جمعية حقوق الإنسان بين الشفافية والسرية
لا حاجة إلى أن تكون جمعية حقوق الإنسان في الإمارات سرية تمارس انتهاكاً قانونياً في وقت يفترض فيه أن من صفاتها كجمعية حقوقية أن تعمل في ميدان المجتمع المدني بكل شفافية، ووظيفتها في الأساس هي الدفاع عن الحقوق المنتهكة للأفراد والجماعات، مستندة إلى مرجعيات قضائية وقانونية وحقوقية ودستورية.اشتعلت صحف الإمارات في الأسبوعين الأخيرين بمقالات تتعلق بموضوع حقوق الإنسان، واتضح من خلال تلك المواضيع أن أغلب أصحاب تلك الأقلام لم يكن يعي تماماً الموضوع الذي كان يكتب حوله، إذ بدأت الأدخنة المتصاعدة في الغابة، وكأنها دخان حطب محروق من أجل عشاء متأخر لضيوف لم يصلوا بعد. وما كان مستغرباً أكثر هو تلك الأقلام التي استجابت للموضوع وشمّرت عن ساعدها متطوعة في الكتابة فقط لكونها أقلاماً تبعية بفعل الوظيفة، وقد اعتادت أن تكتب عندما ترى أن كبار الموظفين يرغبون ذلك النوع من الكلام.بدت لي الحملة ذات شقين: إما أنها منظمة وتمّ التجييش لها بفعل الغيرة والوطنية والدفاع عن كرامة الوطن، وهذا عمل ضروري ومهم، فلا يوجد أهم من الدفاع عن الوطن عندما يتم التعرض للابتزاز والهجوم من العدو الخارجي، أو أن هناك هدفاً خفياً يسعى دعاة الحملة المنظمة إلى تحقيقه وهو تغيير وجوه وإدارة الجمعية، كونها ليست على ما يرام حسب وجهة نظر البعض. هذا ما لمسته خلال وجودي في الإمارات في تلك الفترة، فقد علت أصوات من داخل إدارة جمعية الإمارات لحقوق الإنسان احتجاجاً على طبيعة عمل الجمعية وآليتها، التي تميزت –حسب التهم الموجهة إليها– بالتخبط والإجراءات الفردية وغيرها من التهم الشخصية والمهنية، فتمت الانسحابات والاستقالات الجماعية، في داخل جمعية لم يمر على تكوينها إلا عام واحد، وما زاد الطين بلة وأشعل الغابة حريقاً هو تصرف أحد أعضاء لجان تلك الجمعية بصورة منفردة بطريقة دللت على ضحالة فهمه لعمل هكذا نوع من الجمعيات أو ربما لرغبة داخلية وشخصية تحقق له أغراضاً معينة أو تم استدراجه للفخ من دون أن يدرك طبيعة ومهمات عمله في جمعية حقوق الإنسان المتسمة بالدرجة الأولى بالحياد والموضوعية والابتعاد عن الصبغة الإيديولوجية والسرية. وبما أن عضو اللجنة تعرض إلى هجوم شنيع في الصحافة المحلية بلغت بعضها حد الاستعداء نحوه، وكأنه قدم وثائق تمس أمن الدولة والقضايا العظمى السرية، فكاد البعض منهم أن يرجمه بتهمة الخيانة العظمى وينبغي تعليقه مشنوقاً في ميادين المدينة. بتلك الحدية والانفعال تعرض ذلك العضو بعد أن تم تفتيشه وهو خارج من المطار فعثرت السلطات لديه على وثائق وتقارير وصور تسيء إلى بلده، وقد حملها إلى الخارج متجهاً لحضور إحدى الفعاليات، بل بدت الأمور غامضة، ولكن الجميع أدلى بدلوه وقال رأيه قبل أن تتضح المسألة بالكامل أو أبعاد الأزمة، خاصة أن وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية بعد اكتشاف تلك الوثائق قررت تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة دوافع وأهداف ما حمله عضو لجنة جمعية حقوق الإنسان معه من صور ووثائق، وتسرب الخبر عن أن التقارير كانت متعلقة بموضوع حقوق العمالة الوافدة في الإمارات. وتم اللغط وكبرت كرة الثلج حتى كادت تتضخم من دون معنى وبدلا من تطويقها بحكمة وهدوء تم النفخ فيها لغاية ما، فبدت الرائحة منها غريبة لحد التساؤل، والأكثر من ذلك أن المبالغة التي عالجت فيها وسائل الإعلام الموضوع كفيلة وحدها بدفع منظمات حقوق الإنسان الدولية أن تندفع بقوة لتحويل موضوع الوثائق والصور حول وضع العمالة الوافدة إلى موضوع آخر هو انتهاك حقوق أعضاء الجمعية في الإمارات إلى حد المضايقة من دون وجود أدلة كافية، بل ستجد الأزمة نفسها من الاتساع بحيث يصبح الرتق أوسع من قدرة الراتق على معالجة ما بين يديه بهدوء وحكمة.من دون شك إن عضو لجنة جمعية الإمارات لحقوق الإنسان قليل التجربة كجمعيته، ولم يتم تأهيله وتدريبه على فهم طبيعة عمل منظمات حقوق الإنسان وآليتها التي من أهم صفاتها أن تتسم بالشفافية بين جميع الجهات، فلا حاجة إلى أن تكون جمعية سرية تمارس انتهاكاً قانونياً في الوقت الذي من صفاتها كجمعية حقوقية تعمل في ميدان المجتمع المدني بكل شفافية، ووظيفتها في الأساس هو الدفاع عن الحقوق المنتهكة للأفراد والجماعات، مستندة إلى مرجعيات قضائية وقانونية وحقوقية ودستورية. وبدلاً من التيه والضياع في الدهاليز، بات ذلك العضو وتلك الجمعية وتلك التقارير موضع مساءلة، بحيث انتفخت المسألة من أجل إعادة النظر في وضع الجمعية، وكما بدا لي عمق ذلك التجييش الإعلامي وأهدافه المنفلتة والمقصودة، الذي ربما –في النهاية- يربك أصحاب القرار ويضعهم أمام حملات دولية جديدة تفوق وضعية العضو الذي يخضع إلى لجنة تحقيق ينتظر نتائجها الجميع. فهل كان الموضوع يستدعي كل تلك المعالجة أم أن الحريق بدلا من إطفائه بسرعة توزع على مسافة كبيرة من الغابة وبات ضحاياه دائرة أوسع مما كنا نتوقع؟* كاتب بحريني