الجامعات الخاصة... ضرورة تنموية أم سوق شعبي؟!

نشر في 30-06-2007 | 00:00
آخر تحديث 30-06-2007 | 00:00
 د. بدر الديحاني ذكر لي زميل أكاديمي أنه قام بإجراء مقارنة لبرنامج أكاديمي تقدمه جامعة خاصة في الخليج على مستوى البكالوريوس، ببرنامج مماثل له تقدمه جامعة الكويت، فاتضح له أن هناك فرقاً شاسعاً بينهما، وأن ذلك البرنامج الأخير بالكاد يتناسب مع ما يقدم في برنامج دبلوم التعليم التطبيقي ومع ذلك يمنح من اجتازه درجة البكالوريوس!!

أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي أنها ستمنح قريباً تراخيص لإنشاء جامعات خاصة جديدة بعد أن أوقف قبل عامين الوزير السابق للتربية والتعليم العالي منح هذه التراخيص. ولا نعرف إن كان هذا القرار يأتي تنفيذاً للسياسة التعليمية للحكومة أم نتيجة لتغير شخص الوزير أو استجابة لضغوط معينة؟ كما أننا لا نعرف، إن كان تنفيذاً لسياسة عامة، ما هو العدد المناسب للاحتياجات التعليمية التنموية لدولة الكويت من الجامعات الخاصة الذي سترخص له الحكومة في السنوات الخمس المقبلة مثلاً؟ وهل سيفتح المجال لمن يملك المال ويقدم دراسة جدوى اقتصادية، قد يتم ترتيبها بطريقة تخدم الهدف، لأن يمنح ترخيصاً لإنشاء جامعة خاصة؟ بمعنى آخر، ألا تستطيع الحكومة أن تحدد احتياجاتها التنموية المختلفة، بما فيها التربوية، ثم تدعو القطاع الخاص للمساهمة في تلبية هذه الاحتياجات؟ أم يترك للسوق أن يحدد عدد ونوعية ومستوى الجامعات الخاصة مما سيحول التعليم إلى سوبر ماركت أو سوق شعبي بضاعته رديئة الجودة؟

إن القدرة المادية للقطاع الخاص ودراسات الجدوى الاقتصادية التي تقدم، على أهميتها، من المفروض ألا تكون هي المعيار الأساسي على منح التراخيص، فهنالك معايير عدة أخرى معمول بها عالمياً يجب توافرها حتى يمكن الترخيص للجامعة الخاصة، منها سياسة القبول التي يجب أن تتناسب مع طبيعة التخصص المراد دراسته، والمؤهلات الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس وخبراتهم العملية وعدد العاملين منهم بشكل كامل بالجامعة مقارنة بعدد الطلبة، والمحتوى العلمي للبرامج الأكاديمية التي تعرضها الجامعة ومدى اعتمادها عالمياً، وحجم الفصل الدراسي ومستوى الحرم الجامعي والخدمات الأكاديمية المساندة التي توفرها الجامعة كالمختبرات العلمية، والمكتبات، ومختبرات الحاسب الآلي، والغرف الذكية. كل هذا بالإضافة للخدمات المجتمعية التي تقدمها الجامعة والكافتيريا وغيرها من الخدمات التي توفرها الجامعة للأنشطة الصيفية التي يحتاج إليها عادة طلبة الجامعة.

إننا إذا اعتبرنا أن هنالك قدرة مادية كبيرة لشركات التعليم الخاصة في دول الخليج تؤهلها لتوفير المتطلبات غير الأكاديمية بشكل مباشر كالحرم الجامعي والمباني الملحقة، فإن الخوف أن تكون البرامج الأكاديمية التي تقدم ليست دون المستوى العالمي فحسب، بل دون المستوى المحلي للجامعات والمعاهد الحكومية أيضاً، خصوصاً في ظل ضعف رقابة الدولة التي قد لا تتوافر لها الأجهزة المختصة والمؤهلة للرقابة وضبط الجودة الأكاديمية. فقد ذكر لي زميل أكاديمي أنه قد قام بإجراء مقارنة لبرنامج أكاديمي تقدمه جامعة خاصة في الخليج على مستوى البكالوريوس، ببرنامج مماثل له تقدمه جامعة الكويت، فاتضح له أن هناك فرقاً شاسعاً بينهما، وأن ذلك البرنامج الأخير بالكاد يتناسب مع ما يقدم في برنامج دبلوم التعليم التطبيقي ومع ذلك يمنح من اجتازه درجة البكالوريوس!! مع أننا لو نظرنا فقط لمبنى تلك الجامعة لخيل لنا أنها من أرقى الجامعات!!

علاوة على ذلك فإن سياسات القبول في بعض الجامعات الخاصة لا تأخذ أحياناً بالحد الأدنى للمعايير العالمية للقبول الجامعي في البرامج الأكاديمية المختلفة فيتم قبول الطلبة في برامج تأهيلية للدراسة الجامعية (أي ما دون الجامعية) قد تمتد لما يقارب السنتين، وبذلك تتحول الجامعة لما يشبه المعهد ما قبل الجامعي، بما أن ترخيصها على أساس أنها جامعة!

كما أن بعض التجارب العربية في مجال الجامعات الخاصة غير مشجع، فقد تتحول عمارة صغيرة إلى كلية طب أو كلية علمية ويتم توظيف هيئة تدريس غير مؤهلة أو مناسبة، وتحدد سياسة قبول دون المستوى لجني أرباح سريعة وبذلك تكون مخرجات التأهيل العلمي والعملي ضعيفة جداً.

إن ذلك لا يعني أنه ليس هنالك جامعات خاصة ناجحة سواء في الكويت أو في الخليج، بل بالعكس فهنالك جامعات خاصة لا تهدف إلى الربح ويبشر مستقبلها بالخير، ولكن الخوف يكمن في أنه في ظل عدم وجود سياسة تعليمية حكومية واضحة متضمنة احتياجات الدولة المستقبلية، وعدم وجود جهاز رقابي مستقل ومتكامل وفاعل يُعنى بضبط الجودة في الجامعات الخاصة، مع وجود قطاع خاص يهدف إلى الربح السريع، فإن تخوفنا أن يطغى الغث على السمين، وأن يتحول التعليم الجامعي الخاص لسوق شعبي رديء الجودة.

back to top