خذ وخل: أصوات متعددة لوطن واحد 2-2

نشر في 17-10-2007
آخر تحديث 17-10-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

لعل المعضلة العويصة التي ستجابهها الصحف الجديدة تتبدى في عدم رغبة الصحافيين الكويتيين الجدد في اقتحام ميدان الصحافة بكل تجلياته المهنية والفنية والنقدية لأن جُلهم يطمحون إلى مهمة الكاتب الصحافي العتيد، صاحب الزاوية ومولى التكية، كما هي حال الكتاب المخضرمين.

* بصراحة تامة لا يروق لي... وربما لغيري أن يتحول ناشر الصحيفة الجديدة ومولاها إلى كاتب افتتاحيتها بجرة قرار إداري، لاسيما إذا كان يجهل أبجديات صياغة الافتتاحية الصحفية! وفي هذا السياق، ثمة حكاية تنسب إلى رئيس تحريرٍ ما، اعتاد حين يريد تدبيج الافتتاحية المعنونة «بقلم» رئيس التحرير، أن يستدعي مدير التحرير ويمنحه قلمه الذهبي الخاص، ومن ثم يُملي عليه المحاور الأساسية للافتتاحية، فيشرع بعدها الزميل في صياغة الافتتاحية «بقلم» رئيس التحرير إياه! وحين عنَّ لمدير التحرير أن يسأله عن سر إصرار رئيس التحرير على أن يمنحه قلمه الخاص، قال: بصراحة لكي لا أكذب على القراء حين أزعم أن الافتتاحية بقلمي! وأحسب أن مدير التحرير صار ثرياً بفضل أقلام رئيس التحرير إياها!

من هنا أتمنى على رؤساء الصحف الجدد، الذين يجهلون كيفية كتابة المقالة والافتتاحية وسواهما التأسي بطريقة رئيس التحرير السالف الذكر! فإذا لم يكن بحوزتهم محاور الافتتاحية وفحواها ومتنها، فحسبهم أن يمنحوا مدير التحرير، أو كبير المحررين أقلامهم الخاصة ليدبجوا بها المقالة المرجوة! وبذا تتطابق الحال مع المقال المذيل بعبارة «بقلم رئيس التحرير!».

* ولعل المعضلة العويصة التي ستجابهها الصحف الجديدة تتبدى في عدم رغبة الصحافيين الكويتيين الجدد في اقتحام ميدان الصحافة بتجلياته المهنية والفنية والنقدية كلها، لأن جلهم يطمحون إلى مهمة الكاتب الصحافي العتيد، صاحب الزاوية ومولى التكية، كما هي حال الكُتاب المخضرمين. وإذا استمر تكاثر كُتاب المقالة في الصحف الوطنية، على النحو الذي يحدث فيه أخشى أن يأتي يومٌ يصبح فيه هناك قارئ لكل كاتب، وربما يزيد عدد الكتاب على عدد القراء!

وبهذه المناسبة أذكر أن «العم بوطلال... محمد مساعد الصالح» أتاح فرصة لجامعية كويتية للالتحاق بقسم الإخراج الصحفي، حينما كان رئيساً لتحرير صحيفة «الوطن» (في العهد البائد!).

وأذكر في السياق نفسه أن الصديق الزميل «أحمد الجارالله» كان يحرص على اختيار المحررين الخبراء الذين يتوسم فيهم حاسة الشم الإخبارية. ولِمَ نذهب بعيداً...؟ فهو نفسه بدأ الصحافة من السرداب... حيث المطبعة، ولم يكتب المقالة إلا بعد أن شرب وارتوى من مناهل الصنعة!

* أعرف أنه من المبكر جداً الحكم على فعالية حضور الصحف الجديدة، ومدى جدواه وإيجابيته في الشارعين: الصحفي والكويتي على حد سواء، لكن ذلك لا يمنع العبد لله من دحرجة ملاحظة ما «واقفة في زوري لا تريم»! أعني محاولة جذب القراء بإغراء الجوائز السخية التي تمنحها للفائزين أسبوعياً وشهرياً.

والمشتركون «كرمى» للجوائز، هم طلاب جوائز لا قراء! ففي اللحظة التي تتوقف فيها الصحيفة عن مزاد الجوائز سيتوقف المشتركون عن اقتنائها! وشتان بين من يقتني الصحيفة لمحتواها وإخراجها وتفردها بالأخبار والتقارير وغيرها من محتويات، ومن يشترك فيها لأجل «حظك نصيبك» التي تفوز فيها دوماً شركات الاتصالات المتنقلة... ودور الصحف نفسها... اللهم زِدْ وبارك!

نعم... من حق الصحف وواجبها اكتساب المشتركين الجدد، شريطة ألا يكون ذلك المنحى محصوراً في جاذبية وإغراء الجوائز فحسب، فثمة جوائز معنوية أجدى للصحيفة وأفضل للقارئ الثابت الدائم... مثل أن تقرأ في «النهار» للإعلامي القدير الأستاذ «حمدي قنديل»، وتستمتع في «الجريدة» بإبداع الشاعر الفذ «أحمد مطر»، والشاعر الشعبي المدهش «وضاح»، والمقالة الساخرة للأديب الشاعر «سليمان الفليح»، والمخبر الصحفي الواعد «جاسم قامس»، والخير «لقدام»، بحسب إخوتنا في لبنان، بمعنى أن يكون تنافس الصحف الجديدة في المضمون لا في الشكل المحصور بالجوائز إياها! وإذا كان مفرحاً إعادة احتضان الكتاب والشعراء والمبدعين الجماهيريين، فإن هذه الفرحة تبدو ناقصة ومبتورة إذا لم تقترن برعاية الصحافيين الشباب، من الجنسين الذين يعتمرون «كوفية وغترة» الوعد، ويتسلحون بعدة وعتاد الصحافي الواعد الصاعد! كما ذكرت آنفاً، وألححت عليه!

ولا أحب، ولا أتمنى أن تكون الأصوات المتعددة هي نهاية المطاف في حق الاتصال، فثمة أصوات أخرى تستأهل هي الأخرى، الحصول على ترخيص إشهار صحيفة يومية، ولا خشية البتة من تعدد الأصوات والإصدارات ما دامت تحضن الوطن، وفي حضن الوطن!

إن فضاء «الإنترنت» المشرع للجميع، بمن فيهم «البدون» حريّ به أن يحرض أصحاب الشأن على إشاعة حق الاتصال داخل البلاد للخاصة والعامة على حد سواء، ولو كنت وزيراً للإعلام، في الأحلام والمنام، لبادرت إلى منح إخواننا «البدون» رخصة إصدار صحيفة يومية تصدر في دولة الكويت وضواحيها، وتوزع جهاراً نهاراً، بدلاً من أن نقسرهم على التعبير عن همومهم ومحنتهم عبر «الإنترنت» ومغباته العديدة، لاسيما أن جُل الصحف والمجلات تكرس المقالات والتقارير والاستطلاعات المتمحورة حول همومهم وقضاياهم، ولأني لن أكون وزير إعلام بحكم عوامل التعرية الزمنية وانتهاء العمر الافتراضي للوزير، فسيظل إخواننا إياهم «بدون» صوت!

يقول «أحمد مختار أمبو»، المدير العام لمنظمة «اليونسكو» سابقاً في تصديره لكتاب «أصوات متعددة وعالم واحد» (الشركة الوطنية للنشر والتوزيع- الجزائر 1981) في معرض حديثه عن التحول العميق في عملية الاتصال الاجتماعي داخل كل أمة «... ولن تتحقق هذه الاحتمالات إلا بالقدر الذي ستقاوم به إغراء وضع وسائل الاتصال الجماهيرية في خدمة مصالح ضيقة، واتخاذها أدوات جديدة للسلطة، وتقديم مبررات لانتهاك الكرامة الإنسانية، وزيادة حدة التفاوت القائم في ما بين البلدان، وداخل كل بلد منها». والاقتباس السابق... جامع مانع، لا أخا له يحتاج إلى تعقيب! حسبه أن واقع حال فضاء الاتصال العابر للحدود والقارات يؤكده ويدلل عليه، إن لم يكن تجاوز حدسه واسشرافه!

back to top