زرقاء اليمامة: حسينية في ألمانيا 1 من 2

نشر في 06-12-2007
آخر تحديث 06-12-2007 | 00:00
ليلة الذهاب إلى الحسينية كان الطقس بارداً والثلوج في كل مكان، وكان يوحي بكتابة رواية أرجّحُها في مئتي صفحة فقط لأشرك فيهاحياة بعض الركاب على ذلك القطار وتلك التجاعيد في وجوه المسنين، فكم استهلكت من كل عجوز حياة، بما فيها من أحداث مثيرة وباردة.
 الجوهرة القويضي كان الشتاء الماضي قاسياً جداً، خاصة بالنسبة لي، في مكان غير مكاني وبيئة غير بيئتي، كل شيء في ألمانيا كان مزعجاً لي لم أستمتع بكل أوقاتي، الطقس بارد جداً، كم أمقت الجو البارد، فكيف لو كان ثلوجاً تغطي الأمكنة، الشوارع والأشجار والمباني تلتحف الثلوج، وذلك الرذاذ البارد الذي يقرص الوجوه، وأي وجوه؟ أغلبية المارة من العجائز وأتساءل: لمَ أغلبية الناس عجائز هناك، في الشارع في السوق في السوبر ماركت؟

لقد انقرض الشعب الألماني منذ الحرب العالمية، ولم يعد الإنجاب في أولوياتهم، قد تتنبّه حكومتهم حالياً بإغراء الشباب للإنجاب ومنحهم مبالغ مالية وأشياء أخرى، تزور ضواحي شتوتغارت مثلاً أو ضواحي مانهايم تجدهم أتراكاً أيضا هاجروا بعد الحرب العالمية وصاروا ألماناً، وأيضا عدد كبير من العراقيين المهجرين، لتندثر هويتهم ويصيروا ألماناً... يدخلون إلى ألمانيا لاجئين ويقدمون لهم الأمان والسكن والمعيشة إن رغبوا في العمل أم لم يرغبوا، يحتضنون الدخلاء؟! تذكّرت فئة البدون الذين عاشوا منذ تأسيس الكويت والذين مازالوا يرزحون تحت العوز والحاجة، ونحن العرب كقبليّة ونخوة من يدخل علينا نعطيه ما دخل عليه، ولا نسمح لأحد بأن يمسّه بسوء، إنها من الفضائل التي يتحلّى بها العرب، ولكنها في نفس الوقت صفة حسنة لكل إنسان سوي، فلذا صارت ألمانيا دولة متقدمة وأكثر البلدان حضارة في حقوق الإنسان، فلا تستطيع أن تقسو على ابنك في الشارع كي لا تمسك بك الشرطة وتجبرك على أن تتعهّد بألا تعود إلى الأمر، لم آت بجديد بتلك المعلومات، ولكن الجديد هو ما حصل لي ذات ليلة في السابع أو الثامن من ليالي محرم من العام الماضي، إذ اجتاحتني عاصفة من الشوق إلى أهل الكويت والرياض، وكنت أتمنى أن أطير ولو بجناح سفينة تحفّها المخاطر، ولنا جارة عراقية من بغداد ومن المذهب الشيعي جديدة اللجوء إلى ألمانيا، كانت لطيفة جداً هي وزوجها وابنتهما الجميلة شمس التي لا يتجاوز عمرها سنة، زارتني وكنا نحتسي فنجانين من الشاي والنعناع المغربي، وأخبرتني بأنها ذاهبة إلى الحسينية بعد صلاة العشاء، تساءلت: وهل في ألمانيا حسينية؟ قالت: إنها مَدْرسَة مؤجّرة من قبل مجموعة من الشيعة العراقيين والعرب الأقلية، قلتُ لها سأذهب معكم؟ قالت: هيّا تفضلي معنا، ولكن لابد من أخذ قطارين حتى نصل، قلت لها: لا يهمّ سأذهب، كان الطقس في تلك الليلة بارداً والثلوج في كل مكان، وكان يوحي بكتابة رواية أرجّحُها بمئتي صفحة فقط لأشرك فيها حياة بعض الركاب على ذلك القطار وتلك التجاعيد في وجوه المسنين، فكم استهلكت من كل عجوز حياة، بما فيها من أحداث مثيرة وباردة، البقية في مقال الجمعة القادمة، سيكون القادم أجمل.

وقفة شفافة:

كيف يغتال المرء على ورق القلب روحه، ويطوي ساعته الكسولة المتباعدة الخطى اليائسة من الوصول كي يرسم كفنه في بياض صفحاتها؟ وكيف ينكسر لتبقى؟! وكيف يقول قلب واحد أحبّك ليعيش؟! الضجّة بين الفرحة والدمعة.

back to top