لماذا استحوذ تانتان على مخيلة الأولاد والراشدين؟

نشر في 22-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 22-11-2007 | 00:00
No Image Caption

منذ حوالي عشر سنوات، زرت مع مجموعة من الأصدقاء العاصمة البلجيكية التي تُعتبر الموطن الروحي لتانتان، شخصية الرسوم المفضلة لديّ، فاقترح أحدهم أن نتنكر كشخوص سلسلة تانتان وفي اليوم التالي، تبين لي أنني الوحيد الذي أخذ الأمر على محمل الجدّ. هكذا أمضيت اليومين التاليين وأنا أجول في شوارع بروكسل بزيّ بحّار، إلاّ أن ذلك لم يثر استغراب السكان، لعلهم اعتادوا على السيّاح الأغبياء الذين يتنقلون في المدينة بأزياء تانتان. فقد باعت مغامرات الرحلة هذه أكثر من 250 مليون نسخة في العالم بأسره.

يعيش البطل البلجيكي المستكشف والمراسل دائم المراهقة في منزل ضخم مع بحّار عجوز صعب المراس وكلب أبيض ورئيس خدم سكّير. في رأي معظم الراشدين، يعيش تانتان حلم «الطفولة الأبدية»، أي حياة خالية من المسؤوليات والأعباء المالية والعمل الشاق. لكن عندما كنت صغيراً لم أكن منجذباً إليه للأسباب نفسها، إنما كنت أحب قراءة مغامرات تانتان للسفر عبر الصفحات إلى أنحاء العالم، حتى إنني صرت أخبر كل من يصغي إليّ بأنني سأزور تلك الأماكن التي قصدها تانتان. في النهاية نجحت في تحقيق جزء من حلم طفولتي. لم أبحث عن كنز في غواصة متنكراً بزي قرش ولم أذهب إلى القمر، بل قصدت معظم المناطق التي زارها تانتان ووجدتها بالروعة نفسها كما هي في صفحات المجلاّت المصوَّرة.

عندما تنقلت في هذه الأماكن، تولّد لديّ شعور غريب بأنني رأيتها من قبل وأدركت أنني أعود إلى الوراء إلى مغامرات تانتان. لكن من الغريب أن هيرجيه، مبتكر مغامرات تانتان، لم يسافر قط عندما كان يؤلف كتبه بل كان مهووساً بجمع الصور وقصاصات الصحف والرسوم، فاستخدمها لكي يبدو كل تفصيل في الكتاب واقعياً بالكامل. تطلب البحث عن كل سيارة أو زي أو مبنى صوّر في القصص جهداً كبيراً، وهذا ما ساهم في جعل المغامرات حقيقية.

في الواقع، تعرض كتاب Tintin in the Congo إلى الانتقادات لتصويره الأفارقة كأغبياء خاضعين للاستعمار ولقيام تانتان بذبح كل حيوان يواجهه.

أتفهم سبب كتابته بهذه الطريقة في ذلك الوقت، لكني عندما بدأت أقرأ كتب تانتان على ابنتي باركر البالغة من العمر ست سنوات لم أستطع تفسير سبب تصرف شخص لطيف بهذه الغرابة في مستعمرة كونغو البلجيكية، لذلك تجنبت الخوض في ذلك حتى الآن. أصبحت هي بدورها مبهورة بالبلدان التي يزورها تانتان وتريد السفر الآن إلى النيبال للبحث عن القرد الذي يسكن الجبال الثلجية.

لطالما بدت لي مغامرات تانتان شبيهة بتلك التي كان يخوضها جايمس بوند، فكل قصة تدور في مناخ عام غريب. حاولت غالباً التفكير في الأماكن التي لم يقم هيرجيه بتغطيتها، مثل الأمبراطورية البريطانية التي جال بوند في أنحائها. كان مفترضاً، برأيي، أن نرى مغامرة لتانتان في أستراليا أو نيوزيلندا، لكن هيرجيه أغفل هذين البلدين، إلا أنه تمكن من تغطية معظم البلدان الباقية. 

مؤامرة وطنية

في البلدان التي تتحدث الفرنسية، تعد زيارة تانتان شرفاً لها. عندما كنت في فيتنام هذه السنة، شاهدت ملصقات لتانتان في كل مكان. بحثت عن الكتاب، لكن سرعان ما أدركت أن لا وجود له فعلياً، كان الأمر بمثابة مؤامرة وطنية تهدف إلى التعامل مع واقع أن تانتان لم يزر قط هذه المستعمرة الفرنسية. يوجد الآلاف من هذه الغلافات معلقة في المتاجر في كل أنحاء البلاد. بالطبع، يسهل السفر بالنسبة إلى تانتان، لأنه يستخدم أدوات السفر التي يحلم بها الجميع وهي رسالة التعريف. أينما يحط، يتوجه مباشرةً إلى أمير البلاد أو المهراجا، فيمضي ما تبقى من أيام إقامته في رفاهية تامة ما إن يسلّم الرسالة. لكن من المؤسف إلاّ نلاحظ حضوراً مكثفاً للأدوار النسائية في القصة.

ولكن ماذا عن فيلم Tintin – The Movie لستيفن سبيلبيرغ؟ ومَن سيفوز بالأدوار الرئيسية؟

يناسب كل من توبي ماغواير وبراد بيت دور تانتان، أما الكابتن هادوك، فيمكن أن يؤدي دوره جورج كلوني أو ربما طوم هانكس، وقد يؤدي ريكي جيرفيه دور رئيس الخدم الغريب الأطوار.

عرضت في السابق أفلاماً من الرسوم المتحركة عن تانتان غير أنها كانت مريعة، كما أن تحويل القصص إلى الحياة الواقعية يخفف من زخم المغامرات. أعلم أن تانتان ليس مجرد موجة عابرة مع هذا العدد الضخم من الكتب المباعة، لكنني لا أريد أن يعاد تصنيع تانتان وتوضيبه لجيل من الأولاد غليظي الفهم يصعب عليهم قراءته.

أقدر مجموعة تانتان الفرنسية الخاصة بي، لذلك سأحاول أن أنسى أمر الفيلم وأواصل قراءة الكتب لأولادي الذين تمنحهم الأحاسيس نفسها التي شعرت بها من جو الإثارة وحس الغرابة في كل الأماكن المذهلة حول العالم والرغبة الجامحة في زيارتها.

ذهبنا منذ مدة إلى كورسيكا لقضاء العطلة وعندما وصلنا، سألتني باركر: «هل جاء تانتان إلى هنا؟». قلت لها إنني لا أظن ذلك. فامتلأت عيناها بالحماس صارخةً: «هيا يا أبي، لنذهب في مغامرة». لا شك في أن الكابتن هادوك كان سيفخر بها لو سمع كلماتها هذه.

ذرف الدموع

نادراً ما كان مراسل هيرجيه في مغامرات تان تان، الذي لا يهاب شيئاً، يتعرض إلى الانفعالات العاطفية. لكن في رحلته الثانية عشرة أي في «Tintin in Tibet»، نراه يبكي للمرة الثانية فحسب. ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الإنكليزية في العام 1962 ولكن ليس إلى لغة التيبت وكان الكتاب الوحيد الذي لم يتضمن شخصية رئيسية شريرة، بل يسرد قصة تانتان خلال بحثه اليائس عن صديقه الصيني تشانغ الذي وقعت طائرته في الهملايا. وعكست القصة الاضطراب المستعر في حياة هيرجيه.

تعقب تجار المخدرات

تصور قصة The Blue Lotus، التي اعتبرها النقاد تحفة هيرجيه الفنية الأولى، تانتان وتشانغ ينطلقان في مهمة محفوفة بالمخاطر للإمساك بعصابة من تجّار المخدرات في الصين. لم يخشَ هيرجيه قط من التطرق إلى السياسات القائمة في ذلك الوقت، فنرى تانتان يدخل في قتال إلى جانب صديقه الصيني ضد تجارة الأفيون التي يديرها بريطانيون.

إفلات من نهاية مروعة

يواجه تانتان في قصة Tintin in the Congo المليئة بالأحداث المشوقة سلسلة من المخاطر كان يمكن أن تودي بحياته وأوشك أن يقع بين أنياب التمساح. تعتبر هذه المغامرة في وسط إفريقيا من أكثر أعمال هيرجيه المثيرة للجدل. واجه كتاب Tintin in the Congo، الذي نشر حالياً مع مقدمة تفسر سياقه التاريخي، دعوات متكررة لحظره. في وقت سابق من هذه السنة، قالت لجنة المساواة العرقية إنه يتضمن «كلمات فظيعة مجحفة بحق الأعراق حيث يبدو»السكان الأصليون المتوحشون كالقردة ويتكلمون كالحمقى».

مناوشة مع آل كابوني

بعد نجاته من نهاية مروعة في الكونغو، يحط تانتان رحاله في شيكاغو في فترة حظر تجارة الكحول وإنتاجه. استقبلته عصابات من آل كابوني بفتور وكان على تانتان استخدام كل ما يتمتع به من مكر من أجل البقاء على قيد الحياة. لاحقاً، في قصة Tintin in America، يواجه قبيلة من سكان أميركا الأصليين، لكن عوض إضافة المزيد من الأفكار الخاطئة كما حصل مع قصة Tintin in Congo، يقدم هيرجيه صورةً موثقة جيداً عن المأزق الذي يقع فيه سكان أميركا الأصليون.

سير على سطح القمر

في رحلة تانتان السابعة عشرة، Explorers on the Moon، يرتدي المراسل الرحّالة وطاقمه بزات فضائية برتقالية اللون وسرعان ما يجابهون الخطر عندما يفقدون الاتصال مع كوكب الأرض. في الواقع، ينطلق تانتان وأصدقاؤه في مهمتهم على سطح القمر في داخل صاروخ صممه صديق تانتان، البروفيسور كالكولوس. استلهم هيرجيه هذه الشخصية الأخيرة من شخصية المكتشف أوغوست بيكارد.

back to top