حقائق حول العلاقات الأوروبية - العربية
تواترت في الآونة الأخيرة البيانات والأوراق والمؤتمرات الأوروبية المعالجة لقضايا الشرق الأوسط. ويبدو أن العدد الأكبر من حكومات الاتحاد الأوروبي قد تخلت عن الترقب والحذر اللذين ميزا تقليدياً سياستها تجاه المنطقة ولم يعد مقبولاً في معظم عواصم الدول الأعضاء الاكتفاء بمجرد رصد التحركات الأميركية أو صياغة ردود أفعال على مبادرات الإدارة في واشنطن. ولا شك أن هذا التغير من جهة مع اللحظة التاريخية المهمة التي يمر بها الاتحاد الآن بالتوسع المطرد في عضويته وامتداد حدوده شرقاً وجنوباً وتحوله إلى وحدة لصياغة الفعل المشترك بين شعوب الجزء الأكبر من القارة. وحقيقة الأمر أن الطروحات الأوروبية الراهنة تجاه عالمنا إنما ترتكز على نقاط محددة أهمها ما يلي: أولاً: يقترح الاتحاد الأوروبي شراكة إستراتيجية جديدة مع دول الشمال الأفريقي والشرق الأوسط على نحو يأخذ في الاعتبار المصالح المتبادلة وبصورة لا تخل باختلاف حقائق الاجتماع والسياسة والاقتصاد من دولة إلى أخرى. ثانياً: تنبني هذه الشراكة على تطوير القائم بالفعل من آليات التعاون مثل الشراكة الأورومتوسطية والعلاقات المؤسسية مع مجلس التعاون الخليجي وإن ظلت منفتحة في اتجاه صياغة أطر إضافية ثنائية كانت – أي بين الاتحاد وواحدة من دول المنطقة – أو متعددة الأطراف حين تظهر الحاجة إليها.ثالثاً: ينطلق الطرف الأوروبي من نظرة شاملة لمفهوم المصلحة الأوروبية ترى في قضية الأمن، على سبيل المثال، أبعاداً اقتصادية واجتماعية وسياسية وتشدد على مركزية التحول الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان. رابعاً: تمثل الجاليات العربية- الإسلامية المقيمة في دول الاتحاد عنصراً محورياً في صياغة العلاقات الأوروبية- العربية وينبغي أن تصبح موضوعاً لفعلها. خامساً: الاقتناع بأنه من الصعوبة تصور إمكانية تطوير علاقات إستراتيجية مع الشمال الأفريقي والشرق الأوسط من دون أخذ المشكلة الفلسطينية والأوضاع الراهنة في العراق في الحسبان ومن ثم التشديد على محورية التسوية السلمية للصراع العربي- الإسرائيلي وإعادة بناء عراق مستقر. يتضح مغزى الجزء الأكبر من الأفكار السالفة حين النظر إلى التغير الذي طرأ على تعريف الجوار الجغرافي مع توسع الاتحاد وتطوير منظومات الشراكة الأوروبية مع دول الجوار. فقد صك الاتحاد الأوروبي مفهوم أوروبا الواسعة (Wider Europe) ليعبر عن هدف جعل الاتحاد الطرف الأهم اقتصادياً وسياسياً في علاقات جيرانه بالعالم الخارجي، إن في الشرق أي باتجاه الاتحاد الروسي وأوكرانيا وروسيا البيضاء أو في منطقة البلقان الواقعة إلى الجنوب الشرقي والجنوب المتمثل بشمال أفريقيا والشرق الأوسط وذلك من خلال وعدي أوروبا التقليدين: الرخاء والاستقرار. والمقترح تحديداً هنا هو إنشاء مناطق للتجارة الحرة بين أوروبا والجوار على نحو يمكِّن دول الجوار من الانتفاع بصورة تدرجية وجزئية بالحريات الأربع المرتبطة بعضوية الاتحاد؛ أي حرية انتقال رأس المال، والبضائع، والخدمات، والقوة البشرية، ويوفر بالتبعية شروط مواتية للتنمية الاقتصادية.ثم على صعيد آخر توظيف الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة للاتحاد الأوروبي وشراكته مع الجوار للمساهمة في خلق ديموقراطيات مستقرة على أرضية المشروطية الإيجابية (الحوافز) والسلبية (العقاب). ولا تقف صياغات الأوروبيين عند مجرد ذكر كلمة الديموقراطية، بل تتجاوزها لوضع ما يشبه بدليل التحول الديموقراطي وخطواته: التعددية الحزبية وتوازن السلطات، حرية الصحافة والتنظيم، والشفافية ومكافحة الفساد، وقضاء حر وفعال، وضمان النظام العام من خلال مقاومة الإرهاب والجريمة، وإنهاء احتكارات الدولة الاقتصادية والثقافية، وخلق نظم تعليمية وتربوية حديثة مع التوصية بإلزام الجيران بإعداد تقارير سنوية تُحدّد على أساسها المساعدات المقدمة لها من الاتحاد وحجم التبادل التجاري على غرار ما كان متبعاً مع دول شرق ووسط أوروبا في التسعينيات.إن كانت هذه هي المنطلقات والأهداف الأوروبية اليوم، فحري بنا في العالم العربي أن نتدبر في مضامينها ونبحث عن الإستراتيجيات الأنجع للتعاطي الإيجابي معها دونما تفريط في المصالح العربية أو إسراف في القراءة المؤمراتية.* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيجي» للسلام – واشنطن