة لها. كانت باكستان قد تغيرت بسبب الخراب الذي أصاب نسيج المجتمع في شمال البلاد نتيجة للدكتاتورية العسكرية والتطرف الديني. وكان الترتيب غير المكتمل مع مُـشَـرَّف، علاوة على التأييد الغربي، ولاسيما من جانب المملكة المتحدة والولايات المتحدة، سبباً في تيسير عودتها، التي رحب بها الآلاف، رغم ترحيب الإرهابيين بها بسلسلة من التفجيرات الانتحارية.

كانت الاتصالات بين بوتو وحكومة مُـشَرَّف العسكرية سبباً في إثارة العديد من الانتقادات حولها، إلا أنها ظلت على إصرارها بأن إحلال الديموقراطية في البلاد لن يتسنى إلا من خلال تحول يتخلى مُـشَرَّف بموجبه عن منصبه العسكري ليصبح رئيساً مدنياً للبلاد ويعقد انتخابات حرة نزيهة.

وما أفزع بعض القوى الديموقراطية في البلاد، إصرار بوتو على سلوك المسار نفسه، حتى بعد أن فرض مُـشَرَّف قانون الطوارئ في الثالث من نوفمبر، وأقصى أكبر ثلاثة قضاة في البلاد سعياً إلى ضمان إعادة انتخابه. بل لقد نجحت بوتو في إقناع عدد آخر من كبار الزعماء السياسيين بالمشاركة في الانتخابات التي كان من المقرر انعقادها في الثامن من يناير، التي كانت ترى فيها الفرصة لتحدي قوى التطرف الديني في المجال العام. ولقد استغلت هذه الفرصة بشجاعة فسافرت عبر أرجاء البلاد، رغم التهديدات الخطيرة لحياتها، منادية بالديمقراطية والتعددية السياسية في باكستان.

الحقيقة أنه لأمر مفهوم أن تستهدف التنظيمات الدينية المتطرفة، مثل «القاعدة» و»طالبان»، شخصية مثلها، وتزعم الحكومة أنه من المستحيل اتخاذ الاحتياطات الدفاعية الكافية ضد الهجمات الانتحارية. إلا أن التقارير تشير إلى أن مقتل بوتو كان على يد قـنَّـاص محترف قبل أن يفجر الإرهابي الانتحاري نفسه. وعلى هذا فإن الباكستانيين، وخصوصاً أنصار بوتو، يعتقدون أن الأجهزة الاستخباراتية، سواء بمفردها أو بالتعاون مع المتطرفين، قررت في النهاية أن تتخلص من بوتو.

سواء كانت الحكومة متورطة في هذه الجريمة أو لم تكن، فلسوف تظل الحقيقة المؤكدة أن الزعيمة التي خسرتها باكستان كانت في أشد الحاجة إليها. والآن بعد أن أصبح مستقبل باكستان معلقاً في الميزان تعاظمت أهمية العون والدعم من جانب الغرب، ولكن هذا يعني ضرورة إدراك حقيقة مفادها أن مُـشَرَّف ليس الزعيم الوحيد القادر على حل المشاكل العديدة التي تواجهها باكستان وإدارة الحرب ضد الإرهاب. بل إن الأمر على العكس من ذلك، فلابد وأن يُـنـظَر إلى مُـشَـرَّف ذاته باعتباره المشكلة الأضخم التي تعانيها باكستان، بسبب تغذيته للبيئة الحالية التي تكتنف باكستان من عدم الاستقرار وانعدام اليقين.

 

* حسن عباس، عمل في إدارة كل من رئيسة الوزراء بنازير بوتو والرئيس برفيز مُـشَرَّف، ويعمل الآن زميلاً للبحث لدى كلية كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top