انتخابات المتن: الموارنة يخوضون حربهم نيابة عن آخرين

نشر في 07-08-2007
آخر تحديث 07-08-2007 | 00:00
 بلال خبيز قبل انتصاف ليل الأحد–الاثنين، 5 – 6 اغسطس بقليل أخذ مناصرو المرشحين المتنافسين في المتن الشمالي من أعمال جبل لبنان، يتجمعون احتفالاً بفوز المرشحين على حد سواء. وكادت الاحتكاكات بين جمهوري المرشحين تؤدي إلى كارثة لا سابق لها لولا تدخل الجيش للفصل بين الجمهورين. النتائج كانت متقاربة والخسارة كانت بفارق أصوات قليلة لا تتجاوز المئات، أما ارتفاع نسبة المقترعين فدلت على سخونة المعركة ومصيرية الحراك السياسي المسيحي في لبنان في ظل الأزمة الخانقة التي تهدد المسيحيين في وجودهم السياسي من دون أي مبالغة.

الرئيس الجميل أعلن فوزه، وهو محق في ذلك، والجنرال عون أعلن فوزه وهو أيضاً محق في ذلك. وبصرف النظر عن النتيجة الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية اللبنانية، فإن الزعيمين المارونيين أثبتا حضوراً شعبياً لافتاً، وقدرة على التحشيد لا يمكن نكرانها.

لكن ما يلفت الناظر في طبيعة هذه المعركة الانتخابية والشعارات التي خيضت على أساسها، يتجاوز حدود الفوز بمقعد نيابي أو حتى بالوصول إلى سدة الرئاسة الأولى في لبنان. فالخصمان اللذان حشدا أهل المتن عموماً، والمسيحيين منهم خصوصاً، خلف شعاراتهما، تبادلا التهم نفسها من جانبين متناقضين. فالجنرال ميشال عون يرى في خصمه وما يمثله إذعاناً مارونياً لهيمنة سنية على لبنان مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية عموماً، أما الرئيس أمين الجميل من جهته فيرى أن الجنرال عون وتياره يهدف إلى تسليم لبنان إلى هيمنة سورية–إيرانية واندراج في المحور الإيراني–السوري الذي يملك وكيلاً معتمداً في لبنان هو «حزب الله» وزعيمه السيد حسن نصرالله. ما يعني أن الزعيمين كانا يقاتلان ويناضلان ضد استتباب هيمنة من هيمنتين: سنية أو شيعية. مما يعني أن المطروح أمام الطائفة المارونية، بحسب خطابي الزعيمين، لا يتعدى حسن الاندراج تحت ظل هذه الهيمنة أو تلك. وهذا لمن يعرف تاريخ لبنان سابقة مارونية بالغة الخطورة على مستقبل الموارنة اللبنانيين عمومأً، وعلى طبيعة التوازن بين الطوائف الرئيسية في لبنان الذي ما زال مرعياً منذ قيامة لبنان في الربع الأول من القرن العشرين.

زعماء الموارنة اليوم يتهمون خصومهم بأنهم إنما يجرّون الموارنة إلى الخضوع لهيمنة طائفة أخرى، ويتقاتلون في ما بينهم دفاعاً عن رؤيتهم الموحدة هذه رغم اختلاف الخصوم المتهمين بالسعي إلى الهيمنة. والحق أن مشهد الشبان المحتشدين في ساحة الجديدة قبيل منتصف ليل الأحد – الاثنين الفائت، يوحي بأن الاستعدادات لخوض حرب أهلية مارونية – مارونية باتت تنتظر الشرارة فقط. وأرجح الظن أنها ستكون بديلاً مناسباً لفتنة سنية – شيعية يتخوف منها اللبنانيون ودول الجوار جميعا، وفي آن واحد. الأمر الذي يجعل الطائفة المارونية تقبع حائرة في تفضيل خدمة سيد من سيدين محليين، ويعرضها تالياً لأفدح الأخطار مستقبلاً ودوراً وقدرة على التعطيل.

سرعان ما تداعت قيادات الموارنة إلى دعوة مناصريهم إلى الخروج من الشارع وتجنب الاصطدام. لكن النجاة من كارثة الاصطدام الماروني – الماروني لن تكون سهلة متيسرة في الاستحقاقات المقبلة. ذلك أن كل طرف من الطرفين يرى في نهج الآخر وسياسته خطراً عميماً على لبنان وعلى مصير المسيحيين فيه. وبخلاف ما يرى بعض المحللين اللبنانيين ويعتقد أن هذه الظاهرة تعبر عن حيوية مارونية خلاقة في المجتمع اللبناني تفتقد لها الطوائف الأخرى، فإن مثل هذه الاصطفافات الحاشدة، التي تمس المصير السياسي المسيحي في لبنان في الصميم، لا تفعل سوى اعدام موارد الطائفة المارونية سياسياً وتعطيل فاعليتها داخلياً وخارجياً. فانقسام الموارنة جمهورين محتشدين وخطين متنافرين، يُفقد الطائفة المؤسسة والأساسية في لبنان قدرتها على التقرير في مستقبل البلد، وتصبح نهباً للرياح الخارجية من أي جهة أتت، وتعلق مستقبلها على كواهل الطوائف الأخرى في تغليب وجهة على أخرى. مما يجعلها وقوداً مناسباً لحرب أهلية بديلة عن الحرب الأصلية بين الطائفتين الأثقل موارد والأكثر تماسكاً والأصلب علاقات خارجية، أي السنة والشيعة. والأرجح أن الموارنة اليوم يخوضون حرباً أهلية باردة نيابة عن طوائف أخرى تملك من الأسباب والاختلافات والمصالح ما يجعلها تحجم عن تدمير كل مواردها دفعة واحدة في حرب ساخنة ما دام هناك من يخوضها لها على البارد، ومن دون أن تُمنى تلك الطوائف ومن يمثلها بخسارات كبرى. أخيراً، إنه لأمر يبعث على الدهشة، وربما السخرية المرة، حين يلاحظ المرء أن أبطال هذه الحرب الباردة بين الموارنة اليوم هم أنفسهم أبطال تلك الحرب الساخنة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي التي دمرت حصانة الموارنة كطائفة مقررة وفككت كل دفاعاتها الأهلية. والأرجح أن أحداً من عقلاء المورانة لم ينتبه لواقعة أن عدم عض مايك تايسون أذن أي ملاكم منذ مباراته مع هولفيلد ليست دليلاً قاطعاً على أنه أقلع عن هذه العادة.

كاتب لبناني

back to top